ما بعد بوش... الثابت والمتغير في السياسة الخارجية 

 

مايكل إبراموفيتز

 

كما سمعنا جميعاً، فإن الموضوع الأساسي في انتخابات 2008 الأميركية حتى الآن هو "التغيير". بيد أنه عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن الأمر قد ينتهي بقاعدة الحزب "الديمقراطي" المتشوقة للتغيير إلى الحصول على جرعة منه أقل كثيراً مما كانت تأمله إذا ما تمكن حزبها من الوصول إلى البيت الأبيض. وإذا ما وضعنا البلاغة الخطابية جانباً، فإن "الرئيسة" المحتملة هيلاري رودهام كلينتون، أو "الرئيس" المحتمل باراك أوباما، دعك من "الرئيس" المحتمل جون ماكين، قد يختطون طريقاً في هذا العالم يشابه بشكل يدعو للدهشة ذلك الطريق الذي اختطه جورج دبليو بوش لنفسه في فترة ولايته الثانية.

ولتوضيح ذلك يمكننا أن ننظر مثلاً لما تم في تلك اللجنة المكونة من خبراء في شؤون السياسات الخارجية (معظمهم ينتمي إلى الحزب "الديمقراطي") والتي عقدت اجتماعاً الصيف الماضي في "مركز الأمن الأميركي الجديد" ذي التوجهات الوسطية. ففي ذلك الاجتماع سأل "بيتر دي فيفر"، الذي كان في ذلك الوقت على وشك ترك وظيفته كعضو في مجلس الأمن القومي ضمن إدارة بوش، بعض كبار الحاضرين من "الديمقراطيين"، عما إذا كان بمقدورهم تحديد السياسات التي وضعتها إدارة بوش، والتي ستواصل الإدارة التالية اتباعها دون تغيير تقريباً. وقد تلقى "فيفر" العديد من الردود عن سؤاله هذا: فقد ذكرت "آن ماري سلوتر" أستاذة العلوم السياسية بجامعة برينستون، دعم بوش للديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، ومضاعفته لحجم المساعدات الخارجية. وتحدث "كيرت كامبيل" مسؤول البنتاجون في إدارة كلينتون عن الجهود التي بذلها فريق بوش من أجل حماية التراب الأميركي من الهجمات الإرهابية، وعن جهوده في تعزيز التحالفات مع بعض الدول مثل اليابان والهند. هذا في حين أبدى "جيمس بي. شتاينبيرج" نائب مستشار الأمن القومي خلال فترة "بيل كلينتون" الثانية في الحكم، إعجابه بجهود بوش في العمل مع "الديمقراطيين" في موضوع التجارة. أما "ريتشارد دانزيج" رئيس اللجنة، الذي كان قد شغل في السابق منصب وزير البحرية، ثم أصبح كبيراً لمستشاري أوباما، فقد ذهب إلى حد الثناء على استراتيجية إدارة بوش القائمة على استخدام العقوبات والضغط الدبلوماسي لإثناء إيران عن المضي قدماً في مشروعها النووي.

إن الإجابات التي قدمها أعضاء هذه اللجنة تشير ضمنياً إلى أن الرئيس القادم سيجد نفسه في مواجهة عالم مضطرب، حافل بالمشكلات العويصة التي ستحد من قدرة بلده على تقديم أي مبادرات جديدة خلاقة، مما يجعل من غير المستغرب أن يتبع هذا الرئيس سواء كان "ديمقراطياً" أم "جمهورياً"، نفس النهج الذي كان يتبعه الرئيس بوش في العديد تجاه الموضوعات المهمة مثل برنامج كوريا الشمالية النووي، والمحادثات العربية/ الإسرائيلية، والتنمية والصراعات في أفريقيا، والنبرة الصِّدامية الروسية المتصاعدة، وإدماج الصين في المجتمع الدولي.

ليس من المتوقع أن تشهد السياسة الخارجية الأميركية تغييراً ذا شأن، خاصة في موضوعات كتلك التي وعد "الديمقراطيون" بتحول فيها مثل العراق وإيران.

وليس من المتوقع أن تشهد السياسة الخارجية الأميركية تغييراً ذا شأن،، خاصة في بعض الموضوعات على الأقل، ومنها تلك التي وعد "الديمقراطيون" بإجراء تحول فيها مثل العراق وإيران، بل إن الاحتمال الأكبر هو أن يواجه الرئيس الجديد نفس القدر من الخيارات غير المستساغة التي ظل بوش وفريقه يكابدون في التعامل معها خلال السنوات الأخيرة.

فضلاً عن ذلك نجد أن كبار الخبراء "الديمقراطيين" المختصين في مجال السياسة الخارجية، يعتقدون أن هناك ضرورات تستدعي بقاء آلاف الجنود الأميركيين في العراق خلال السنوات القادمة، لأن الانسحاب الكامل من هذا البلد سيكون أمراً محفوفاً بالمخاطر. وعلى رغم أن كلاً من هيلاري وأوباما قد وعدا بإجراء خفض كبير في القوات، إذا ما نجحا في الانتخابات، إلا أنهما كانا حريصين على أن يتركا لنفسيهما مجالاً واسعاً للمناورة يسمح لهما بترك عدد كبير من القوات لمواجهة مقاتلي "القاعدة" في العراق، أو للقيام بأي مهام أخرى، دون مخالفة الوعود التي يقطعانها على نفسيهما خلال الحملة الحالية.

غير أن كل ذلك لا يعني أننا لن نشهد تغيرات حقيقية في مجال السياسة الخارجية، عندما يقسم الرئيس الجديد القسم الدستوري، على الأقل لجهة أن وجود وجه جديد في العالم سيسعد الكثيرين في العالم، ممن سئموا من بوش وسياساته. ومن المرجح أن ينعم الرئيس الجديد سواء كان "ديمقراطياً" أو "جمهورياً" بشهر عسل مع العالم الخارجي، ومن المتوقع كذلك لمثل هذا الرئيس أن يخطو خطوات واسعة لمد حبال التواصل مع الدول والشعوب الأخرى المتشككة في إدارة بوش.

ولكن التاريخ علمنا أن نكون حذرين عندما نبني تنبؤاتنا بالطريقة التي سيعمل بها الرئيس الجديد على الساحة الدولية على أساس الوعود التي يقطعها هذا الرئيس على نفسه في الحملات. ففي عام 1992 على سبيل المثال، شن كلينتون هجوماً كاسحاً على جورج بوش الأب بسبب تودده لـ"جزاري بكين" بيد أنه عندما تولى الرئاسة تبنى استراتيجية طويلة الأمد تقوم على محاولة مشاغلة الصين والتشابه معها. وفي انتخابات 2000 انتقد بوش أداء كلينتون بسبب نهجه الخاص ببناء الأمم، لينخرط بعد ذلك التاريخ بثلاث سنوات في عملية بناء أمم في العراق وباكستان تعد هي الأكبر في التاريخ الأميركي برمته.

وإذا ما نظرنا إلى جوهر الوعود التي يقدمها المرشحون الثلاثة الرئيسيون، الذين يخوضون الانتخابات الأولية في الوقت الراهن، فإننا سنجد أنها تنحصر في القول إنهم سيؤدون الدبلوماسية بشكل أفضل، وسيعملون مع الحلفاء على نحو أكثر قرباً، وسينجزون مهام السياسة الخارجية بصورة أكثر فعالية. وإذا ما أمعنا النظر في تلك الوعود فسنجد أنها هي ذاتها الوعود التي قدمها بوش، ومساعدوه منذ ثماني سنوات على وجه التقريب.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alittihad