لماذا يتعزز التكامل في أمريكا اللاتينية ويتراجع في العالم العربي؟
لو قام أحد
الباحثين بإجراء مقارنة بين منطقة أمريكا اللاتينية من جهة والعالم
العربي من جهة أخرى، ماذا عساه أن يلاحظ وما هي أبرز الاستنتاجات التي
يمكن أن يتوصل إليها؟ هذا ما أقدم عليه الدكتور عزام محجوب، أستاذ
الاقتصاد بالجامعة التونسية والخبير الدولي في قضايا التنمية لدى عديد
المنظمات الإقليمية والعالمية، وأعد دراسة حول هذا الموضوع سيقوم مركز
دراسات إسباني بنشرها قريبا.
كيف ولد الدافع
لإجراء هذه المقارنة بين منطقتين بعيدتين ومختلفتين في أشياء كثيرة؟
لقد لاحظ عزّام محجوب أن منطقة جنوب أمريكا تشهد منذ سنوات قليلة حيوية
لافتة للنظر على أكثر من صعيد، وخاصة في مجال الاندماج الإقليمي على
مستوى جنوب جنوب، ومن ذلك، اتفاقية تعاون تجمع بوليفيا وكولومبيا
والإكوادور والبيرو وفنزويلا، التي انسحبت فيما بعد، وهي المعاهدة
المعروفة بـ CAN، إلى جانب ذلك، هناك اتفاقية
"ميركوسور" MERCOSUR التي تضم كُـلا من
الأرجنتين والبرازيل والباراغواي والأروغواي.
في مقابل ذلك،
تشكّـلت أيضا في العالم العربي تكتّـلات إقليمية، مثل "مجلس التعاون
الخليجي" و"اتحاد دول المغرب العربي"، الذي يُـفترض أن تقام بينه وبين
الولايات المتحدة الأمريكية منطقة للتبادل التجاري الحر، إلى جانب
منطقة التبادل الحر التي تضم 17 بلدا عربيا ولم تشمل حتى الآن الجزائر
وموريتانيا وجيبوتي وجزر القمر، كما توجد أيضا اتفاقية أغادير التي
تضُـم كلا من مصر والمغرب وتونس والأردن وهنا لاحظ الدكتور عزام بأنه،
بالرغم من أن العالم العربي يتمتّـع ببعض الامتيازات وعناصر القوة، إلا
أن دول أمريكا اللاتينية تبدو أكثر جِـدية في تحقيق الاندماج الإقليمي.
نقاط قوة وفوارق اجتماعية
فمن بين نقاط
القوة التي تمّـت الإشارة إليها، أن نسق نمو الدّخل الفردي الخام أعلى
في العالم العربي (6،6%) منه في جنوب أمريكا (3،7%)، وإن كان الفضل
يعود في ذلك إلى الطفرة النفطية الثانية وإذا كانت الفوارق الاجتماعية
داخل الدول اللاتينية أشدّ عُـمقا وخطورة، إلا أن مِـن سِـمات العالم
العربي، حدّة الفوارق القائمة بين البلدان والشعوب العربية، وهي فوارق
تزداد حدّة أو أنها ظلت على الأقل ثابتة ولم تتقلّـص.
في ضوء ذلك وغيره
من المعطيات الرقمية والمؤشرات، يبدو المشهد في أمريكا الجنوبية متميزا
بحيوية قوية على أصعدة كثيرة. غذ يكفي النظر إلى الحياة السياسية التي
يوليها الباحث أهمية كُـبرى، حيث يشير إلى أن التحول الديمقراطي قد
تحقّـق بشكل واسع، إلى جانب حصول انتخابات فِـعلية في أكثر هذه الدول
وصعود اليسار بمُـختلف اتجاهاته، بما في ذلك اليسار الراديكالي، وذلك
عن طريق الإرادة الشعبية كما لاحظ عزام أيضا النّـهضة القوية التي
تشهدها المجتمعات المدنية في جنوب القارة الأمريكية، وهو أمر لا
يتوقّـف عند الكَـم الهائل من المنظمات والجمعيات المستقلة ووسائل
الإعلام الحرة، ولكن في التأثير المباشر لهذه المجتمعات المدنية على
صُـنّـاع القرار، بل واختيارهم فصعود القوى اليسارية في أمريكا
اللاتينية كان نتيجة عوامل متعدّدة، من بينها المكانة الكُـبرى التي
أصبحت تحتلّـها هذه الهياكل والمنظمات.
الدور الفعال للمجتمعات المدنية
ويعتقد محجوب بأن
المجتمعات المدنية في هذه الدول هي التي فرضت على حكوماتها المسألة
الاجتماعية وجعلتها تعطي الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتدفع
الخطاب الاقتصادي نحو نَـبرة معادية لليبرالية، بل هي التي حرّضت
حكوماتها على اتخاذ مواقف نقدية، وربما معادية للعولمة في مضمونها
الراهن، وغذت الشعور بالعداء للسياسات الأمريكية، على الصعيدين
الاقتصادي والسياسي، وهو ما أفشل محاولة البيت الأبيض في تمرير برنامجه
الخاص بالتبادل الحر المعروف بـ ANA ويذهب د.
عزام إلى القول بأن هذه الديناميكية النابعة من تحت، هي التي تقف وراء
الخطوات المتسارعة نحو تعميق عملية الاندماج الإقليمي التي بلغت نسبتها
23,5%، أي حوالي أربعة مرات أكثر مما هي عليه بالعالم العربي فنسبة
التبادل على سبيل المثال بين دول اتحاد المغرب العربي كانت تتراوح بين
3,4 % و3% من عام 1995 إلى 1999، أما خلال سنة 2005 فقد تراجعت النسبة
إلى حدود 2,6%.
عراقيل مؤسساتية وغياب الإصلاحات
كيف يفسِّـر عزام
محجوب حالة الضّـعف الشديد الذي يعاني منه العالم العربي في مجال
الاندماج الإقليمي مقارنة بما هو حاصل في أمريكا اللاتينية؟ يعتقد
محجوب بأن غياب الإرادة السياسية وانغماس الأنظمة الحاكمة في إطار
مصالحها المحلية الضيقة، هو أكبر عائق لتسريع نسق الاندماج ونظرا لوجود
ما يُـسميه بالنقص الفادح في مجال الحريات والحقوق الأساسية وغياب
إصلاحات سياسية فعلية، فإن ضغوط المجتمعات المدنية المحلية لا تزال
ضعيفة، بما في ذلك النقابات، ولم تتجاوز رغبتها في الاندماج العربي
مستوى المطالب الباهتة.
ويذكر في هذا
السياق، أنه خلافا لما تحقّـق في دول أمريكا اللاتينية، نجد غِـيابا
كاملا لممثلي المجتمع المدني أثناء صياغة ومناقشة نصوص المعاهدات
والاتفاقيات الإقليمية المختلفة، كما لاحظ أن القطاع الخاص كان له دور
قوي في دفع التعاون الإقليمي في جنوب أمريكا، في حين أنه على الصعيد
العربي، لا نجد أثرا ملحوظا لرجال الأعمال في بلورة المشاريع أو دفعها
ويعلل ذلك بالقول، أن القطاع الخاص العربي فاقد لاستقلاليته المالية
والسياسية، ولهذا لن تكون علاقته بالدولة إلا علاقة زبونية (حِـرفية)،
يبحث من خلالها على المنافع، مما يجعله غير قادر حتى على المناقشة أو
المبادرة، فما بالك بممارسة الضغط والاحتجاج، وهكذا يربط عزام بين
الديمقراطية السياسية وبين تحقيق تقدم فعلي في مجال الوحدة الاقتصادية
العربية.
يضيف إلى ذلك، ما
يسمِّـيه بالعراقيل المؤسساتية، حيث يعتقد أن الدول العربية تُـعتبر من
أكثر الدول حمائية فيما بينها، ويقصد بذلك العراقيل الكبرى الجمركية
وغير الجمركية القائمة، التي تحُـول دون تدفّـق البضائع المتبادلة، وهو
ما ينفِّـر المستثمرين ويُـعيق حركة التجارة ويستغرب عزام من ذلك، في
حين أن الدراسات المقارنة أثبتت وجود تكامل واسع بين حاجيات وصادرات
الدول، مما يفرض ضرورة الإسراع في عملية الاندماج، ومن هذه الزاوية،
ينظر بتفاؤل لاتفاقية أغادير، التي يعتقِـد بأنه لو يتم إخراجها إلى
حيِّـز التنفيذ، سيكون لها تأثير إيجابي على الدول الأربعة الأعضاء
فيها.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر:swissinfo-24-2-2008
|