تراجع النفوذ الأميركي... تحدٍ كبير للرئيس الجديد
فرد كابلان
ليس هناك ما يدعو
للدهشة في أن الحملات الانتخابية الرئاسية الحالية لا تتطرق إلا فيما
ندر إلى السياسة الخارجية، السبب في ذلك يعود إلى أن أياً من مرشحي
الحزبين، لا يمتلك حلاً للمشكلة الأكثر إلحاحاً في مجال السياسة
الخارجية، وهي تلك المتعلقة بحرب العراق. وهناك سبب أكبر من ذلك يتمثل
في أنه لا يوجد الآن في أميركا سياسي لديه الرغبة في الاعتراف بالحقيقة
المربكة المتعلقة بمكانة الولايات المتحدة في العالم، وهي أنها قد
أصبحت أضعف اليوم عما كانت عليه منذ عقد أو عقدين من الزمان، وأنها
بحاجة إلى سياسة خارجية جديدة تعترف بهذه الحقيقة وتبني عليها.
والحماقات التي ارتكبها بوش، ساهمت في تسريع انحدار النفوذ الأميركي،
ولكنه في الحقيقة لم يكن المتسبب فيه من الأساس. فالمفارقة هنا هي أن
ذلك الانحدار قد بدأ مسيرته في ذات اللحظة التي حققنا فيها آخر
انتصاراتنا الكبرى في القرن الماضي عندما انهار الاتحاد السوفييتي
ونجحنا في إنهاء الحرب الباردة لصالحنا. في الوقت ذاته ادعى البعض أن
الولايات المتحدة قد أصبحت "القوة العظمى الوحيدة في العالم" في حين أن
نهاية الحرب الباردة كانت قد تركت مفهوم القوة العظمى ذاته في حالة
يرثى لها.
يرجع ذلك لحقيقة
أن نفوذنا على ما يزيد عن نصف العالم كان قد نشأ في نصف القرن السابق
ليس بسبب العضلات الأميركية، وإنما بسبب وجود عدو مشترك. وخلال هذه
الفترة كان الحلفاء يعترفون بالمصالح الأميركية حتى وإنْ كان ذلك على
حساب مصالحهم القومية، لأن شبح الدب الروسي كان يمثل تهديداً أكبر يقضّ
مضاجعهم، أما عندما مات ذلك الدب، فإن خيوط التحالف تفككت. الكثير من
هذه الدول ستستمر في بعض الأحيان في السير وراءنا، ولكنها تشعر في
الوقت ذاته بأنها حرة في السير في الطريق الذي تريد السير فيه، دون أن
تهتم كثيراً بما تفضله الولايات المتحدة
وكان معنى ذلك أن إقامة تلك التحالفات لم يعد أمراً ميسوراً، وأن
الولايات المتحدة يجب أن تبذل جهداً كبيراً حتى تؤسس لتلك التحالفات،
ثم تعمل بعد ذلك على رعايتها وإدامتها.
عندما جاء بوش
وفريقه إلى سدة الحكم، لم يدركوا ذلك وتصرفوا على أن القوة الأميركية
لا تزال غير قابلة للتحدي، وتصرفوا على أساس أن استخدامها ضد الآخرين
لن يترتب عليه عواقب، وإذا ما ترتب، فإنهم لن يأبهوا لها. وكان من
الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى إقصاء الأصدقاء، وإغضاب الأعداء، والذين يقفون
بين هؤلاء وهؤلاء، وخصوصاً من يمتلك منهم مصادر طبيعية غنية، ودفعهم
إلى السعي إلى إبرام صفقاتهم الخاصة وتدشين شبكة علاقاتهم خارج سيطرة
الولايات المتحدة الأميركية ومن خلال
التجربة والملاحظة، تعلمت الدول -حتى تلك التي لا يؤمن زعماؤها بفكرة
معاداة الأمركة- أن تحدي الولايات المتحدة يمكن أن يمر دون عقاب. في
الوقت نفسه بدأ الدولار في الانخفاض تدريجياً، وأصبح الدين الأميركي في
أيدي المصارف المركزية الصينية، كما أصبح الجيش الأميركي، الذي لا يزال
حتى الآن هو الأقوى بفارق كبير، منتشراً على امتداد مساحات واسعة تفوق
قدرته على العمل خصوصاً في العراق وأفغانستان، حيث تستمر حربان مرهقتان
للولايات المتحدة على الرغم من أن مثل تلك الحروب كان يشار إليها في
فترة الحرب الباردة باسم "الحروب الصغيرة".
يمكن للرئيس
القادم أن يبدأ في بناء النفوذ الأميركي مجدداً، ولكنه، بالتأكيد، لن
يستطيع أن يحقق ذلك بمفرده، لأن تلك المهمة تطلب إعادة بناء التحالفات،
وهو أمر غدا أكثر صعوبة عما كان عليه في الماضي
.في المناظرات الانتخابية الرئاسية نادراً ما تحدث المرشحون
"الجمهوريون" عن التحالفات، وهم يتصرفون وكأنهم لا يأبهون البتة
بالطريقة التي ينظر بها العالم إلينا. أما المرشحون "الديمقراطيون" فقد
كانوا أكثر اهتماماً بذلك، حيث دعوا الى تحسين العلاقات مع الحلفاء،
والانخراط بشكل أكبر في الجهود الدبلوماسية. هذا شيء طيب في حد ذاته،
بيد أن "الديمقراطيين" وهم يفعلون ذلك يقللون -سواء بسبب حسابات سياسية
أو بسبب السذاجة- من قدر الصعوبات التي قد تواجه ذلك
وإذا ما فاز مرشح "ديمقراطي" في السباق الانتخابي، فإن الأمر
المؤكد تقريباً، هو أنه سيدخل في مباحثات مباشرة مع إيران، وهي بلا شك
فكرة جيدة لأن هناك افتراضاً مؤداه أن مجرد الحديث مع الطرف الآخر عادة
ما يؤدي إلى تنقية الأجواء ويسهل عملية حل المشكلات العالقة. لا يحدث
هذا بالطبع في جميع الحالات، لأن مصالح البلدين اللذين يدخلان في
محادثات معاً قد تكون غير قابلة للتوفيق، كما قد لا يكون لدى أحدهما
القوة التي تجعل البلد الآخر يستسلم. وإذا تبين أن هذا هو الحال
بالنسبة للمواجهة مع إيران، فإن الرئيس القادم، شأنه في ذلك شأن بوش،
قد يحاول تجميع تحالف مضاد لإيران، من بين الزعماء العرب السُنة، بيد
أنه يجب أن يكون معروفاً أن هؤلاء القادة سيحتاجون إلى تشجيع من جانب
الولايات المتحدة، حتى يقدموا على تحمل المخاطر المطلوبة.
الخلاصة، أن
الولايات المتحدة لم يعد بمقدورها إجبار الآخرين على الخضوع والامتثال
لإرادتها أو أخذ ذلك على أنه أمر مسلّم به. والتحدي الكبير الذي سيواجه
الرئيس التالي للولايات المتحدة على ضوء ذلك كله، هو العمل على إعادة
إحياء نفوذ أميركا ومكانتها في العالم، مع القيام في نفس الوقت،
بمواجهة القيود والحدود التي أصبحت مفروضة على قواتها في عالم يزداد
تشظياً على الدوام.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alitihaad-7-2-2008
|