موكب الاباء
نزار حيدر
لم تجتمع كلمة
(العرب النشامى) على شئ، كما اجتمعت اليوم على مقاطعة فيلم (موكب
الاباء) للمخرج السوري الشهم باسل الخطيب، ومن تمثيل كوكبة من نجوم
الدراما السورية، وعلى راسهم الفنان القدير سلوم حداد الذي مثل دور
السبط الشهيد فقد اشارت المعلومات الى ان فضائيات (العربان) رفضت عرض
الفيلم، وان المملكة العربية السعودية صرفت الكثير جدا من المال لمنع
عرضه في اية قناة من القنوات العربية، سواء الارضية منها او الفضائية.
لماذا؟
لا اعتقد ان
السبب يعود الى ان الفيلم يكشف المستور من خبايا البلاط الاموي الذي
كان يدعي بانه يمثل الاسلام، فقد فضحت العديد من الاعمال الفنية التي
عرضت خلال العقدين الاخيرين، الكثير من خفايا (حكام المسلمين) ومن كان
يدعي بانه (ظل الله في الارض) وانه خليفة رسول الله (ص).
خذ مثلا على ذلك
الاعمال الفنية التالية: (خالد بن الوليد) (الامامة الشافعي) (الظاهر
بيبرس) (ابناء الرشيد) (عمر بن عبد العزيز) (هولاكو) وغيرها العشرات من
الاعمال الفنية التي كشفت عن جانب بسيط من خفايا البلاط الاموي
والعباسي، ما يخجل، وما لا يمكن نسبته الى الاسلام لا من قريب ولا من
بعيد، وهي الرسالة التي ارادت الانظمة الحاكمة ايصالها للمتلقي العربي
على وجه التحديد، من اجل تبرير فساد الاسر الحاكمة في البلاد العربية
التي يسوغها ويسوقها (بتشديد الواو) وعاظ السلاطين للشعوب العربية،
وكانها الامتداد الطبيعي لتلك الازمنة من تاريخ المسلمين، ولتلك
الطريقة من الانظمة والنوعية من الحكام والخلفاء.
كذلك، لا اعتقد
ان السبب يكمن في ان مثل هذا الفيلم يمكن ان يكون مشروع فتنة بين
المسلمين، فالفيلم الذي يصور تراجيديا كربلاء منذ لحظة استشهاد السبط
وحتى عودة موكب السبايا الى مدينة جدهم رسول الله (ص) المدينة المنورة،
مرورا بالكوفة فالشام فكربلاء، حيث مصارع الكرام، فالمدينة المنورة،
ليس فيه ما يناقض الحقيقة، بل ان كل شئ فيه ينسجم مع سيرة رسول الله
(ص) التي حثت على حب اهل البيت عليهم السلام والوصية عليهم.
فلماذا حاصروا
الفيلم اذن؟.
برايي، فان هنالك
سببين اثنين وراء هذا الموقف المخجل:
الاول؛ كون
الفيلم يحمل الطاغية يزيد بن معاوية المسؤولية المباشرة على جريمة قتل
السبط الشهيد، هذه الحقيقة التي اجتهد ائمة الظلال، منذ عاشوراء عام
(61) للهجرة ولحد اليوم، على تحريفها وتغييرها بل وطمسها، وبشتى الطرق،
تارة بالترهيب واخرى بالترغيب وان من يمر على مواقع الانترنيت اليوم،
خاصة تلك التي يديرها ويمتلكها النواصب، يخرج بهذه النتيجة، فكلها تبرئ
الطاغية يزيد من دم الحسين، فتارة تتهم واليه على الكوفة عبيد الله بن
زياد واخرى تتهم شمر بن ذي الجوشن وهكذا، فهم قد يتهمون اليهود
والنصارى والماء والهواء والارض والسماء، الا يزيد فليس في رقبته من دم
الحسين شئ، اما الفيلم، فيضع النقاط على الحروف ويحدد القاتل والمجرم
والجاني باصبعه على وجه التحديد بلا لبس او شك او تردد، فتاتي الحقيقة
اول ما تاتي على لسان زوجة الطاغية الارعن يزيد، ثم تترى على لسان
الاخرين، بعد ان ينطق بها الطاغية نفسه والسبب واضح، لان وعاظ السلاطين
الذين لا هم لهم الا التبرير للحاكم الظالم، لا يرون مصلحة في اتهام
النظام الاموي بارتكاب مثل هذه الجريمة، اذ كيف يتهمون الطاغية يزيد
وهو ابن (امير المؤمنين ) معاوية بن ابي سفيان؟ وهو الانموذج الذي
تحتذي به اليوم الاسر الحاكمة في الكثير من بلاد العرب والمسلمين؟ الا
يعني اعترافهم بالحقيقة ادانة لانفسهم قبل كل شئ، وانه اعتراف
بانحرافهم انفسهم قبل غيرهم؟.
اما هذا الفيلم،
فيؤكد بالادلة القاطعة، بان الطاغية يزيد والنظام الاموي الجاهلي هو
المسؤول المباشر على هذه الجريمة البشعة والشنيعة، والتي انتهك بها
حرمة الاسلام والمسلمين، وحرمة رسول الله (ص) واهل بيته الكرام.
الثاني؛ هو ان
الفيلم، يعد اول عمل فني يتحدث عن الجانب الاخر من المعادلة القائمة
منذ بعثة رسول الله (ص) والى اليوم وحتى قيام الساعة، الا وهم عترة
رسول الله (ص).
ان كل الاعمال
الفنية التي عرضتها الشاشات لحد الان تتحدث عن جانب واحد من المعادلة،
الا وهو جانب البلاط الحاكم باسم الاسلام، حتى كاد الناس ينسون ان في
التاريخ الاسلامي جانب آخر غير البلاط ، انه جانب اهل البيت الذي يمثل
الاسلام الحقيقي، فهم، عليهم السلام، الذين يمثلون الطهر والالتزام
والايمان بالله تعالى والتمسك باخلاق ومناقبيات رسوله الكريم، واذا
كانت صورة البلاط الاموي والعباسي سوداء يفيض منها الزيف والخداع
والانحراف والموبقة والتحلل الخلقي والديني، فان في الجانب الاخر كل
معاني الايمان والطهر والنقاء والاباء والشجاعة والتقوى والعزة والاباء
والكرامة وحب الخير والمساواة واحترام العهود والمواثيق وصيانة الحقوق
التي اوجبها الله تعالى لعباده بعضهم على بعض، فهم الذين اذهب الله
عنهم الرجز وطهرهم تطهيرا وجعلهم ائمة يهدون الى الخير والحق بامره.
انهم يخشون من
اطلاع الناس على الوجه الاخر من الصورة، ويرتعدون من معرفة الناس
للحقيقة، لانهم يريدون ان تظل الامة جاهلة لا تعرف الا ما يريد الحكام
والانظمة الملكية الاستبدادية الشمولية، ولذلك فهم يمارسون سياسة
التجهيل والتظليل صباح مساء، حتى لا يعرف الناس الحقيقة، وهم بذلك
يسيرون على النهج الذي رسمه وخطط له النظام الاموي الذي ضيع احاديث
الرسول الكريم بحق امير المؤمنين عليه السلام ثم خلق الاحاديث التي
تتحدث عن مناقبيات زائفة للطلقاء وابناء الطلقاء من امثال معاوية ابن
آكلة الاكباد ومن لف لفه، ولذلك فليس عجبا ابدا ان يسميهم الحسين السبط
(شيعة آل ابي سفيان) فهم اليوم شيعة ذلك الملعون على لسان النبي الامي
والشجرة الخبيثة التي ذكرها الله تعالى في القران الكريم.
الفيلم، اذن،
يتحدث عن الجانب الاخر من تاريخ المسلمين ولذلك خشيه (العرب اصحاب
الغيرة).
ولكن...فاتهم ان
محاولاتهم الرامية الى اخفاء الحقيقة لم تعد ذو جدوى، وانهم ان ملكوا
وسائل الاعلام، والمال الحرام، فانهم لم يعودوا يملكون القدرة على طمس
الحقيقة واخفائها، فليس لهم ان يطفؤوا نور الله بافواههم، اذ يابى الله
تعالى الا ان يتم نوره ولو كره (العربان من شيعة آل ابي سفيان).
انهم تصوروا لو
انهم قاطعوا الفيلم ولم يعرضوه من على شاشاتهم، بمثل هذا الموقف الذي
جر عليهم عارا آخر، فان الناس سوف لن تراه، وتاليا سيفشل الفيلم وسيقبر
في مهده، وما دروا ان كيدهم سيرد اليهم وان رايهم الى افن، وصدقت بنت
علي العقيلة زينب الكبرى عليها السلام، عندما خاطبت الطاغية يزيد في
مجلسه بالشام، منتشيا ينكت بمخصرته شفتي ابي عبد الله الحسين عليه
السلام {اظننت يا يزيد حين اخذت علينا اقطار الارض وآفاق السماء
فاصبحنا نساق كما تساق الاماء، ان بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة؟
وان ذلك لعظم خطرك عنده؟... فمهلا مهلا لا تطش جهلا} ثم اردفت {فكد
كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا،
ولا تدرك امدنا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رايك الا فند، وايامك الا
عدد، وجمعك الا بدد} لقد هب اصحاب الضمائر الحية ممن يحب الحقيقة لنفسه
ولغيره، باستنساخ الفيلم على الاقراص المضغوطة، لينتشر كالبرق في كل
مكان، وانا على يقين من ان الفيلم سيدخل الى كل بيت من بيوت الناس في
كل العالم، لانه يمثل جانب الحقيقة، فاذا اجتهد ائمة الضلالة في طمسه،
فان الله تعالى متم نوره ومظهره شاء من شاء، وابى من ابى، و{ان غدا
لناظره لقريب} وصدقت السيدة زينب بنت علي (عليهما السلام) عندما قالت
لابن اخيها الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام عندما راته بعد
واقعة كربلاء وانتهاء يوم عاشوراء، قلقا {وليجتهدن ائمة الكفر واتباع
الظلال في محوه وطمسه تقصد ذكر الحسين وذكراه فلا يزداد اثره الا
علوا} فمن كان يصدق ان اكثر من مليارد مسلم ومسلمة وفيهم الملايين من
محبي السلام والحرية والعزة والكرامة والتضحية والاباء، احيوا هذا
العام ذكرى الطف وذكرى شهادة سيد شباب اهل الجنة الحسين بن علي بن
فاطمة بنت رسول الله (ص) كل على طريقته؟ بالرغم من كل ما تعرض ويتعرض
له الحسين (ع) من حرب شعواء من قبل ائمة الكفر واشياع الظلالة على حد
قول عقيلة بني هاشم، سوى انها ارادة الله وعهده لرسوله الكريم في ان
يرعى الذكرى ويحفظ الحسين منارا خالدا وعلما هاديا لا يمحى ذكره ولا
يطمس اثره؟.
دعوتي اوجهها لكل
من يبحث عن الحقيقة، ان يشاهدوا الفيلم، لنتجاوز اعلام (العربان) فلا
يكن الواحد منا اسيره ومرتهن له، او نبقى نجهل الحقيقة ولا نحاول
الوصول اليها بحجة او باخرى، فحجة الله اليوم تامة على كل الناس بعد ان
مكنهم من معرفة الحقيقة بما انعم عليهم من وسائل الاتصال الجمعي التي
دخلت حتى الى مضاجعنا والى عقر دورنا، فهل من مدكر؟.
يجب ان يشاهد
الفيلم كل مسلم ومسلمة، وكل اسرة، الصغار قبل الكبار، والنساء قبل
الرجال، ليطلع الجميع على الحقيقة، ولنثبت ل (العربان من شيعة آل ابي
سفيان) بان زمن احتكار الحقيقة قد ولى والى الابد، فلقد انعم الله
تعالى على عباده بوسائل الاتصال ما لا يمكن لاحد ان يحجبها او يمنعها
عن الناس، بعد ان اضحت مشاعة للجميع، فهل من معتبر؟ ولنكسر الحصار الذي
يضربه الامويون الجدد على قصة الحسين السبط الشهيد كما اود ان ادعو
هنا، وبالحاح، القنوات الفضائية التي ابدت حرصا واهتماما في ايام
المحرم وذكرى فاجعة الطف، واخص منها بالذكر، قنوات (العراقية والانوار
والفرات والفيحاء) الى ان تبادر في اقرب فرصة الى عرض الفيلم، لتسجل
تواصلها مع الحقيقة بابهى الصور.
كما اتمنى ان
نبذل الجهد بعد الجهد، لنشر الفيلم في كل مواقع الانترنيت وفي غرف
المحادثات وعلى شبكة البحث العالمية وفي كل مكان لا يسيطر عليه او
يتصرف به (شيعة آل ابي سفيان).اخيرا، لا انسى هنا ان ارفع اسمى آيات
التقدير والعرفان لكل من ساهم في اخراج هذا الفيلم، فلقد نصروا به
السبط، وانتصروا به لدين جده، فشكرا لهم على ما بذلوه من جهد متميز،
وشكرا لهم على ما سعوا اليه من اجل اماطة اللثام عن الحقيقة، وجزاهم
الله تعالى خير جزاء المحسنين.
شكرا لهم،
والف شكر.
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي
المعهد.
|