من أجل إنسانية الإنسان

 

باسم البحراني

 

 

أن يشعر الإنسان بإنسانيته وبكيانه وبكرامته وحريته، هي من البديهيات التي لا يخلف عليها اثنان، وكلما ازدادت الإنسانية نضجاً ووعياً كلما ازدادت تمسكاً وتطلعاً إلى تعزيز هذا الشعور وتمثُّله في الواقع الخارجي، بل إن الإنسان إذا ما فقد هذا الإحساس الجميل بإنسانيته تجده حينها فاقداً لكل معاني الحياة الكريمة، مهما كانت الحياة مقبلةً عليه بزخرفها.

ها نحن نرى العالم في كل عام يحتفي بـ (اليوم العالمي لحقوق الإنسان) باعتباره نقطةً مهمةً في سبيل الحفاظ على كرامة الإنسان، فالحقوق الكاملة غير المنقوصة هي مرادف موضوعي وعضوي لتلك الكرامة، بحيث يصعب الفصل بينهما بأي حال من الأحوال وعلى مرِّ التاريخ مرت هذه الحقوق بتطورات عدة، فمنذ أن كانت في البدء حقوقه مسلوبة، وكرامته ممتهنةً، إلى أن سارت في مسار تصاعدي نحو الالتفات إلى هذه الحقوق ووجوب مراعاتها، والنأي عن كل ما يمكن أن يسيء إليها تحت أي ذريعة أو عذرٍ كان، فلا مبرر لذلك مطلقاً، بل إن مجرد التبرير لذلك يعدُّ جريمةً وتعدياً على هذه الحقوق، فالإنسان سواءً كان جاراً أو صديقاً أو عاملاً مع ربِّ عمله، أو حاكماً ومحكوماً في شتى الأحوال ينبغي مراعاة هذه الحقوق وحفظها وقد يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن حقوق الإنسان (الثورة الفرنسية) وما كانت تمثله هذه الثورة من أهمية في هذا المجال، كما أن لمجموعة من الفلاسفة الاجتماعيين الغربيين الذين قدَّموا بعض الأفكار والنظريات التي أسست لواقعٍ جديد يرتفع بالإنسان لما يليق به كإنسان دورٌ مهم في هذا السياق، كما نستذكر ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي وقعت عليه الكثير من دول العالم باعتباره التفاته أخرى لأهميته ولكن ما ينبغي عدم إغفاله هو أن الأديان عموماً والإسلام على نحوٍ خاص كان لها دور مركزي في التأسيس لهذه الحقوق، فالتوحيد والعبودية المطلقة لله تعالى، هي أولى اللبنات التي تتقوَّم عليها هذه الحقوق، (لا تكن عبدَ غيرك وقد خلقك الله حراً)، وفي المقابل الرفض الصارم لأي عبودية لغير لله، التي تعدُّ من المحرمات والكبائر التي لا تغتفر، فكرامة الإنسان فوق أي اعتبار، وكأن الإنسان حينما يتوجه لغير الله كأنه يتذلل ويبذل من كرامته ما لا ينبغي عليه القيام به، بل هو منهيُّ عنه. في حين أن الدين التوحيدي جاء لتحرير الإنسان من الأغلال والأصفاد.

قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم).

قال تعالى: (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).

كرامة الإنسان تبدأ بحريته، وبحصوله على حقوقه.

كربلاء بين نقيضين:

اجتمع في ساحة كربلاء يوم عاشوراء منهجان ومعسكران، معسكرٌ يسعى إلى سحق إنسانية الإنسان واستعباده بشتى الوسائل وأفضع الصور، فالإنسان في هذا المعسكر مجرد أداة لقتل الكرامة في أبهى صورها، لتحقيق مآرب فئة مستنفعة، ذات أغراض خاصة، ومعسكرٌ آخر يرى أن الإنسان ينبغي أن يكرَّم، لا يمايز فيه بين الأسود والأبيض، وبين الرفيع والوضيع، وبين الصغير والكبير، بل إن قائد هذا المعسكر لا يميِّز بين ابنه الذي أحبه حباً جماً وبين أحد أصحابه، الذي اندهش هو ذاته كيف أن ابن بنت رسول الله يصنع معه وهو العبد الأسود الذي كان البعض يتحاشاه، في حين أن هذا القائد يصنع معه نفس ما صنعه مع ابنه...ذاك لأن كرامة الإنسان في هذا المنهج، وفي ظل هذا المعسكر فوق أي اعتبار ولو تجولنا في مشاهد هذه الملحمة الكربلائية، لوجدنا ما يذهل الألباب ويحيّر العقول، وأظن أننا بالفعل سمعنا ونسمع في محاضرات عاشوراء شيئاً بسيطاً من هذا والدور علينا، كيف نحفظ حقوقنا، وحقوق الآخرين فلا نتعدى على حقوق الآخرين كما لا نسمح لأحدٍ أن يتعدى على حقوقنا...فسلامٌ عليك يا أبا الحرية والأحرار.

المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي المعهد.

المصدر:ebaa