الشعائر الحسينية انتماء وامتحان الهي
تمثل الشعائر
الحسينية احد اهم روافد استمرار الارتباط البشري بقضية اهل بيت رسول
الله (ص) وهي القضية الحسينية التي ابكتهم دماء واسالت على التاريخ
انهار الدموع، فالشعائر تسلط الضوء على حقيقة الصراع الابدي بين الحق
والباطل وتظهر بشكل واضح الزيف الذي يعيشه الطغاة، لذلك يخاف الظالمون
من الشعائر الحسينية اشد الخوف ويحاربونها بكل طاقاتهم.
بل وتشكل الشعائر
الحسينية هوية الامة وتعطيها ذلك الانتماء الحقيقي لمدرسة الاسلام
الناصعة لذلك فان الشعائر الحسينية هي امتداد لذلك النضال الذي سار
عليه ائمة اهل البيت (ع)، كما انها تشكل امتحانا واختبارا عسيرا من حيث
احياءها او محجاربتها.
يقول المرجع
الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي: لقد تمّ إحياء هذه
المناسبة منذ استشهاد سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام إلى
يومنا هذا ألفاً وعدّة مئات من المرّات، وفي كلّ مرّة يستلهم محبّو
الإمام قيماً ومفاهيم جديدة من خلال مدرسة عاشوراء الخالدة. لقد بقي
نور هذه الملحمة العظيمة مضيئاً عبر العصور، فترى المؤمنين يتزوّدون من
فيضها الغنيّ لدنياهم وأخراهم. إنّ ذكرى عاشوراء مرّت بمسيرة طويلة من
التحوّلات، والتضحيات التي قدّمها الأسلاف والوالهون بسيّد الشهداء
عليه السلام حتّى وصلت إلينا هذه المدرسة العاشورائية المناهضة للظلم،
العريقة بأهدافها المقدّسة ونحن بدورنا إذا
أردنا أن نكون من المنتمين حقّاً لهذه المدرسة، يجب علينا أن نبذل
الغالي والنفيس من أجلها، وأن نسعى جاهدين لتسليم هذه الأمانة
الحسينية، إلى الأجيال اللاحقة، مصونة لا تشوبها شائبة، وفي الوقت نفسه
فاعلة ومحفوظة من أيّ زيغ أو حرف. ولا يتحقّق هذا إلاّ إذا خلصت
النوايا، وذابت المصالح الشخصية، وحلّ محلّها تحقيق مرضاة الله عزّ
وجلّ ويضيف المرجع الشيرازي: إنّ لمواكب
العزاء الحسينية وتلك الشعائر منزلة رفيعة ومقاماً سامياً جعلت العلماء
يفخرون بالمشاركة فيها أيّما افتخار. إنّ مقيمي المآتم الحسينية إنّما
يعزّون النبيّ صلّى الله عليه وآله. يقول الإمام الصادق عليه السلام في
هذا المجال:
«يعزّ على رسول
الله صلى الله عليه وآله مصرعهم ـ أي الحسين وأهل بيته ـ ولو كان ـ أي
رسول الله ـ في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو
المعزّى بهم».
في الواقع، إنّ
جلّ ما نملك من مُثُل وقيم هو من بركات تضحيات سيّد الشهداء. فذكرى
عاشوراء هي التي غرست في أعماقنا العبودية لله عزّ وجلّ، ومبادئ
الإنسانية، والإيثار وخدمة الآخرين، والعطف على الضعفاء، والدفاع عن
المظلومين، ولأجل هذا كلّه يجب أن نحافظ على جذوة ملحمة عاشوراء متّقدة
على الدوام، وأن نبذل مهجنا دونها، لنضمن الرفعة والشموخ لنا وللأجيال
من بعدنا.
ويقول المرجع
الشيرازي معلقا على دور الشعائر الحسينية: إنّ شبابنا هم أمانة الله
وأهل البيت، عندنا وقد حافظ أسلافنا على الأمانة على أحسن وجه وسلّمونا
الدين ومضوا، لذلك علينا أن نسعى بدورنا لأن نصون الأمانة على أتمّ
صورة، لنسلّمها إلى الأجيال من بعدنا، فلنحاول أن لا يُحرم أيّ شابّ في
محلّتنا أو عشيرتنا أو أحد أصدقائنا من المشاركة في الحسينيات ومجالس
العزاء، لنحاول دفع الشباب باتجاه المواكب والشعائر الحسينية، فهذه
المسألة تحظى بأهمية كبيرة، خاصّة في عالم اليوم حيث تحاول وسائل
الأعلام المضلّلة وبشكل واسع إغراء الشباب وجذبهم نحوها.
ثواب إحياء الشعائر الحسينية
ويرى المرجع
الشيرازي: إنّ الذين قدّموا الخدمات الجليلة للإمام الحسين سلام الله
عليه، وتحمّلوا في سبيله العناء والعذاب، سيُسَجَّل لهم ما قدّموه
بأحرف من نور في سفر التاريخ، وفي المقابل سُتكتب أسماء الذين وجّهوا
ولو أدنى إهانة لمواكب العزاء والمآتم الحسينية بأحرف من نار وهوان،
أولئك الذين وقفوا في وجه مراسيم العزاء على سيّد الشهداء وكذا بدرجة
أقلّ أولئك الذين أعاقوا أو ثبّطوا ذويهم أو الآخرين عن إقامة هذه
الشعائر أو المشاركة فيها، كالزوج الذي منع زوجته من المشاركة، أو
الزوجة التي ثبّطت من عزيمة زوجها، أو الأخ الذي منع أخاه، أو الجار
الذي منع جاره، وبعبارة واحدة: كلّ من وضع عقبة في طريق إقامة
الشعائرالحسينية، كلّ ذلك سيسجّل عليهم صغيراً كان أو كبيراً
وكما أنّ لخدمة المواكب الحسينية وتعظيم شعائرها ثواباً وأجراً
جزيلاً، كذلك فإنّ التصدّي لهذه المواكب ومحاربتها ستكون لهما عاقبة
سيّئة. ومن يضع العراقيل في طريق المواكب الحسينية، سيلقى جزاءه في دار
الدنيا قبل الآخرة؛ لأنه بذلك يكون كمن يحارب الإمام الحسين سلام الله
عليه. إنّ الثواب الحقيقي للأعمال عموماً يُكشف عنه في يوم الحساب،
لكنّ المسيء للإمام الحسين سيدفع ثمن ذلك في الدنيا قبل الدار الآخرة.
إحياء الشعائر الحسينية مستحبّ حتى مع وجود الخوف
ويشير المرجع
الشيرازي الى ان: أن زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه كانت على مر
التاريخ مقرونة بالخوف والتضحية وتحمّل الصعاب، بل كان حتى ذكر الإمام
الحسين سلام الله عليه يغيظ الظلمة فكانوا يضيّقون على المؤمنين
ويخلقون لهم المشاكل إذا ذكروا الإمام الحسين سلام الله عليه أو نصبوا
له المآتم أو ذهبوا لزيارته أو عظّموا أيّاً من شعائره، أو ذكّروا بما
جرى عليه وعلى أهل بيته وأصحابه في كربلاء؛ ولذا قال الإمام لابن بكير:
أما تحب أن يراك الله فينا ـ أي في سبيلنا ومن أجلنا ـ خائفاً؟
عظمة ذكر الإمام
الحسين سلام الله عليه وإقامة التعازي على مصابه، وهكذا زيارته، وإحياء
شعائره التي هي شعائر الله تعالى، وتميّزها بميزة لا توجد في كل
العبادات حتى الواجبات منها فضلاً عن المستحبات، وهي عدم رفع جوازها
ولا استحبابها حتى مع الخوف؛ قال سماحته: إذ استثنينا الجهاد الذي يكون
الخوف ملازماً له بالطبع والغالب، لا نجد عبادة أخرى في الإسلام تبقى
على حكمها مع الخوف، سواء كانت تلك العبادة واجبة أو مستحبة
أمّا الشعائر الحسينية ومنها زيارة الإمام الحسين سلام الله
عليه فمع أن المشهور عند فقهاء الشيعة استحبابها ـ لا وجوبها ـ لا تسقط
مع الخوف، أي لا يسقط استحبابها فضلاً عن جوازها. ولذلك قال الإمام
الصادق سلام الله عليه في جواب ابن بكير: «أما تحبّ أن يراك الله
خائفاً فينا»، ولم يسمع عن المعصومين سلام الله عليهم تعبير مماثل في
مورد عبادة أخرى.
الشعائر الحسينية امتحان
ويؤكد المرجع
الشيرازي على: إنّ عاشوراء فيصل وممتحن للناس يُمتحنون به؛ سرعان ما
ينتهي بسببه الانسان إلى الجنة والسعادة أو إلى النار والشقاء.
إنّ من المؤسف
جدّاً أنّ يسقط في هذا الإمتحان بعض من هو في العقيدة من أتباع أهل
البيت سلام الله عليهم. جاءني قبل أيام شخص يعتقد أنه من أتباع أهل
البيت وكان يشكك بواحدة من شعائر الإمام الحسين سلام الله عليه، فسألته
عن سبب تشكيكه فقال: لإشكالين؛ الأول: أنّ هذه الشعيرة لم تكن موجودة
في زمن النبي صلّى الله عليه وآله والأئمة المعصومين سلام الله عليهم.
والثاني: أن بعض من يمارس هذه الشعيرة قد يرتكب بعض المحرّمات أو
يتخلّف عن بعض الواجبات أما عن الإشكال
الأول فقلت له: إن هذا من كلمات الوهّابية، فلا ينبغي لكم ترديده،
والوهّابية لا يرجعون إلى سند قويّ؛ إنهم يستندون في أفكارهم وفقههم
إلى أمثال أحمد بن حنبل وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وهؤلاء أقلّ
ما يقال فيهم أنهم ليسوا بأكثر من جهلة لا اطلاع صحيح لهم عن الدين،
أما نحن فنستند في عقائدنا وفي فقهنا إلى مدرسة أهل البيت سلام الله
عليهم الذين لا يقاس بهم من الناس أحد.ثم إنني أسأل من يعترض على هذه
الشعائر بدعوى عدم وجودها في زمن النبي صلّى الله عليه وآله: ماذا يقول
في قباب الأئمة، والحسينيات، والكتب الحديثية، والمدارس الدينية
والمراجع و... فهذه كلّها لم تكن في زمان النبي ولا زمان الأئمة سلام
الله عليهم، مع أنّ سخف القول ببطلانها من الواضحات
ويجاب على هذا الإشكال بجوابين فقهيين:
الأول: أنّ هذه
الشعائر داخلة تحت العمومات، وهي تشمل الجميع. فكما أنها تشمل قبّة
الإمام الحسين سلام الله عليه وضريحه ولم تكن في زمن الأئمة سلام الله
عليهم، فكذلك تشمل الشعائر كلّها.
الثاني: إن هذه
الشعائر من مقدّمات وجود الواجب، ومقدّمات وجود الوجوب ـ كما هو معلوم
ـ واجبة، عينية كانت أو كفائية، وإنّ علماء الشيعة من الشيخ المفيد
وحتى زمننا الحاضر بحثوا هذه المسائل بتحقيق وعمق وبسط. إذن فهذا
الإشكال غير وارد، وهو كلام الذين لم يقرأوا القرآن أو قرأوه ولم
يفهموه، أو لم يقرأوا الحديث أو قرأوه ولم يعوه.
أما الإشكال
الثاني فجوابه: أنّ الشخص العادي ـ فضلاً عن المتفقّه ـ يدرك أنّ وقوع
الحرام أو التخلّف عن الطاعة في مكان أو مقام، لا يعني عدم مشروعية ذلك
المكان أو المقام، وإنما تنحصر الحرمة في الفعل نفسه. فلو أنّ إنساناً
بات في مسجد مثلاً من طلوع الفجر حتى طلوع الشمس، وبسبب تساهله فاتته
الصلاة، فهل يؤمر بغلق هذا المسجد أم يجب هداية ذلك الإنسان بالحكمة
والموعظة الحسنة؟
إنّ ما أودّ أن
أنبّه إليه في المقام أنّ على المؤمنين التورّع من إبداء الرأي في
أحكام الله تعالى وأنّ عليهم التقيّد بالرجوع إلى من لهم الحقّ في
الإفتاء وبيان أحكام الله تعالى؛ لأنّ أحكام الله سبحانه وتعالى مهمة
جداً وعظيمة عنده، ولا تنال بسهولة في كل أحد؛ بل يبذل الفقهاء الجهد
لسنوات من أجل الوصول إليها، ورُبّ مسألة واحدة يستغرق البحث فيها
أسابيع قبل أن يتوصّل الفقيه في نهاية الأمر إلى فتوى فيها وقد لا
يتوصّل.
إننا لا نستغرب
من التشكيك الذي يمارسه البعض بشأن قضية الحسين سلام الله عليه بعد أن
أعيتهم الحيل في مواجهتها؛ وذلك لأن الشيطان هو الذي علّم أولياءه
التشكيك في مثل هذه المواقف، فلقد جاء في كتاب كامل الزيارات الذي
يعدّه بعض علماء الشيعة أصحّ حتى من الكافي والتهذيب والاستبصار، وهو
بحقّ من أفضل كتب الروايات لدى الشيعة، رواية تقول إن زينب سلام الله
عليها سألت أباها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عن حديث أم أيمن
ـ وهو نفس الحديث الذي أخبرت به زينب ابن اخيها الإمام زين العابدين
سلام الله عليه في كربلاء والذي جاء فيه «وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع
الضلالة...» ؛ فقال لها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: الحديث
ما حدّثتك به أم أيمن. وفي هذه الرواية التي نقلتها عن أمير المؤمنين
سلام الله عليه وعن أم أيمن عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أن إبليس
أمر شياطينه قائلاً: يا معاشر الشياطين ... فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس
.
إن إبليس لما عرف
أنه وأتباعه لا يستطيعون أن يواجهوا قضية الإمام الحسين سلام الله عليه
دعاهم للتشكيك بها، فعلى الذين يفترض أن يكونوا ممن دعا لهم الإمام
الحسين في قنوته، أن يحذروا من دعوة إبليس هذه وأن لا يكونوا من
المشككين.
إن التشكيك
بقضايا وشعائر الإمام الحسين سلام الله عليه ليس لعباً في نار الدنيا
فقط وإنما هو يفسد آخرة الإنسان أيضاً. فحذار حذار من التشكيك في قضايا
الحسين وشعائره، فكما أن الأجر والمقام والأمل والثواب عظيم لمن يقف في
صف الحسين وشعائره، فكذلك العقاب عظيم لمن يشكك فيها أو يعرقل إجراءها.
واعلموا أن ما يجري في السماوات من تعظيم هذه الشعائر لهو أعظم بكثير
مما يجري في الأرض في بلاد الشيعة وغيرهم من مجالس وإطعام وشعار وكتب
وأقراص مدمجة وما يبث عبر الفضائيات وينشر على الإنترنيت وغير ذلك.
الشعائر الحسينية من شعائر الله تعالى
ويقول المرجع
الشيرازي في جواب له عن استفتاء شرعي: من يقول إن الشعائر الحسينية
ليست مِن شعائر الله تعالى وغير داخلة في قوله تعالى «وَمَن يُعَظِّمْ
شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ»{سورة الحج/الآية
32} فرأيه غير سديد وهداه الله لصراطه المستقيم؛ وذلك لأن الشعائر التي
مفردها شعيرة تعني: العلامة، وليست كلّ علامة بل هي العلامة الدالّة
على الطريق وكل شي داخل في هذا الإطار يُعَدُ من الشعائر، فالحج مثلاً
مفردة من مفردات الدين وشعيرة دالّة عليه بجملتها وتفصيلها وكلّ
أجزائها، لذلك جعل القرآن الكريم البُدن في الحجّ من الشعائر ولحق بها
نفس الحكم لارتباطها الوثيق به، كما في قوله تعالى: «وَالْبُدْنَ
جَعَلْنَاهَا لَكُم من شَعَائِرِ اللَّهِ»{سورة الحج-36
الآية} كذلك الإمامة فهي جزء من أجزاء الدين بل من أهمّها؛ قال تعالى
«إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» والإمامة بمفردها مجرد عنوان
تكمن أهميته في وجود من يجمله وهو الإمام المعصوم، وفي فرض السؤال
الإمام الحسين سلام الله عليه. فالإمام علامة دالّة على الدين بل هو
نظام الدين وأُسّه كما في الروايات الشريفة، وقد ورد عنهم سلام الله
عليهم (نحن الشعائر والأصحاب)، والشعائر الحسينية ما هي إلاّ امتداد
للحسين سلام الله عليه؛ لأنه مرتبط بسيرته، وما جرى عليه، ومن ثم جعلت
البدن ـ وهي جزئية من جزئيات الحج الداخلة في مركّبه ـ شعيرة فكذلك
تكون الشعائر الحسينية بنفس الملاك داخلة في قوله تعالى: «وَمَن
يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ».
والشعائر
الحسينية بكافّة أشكالها وجميع أنواعها هي شعارات حضارية راقية، وإذا
قسناها إلى بقية الشعائر الموجودة لدى غير المسلمين اليوم لرأيناها هي
أرقى الشعائر التي يمتلكها أصحاب الأديان والمبادئ الأخرى، وعليه:
فينبغي لكلّ مسلم حسيني غيور أن يقيم الشعائر الحسينية بكل أقسامها
وذلك بفخر واعتزاز، وشرف وكرامة، وقربة وإخلاص، حتى يكون النفع
والفائدة أكثر، والتبليغ والهداية أكبر وفي
استفتاء آخر عن مظاهر العزاء الحسيني يجيب المرجع الشيرازي: عزاء ضرب
السلاسل هو من الشعائر الحسينية المتداول لدى المؤمنين وفيه أجر وثواب،
وهذه المواكب والشعائر الحسينية المتداولة عند المؤمنين اليوم هي غير
جديدة وإنما قديمة وعريقة، مضافاً إلى أنهُ لا يشترط وجودها في زمن
المعصومين سلام الله عليهم كما لم تكن القباب والمنائر والحسينيات
ونحوها، بل يكفي دلالة الأدلة ـ خاصة أو عامة ـ على الحكم الشرعي من
إباحة، أو استحباب أو غيرها.
قال الله تعالى
في كتابه الكريم: «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ
جَمِيعاً» هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات والروايات تدل على أن
الأصل في الأشياء هو: الجواز والحلّية، إلا إذا جاء دليل على حظر شيء
أو حرمته، والتطبير مواساة للإمام الحسين سلام الله عليه وتعزية لجدّه
وأبيه وأمه وأخيه المعصومين سلام الله عليهم وإظهار المودّة لهم، شيء
من الأشياء. والأصل فيه هو: الجواز، مضافاً إلى مؤيّدات للجواز
كالتالي:
1ـ حسن المواساة،
فإنّ المواساة من الأخلاق الحسنة والخصال الممدوحة.
2ـ استحباب تعزية
أهل المصيبة والعزاء، وخاصة تعزية الرسول الأكرم وأهل بيته المعصومين
سلام الله عليهم.
3ـ إرادة الله
تعالى لآدم أبي البشر ثم لإبراهيم سلام الله عليه مواساة الإمام الحسين
سلام الله عليه عند مرورهما بكربلاء وعثورهما في مشيهما وجرحهما وجريان
الدم من رأس إبراهيم الخليل ـ كما في الأحاديث الشريفة ـ ونحن أولى
بالمواساة له سلام الله عليهم منهما لمجيئنا بعده.
وهناك دراسات
كثيرة وميدانية، أثبتت أن التطبير يُحبّب مذهب أهل البيت سلام الله
عليهم ويعزّزه، ويعرّفهُ إلى العالم من خلال هذه الظاهرة (ظاهرة
التطبير) التي تتفاعل مع ضمائر المشاهدين وتوحي إليهم مظلومية أهل
البيت سلام الله عليهم وظُلم أعدائهم بني أمية الأرهابيين، وتوقفهم على
أن محبّي الإمام الحسين سلام الله عليه ومعزّيه هم العُزّل المظلومون
على طول التاريخ، وأن أعداء الإمام الحسين سلام الله عليه وأعداء
معزّيه وأعداء التطبير هم الإرهابيون الذي يلتهمون عبر تفجيراتهم
الجبانة نفوس الناس الأبرياء في العراق، وأرواح الأطفال البراعم من
أطفال العراقيين الغيارى أمّا التطبير
بالنسبة إلى جهة الحُكم الشرعي: فإنّ مما لا شكّ فيه أن التطبير عمل
مستحبّ وقد قامت الأدلة الشرعية المتضافرة عليه وأفتى بذلك علماؤنا
وفقهاؤنا العظام قديماً وحديثاً لما فيه من مواساة لجراحات سيد الشهداء
ومظلوميته سلام الله عليه وأصحابه وأهل بيته، وفي ذلك تربية على بذل
الغالي في سبيل الدين والعقيدة مضافاً إلى ما فيه من تعظيم الشعائر
التي قال عنها الله سبحانه: «ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى
القلوب» سورة الحج: الآية32.
كما أن فيه أيضاً
إظهاراً للمودّة والمحبّة لأهل البيت سلام الله عليهم التي هي من
الواجبات الشرعية باتفاق المسلمين؛ قال سبحانه: «قل لا أسألكم عليه
أجراً إلاّ المودّة في القربى» سورة الشورى:الآية 23، وإنّ مما لا شكّ
فيه أن التطبير ونحوه من الشعائر الحسينية فيه إظهار للمودّة والمحبّة
والتعاطف مع مواقف أهل البيت سلام الله عليهم وصمودهم ودفاعهم عن الدين
والمبادئ الإسلامية ضد ظالميهم القتلة الإرهابيين، بل قد ورد في الأدلة
المتضافرة حثّهم سلام الله عليهم للشيعة على إقامة الشعائر وإحياء
أمرهم حيث قال الإمام الصادق سلام الله عليه: «أحيوا أمرنا رحم الله من
أحيى أمرنا» وكما ورد عن الإمام الرضا سلام الله عليه قوله: «إن يوم
الحسين أقرح جفوننا» وقرح الجفن أشدّ من التطبير بلحاظ حساسية العين
البالغة، وكما ورد عن مولانا صاحب الأمر والزمان سلام الله عليه:
«لأبكينّ عليك بدل الدموع دماً... حتى أموت بلوعة المصاب وغصّة
الاكتآب» وواضح أن البكاء من دم بل والموت من أثر المصيبة أشد وأعظم من
التطبير، كما أن في التطبير ونحوه إحياءً لأمرهم وتذكيراً بهم وترويجاً
لمبادئهم وسيرتهم والحديث في هذا طويل ومفصل، و يمكنكم مراجعة ذلك في
كتاب (الشعائر الحسينية) لآية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي رحمة
الله عليه، وأمّا التطبير من جهة العمل: فإنّ مما لاشكّ فيه أن الحفاظ
على وحدة الكلمة والتعاون بين المسلمين وخصوصاً بين أبناء الأسرة
الواحدة من الضرورات اللازمة، إلا أن وحدة الأسرة والتعاون تحفظها
الآداب والاحترام المتبادل ومراعاة الأخلاق الإسلامية وحفظ الحقوق
والواجبات وأمّا ما قد يُقال: إن مثل التطبير ونحوه يسبب الاختلاف فهذا
مما لا ينبغي أن يكون بين المؤمنين بعد قيام الدليل الشرعي على جوازه،
وتأييده من قبل الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم، والإفتاء بجوازه بل
باستحبابه من قبل مشهور فقهائنا العظام، ثم إن السيرة المتّبعة منذ
القديم هي مواساة سيد الشهداء سلام الله عليه بمختلف المراسم العزائية
والتي من أهمّها التطبير وكان بعض أعاظم فقهاء الطائفة يفتي بوجوبه
ويقوم هو بهذه الشعيرة العزائية ولم يحدثنا التاريخ أو السيرة أنه كان
سبباً للاختلاف أو الفرقة أو ما أشبه ذلك.
هذا مضافاً إلى
عدم صحة الاستناد إلى مجرد حصول الخلاف أو الاستهزاء لرفع الحكم
الشرعي، فإن هذا لو صحّ فلا ينحصر بالتطبير ونحوه بل يمكن أن يجري في
الكثير من الأعمال والعبادات الإسلامية كالحجّ والزيارة وإقامة سائر
الشعائر الدينية فهل يتخلّی عنها المؤمنون لهذا العنوان؟ خصوصاً وإن
خصوم الدين لا يكفّون أذاهم للمتديّنين حتى يتبعوهم فيما يريدون
ويخططون، بل إنهم يستهزئون بالمرأة المؤمنة لالتزامها بالحجاب وفي بعض
الأحيان يخرجونها من المدارس أو لا يقبلون لها وظيفة، فهل تتخلّى
المؤمنة عن الحجاب لهذا؟
ولا دليل
للمانعين سوى أن الغرب يستهزئ بنا، وهذا الأمر ليس بصحيح لأنه لا يجوز
التخلّي عن أحكام الله سبحانه بسبب استهزاء الآخرين كما قال الله
تعالى: «يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون»
سورة يس: الآية30، وكما قال سبحانه: «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى
حتى تتّبع ملّتهم» سورة البقرة: الآية120.
فهل يقول قائل
بلزوم رفع اليد عن الأحكام الشرعية كالصلاة والحجّ أو حجاب المرأة
ونحوها إذا استهزأ بها اليهود والنصارى أو سخروا من المؤمنين؟
وأمّا ما يقال من
استلزامه الضرر وهو حرام فهو أوّل الكلام من ناحية أصل الضرر بل إنهُ
نوع حجامة والحجامة لها فوائد معنوية ومادية جمّة، وقد اتفقت كلمة
الفقهاء على حرمة أصناف ثلاثة من الضرر فقط وهي:
1. قتل النفس
2. قطع أعضاء
البدن
3. شلّ القوى
والحواسّ كقوة الإنجاب والولادة، وحاسة السمع والبصر
وأمّا غيرها فلا
دليل على الحرمة بل قامت الحياة الاجتماعية على ارتكاب جملة من الأعمال
اليومية التي ليست هي أقلّ شأناً من التطبير بلا مانع عقليّ أو شرعيّ
أو عقلائي كالألعاب الرياضية وركوب البحر والبرّ والجوّ وغيرها مما
يكون معرضاً لتلف الأعضاء والقوى، أو تلف النفس أحياناً فهل يحكم
بحرمتها؟
وهناك العديد من
الروايات التي تدلّ على أن عدداً من الأنبياء مروّا بكربلاء فزلّت
أرجلهم وسقطوا فشُدخت رؤوسهم وجرت دماؤهم كالنبي آدم وإبراهيم وعيسى
سلام الله عليهم ثم أوحى الله عزوجل إليهم بأنه جرت دماؤهم مواساة
وموافقة لدم الإمام الحسين سلام الله عليه، مضافاً إلى ما ورد في كتب
المقاتل: من أن السيدة زينب الكبرى سلام الله عليها لمّا رأت رأس أخيها
الإمام الحسين سلام الله عليه ضربت رأسها بمقدّم المحمل وسال الدم من
تحت قناعها، وغير ذلك، مما يدلّ على أن جريان الدم إذا كان مواساة
للإمام الحسين سلام الله عليه كما هو في التطبير فإنه مرضيّ لله
عزّوجلّ.
فتاوى بعض العلماء حول الشعائر الحسينية
فتوى المرحوم الشيخ عبدالكريم الحائري:
اصدر المرحوم
الحاج الشيخ عبدالكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم ـ اعلى الله
مقامه الشريف – فتوى بجواز التطبير وشدخ الرؤوس في يوم عاشوراء على
الامام الحسين سلام الله عليه، كما جاءفي ص 172 من رسالته العملية
المسماة ( منتخب المسائل ) طبعة المطبعة العلمية بطهران عام 1343
هجرية، فيما يلي نصها:
هل يجوز ضرب
الرؤوس بالسيوف في يوم عاشوراء ام لا؟
جواب الشيخ
الحائري قدّس سرّه: يجوز ما لم يضر بالنفس.
فتوى الميرزا حسين النائيني
صدرت من المرحوم
المغفور له الميرزا حسين النائيني قدس سره فتوى في استفتاء توجه به
اهالي البصرة اجاز فيها الشعائر الحسينية و الدينية من قبيل لطم الصدور
و ضرب الظهور بالسلاسل و الرؤوس بالسيوف، و مواكب العزاء و التشابيه و
غيرها، و طبعت الفتوى في عدة كتب و ايدها كثير من الفقهاء العظام
المعاصرون له و في عصرنا ايضا.
فتوى المرحوم ابوالقاسم الخوئي
أصدرالمرحوم
السيد ابوالقاسم الخوئي قدس سره فتوى في السابع من صفر عام 1401 هجري
بجواز اقامة مراسم التعزية لابي عبدالله الحسين سلام الله عليه.
هل يجوز شرعا ام
لا؟
فتوى السّيد
الخوئي قدّس سرّه: كلّ ما يعدّ مصداقاً للعزاء والحزن ... لا مانع منه
والله العالم.
المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي
المعهد.
المصدر:annabaa
|