نحو حوار عربي إيراني

 

د . جاسم حسين الخالدي

 

 

تشوب العلاقات العربية الايرانية، وعلى مر عصور عديدة، هواجس ومخاوف كثيرة، ذلك ان الحساسية المفرطة، وانعدام الثقة بينهما، يحددان- دائماً- مسار هذه العلاقات، ويحولان دون تناميها وتطورها. لذلك بقيت هذه العلاقة في حالة مد وجزر، وصعود وهبوط، فلم تستطع  الدول العربية التحرر من مخاوفها حيال الطموحات الايرانية التوسعية على حساب جيرانها العرب وبالمقابل ترى ايران نفسها في أحايين كثيرة، في مواجهات ساخنة مع المحيط العربي، ولا نريد ان نذهب بعيداً، ونفتش في دهاليز الماضي، فالحرب العراقية الايرانية، والموقف العربي المتضامن مع العراق، خير دليل على ذلك الشعور، اذ ترى ايران ضرورة حماية امنها القومي، وايجاد الوسائل والأساليب التي تحول دون تدخل المحيط العربي في شؤونها الداخلية.

ان حرب الخليج الاولى افصحت عن عداء عربي جماعي ”باستثناءات معينة “ لايران، اذ ان دول الخليج العربي، كما هو معروف تحملت - وبحماس شديد - تكاليف تلك الحرب، التي تركت آثار سيئة على الشعبين العراقي والايراني في جميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ومارست شتى الضغوط على النظام السابق، من اجل ابقاء فتيل الحرب مشتعلاً، من دون النظر الى مصلحة الشعب العراقي، ”الذي فقد مايزيد على مليون شاب، اكلتهم ماكنة تلك الحرب الطاحنة “.

ومع ذلك لم تحقق الحرب مآرب الأخوة العرب، فلم يتزحزح البلدان من مكانهما، وبقيا ”العراق وايران جارين شقيقين، بل ان النظام السابق، وبعد احتلال الكويت،حاول ان يبدد اجواء عدم الثقة بينهما، من خلال فتح قنوات اتصال رسمية وغير رسمية، والسماح للايرانيين بزيارة العتبات المقدسة بعد قطيعة طويلة. اسوق تلك المقدمة، لأقول ان اجواء عدم الثقة هي التي غلبت على العلاقات العربية الايرانية، وقد وصلت حدودها القصوى بعد الاحتلال الأميركي للعراق وسقوط النظام السابق، وتغيير المعادلة السياسية في العراق ووصول الشيعة والاكراد الى المراكز المتقدمة في الحكومات العراقية المتعاقبة. ومنذ ذلك التاريخ وايران تعمل على ايجاد موطئ قدم قوي لها في العراق في ظل غياب عربي واضح ”باستثناءات معينة “، وتحاول ان تبرر ايران تدخلها في العراق تارة بحجة ابعاد الشبح الاميركي عنها، واجهاض مخططه الرامي الى ضرب ايران وتدمير برنامجها النووي تارة اخرى، لذلك حاولت اللعب على اوراق متعددة وهي لاتفرق في ذلك بين هذا المكون او ذاك فالمصلحة الايرانية هي التي تحركهاتجاه هذا الطرف او ذاك. الآن وبعد ان انكشف المستور واتضح الدور الايراني في العراق ”بحيث لم يستطع احد ان ينفي هذا الدور سواء في داخل العراق ام في ايران نفسها “، حين حملت ايران اجندتها ودخلت في حوارات معمقة مع الولايات المتحدة الاميركية وبمشاركة عراقية خجولة، بهدف مساعدة الاميركان والحكومة العراقية في تثبيت الامن في ربوع البلاد، ووضع حد لتدخلات ايران السافرة في شؤونه الداخلية، من خلال دعمها لبعض المجاميع المسلحة ومن جميع الاطراف المتصارعة. ان ايران تشعر اليوم اكثر من اي وقت مضى بأنها قد حققت ما عجز غيرها من تحقيقه، اذ هي استطاعت ابعاد شبح الحرب عنها ”على الاقل في هذه المرحلة “، وارغام اميركا على فتح قنوات اتصال معها ولا شك ان ذلك مصلحة ايرانية ولا احد ينتقدها على ذلك، ولكن ان تغلب ايران مصالحها على حساب المصلحة العراقية، هذا لا يمكن قبوله ومناقشته، لذلك عملت الحكومات العراقية المتعاقبة ولاسيما حكومة المالكي على تذكير ايران بضرورة الالتزام بالمواثيق والعهود الدولية القاضية بعدم التدخل بالشؤون الداخلية للبدان المجاورة ان دخول ايران في حوارات معمقة مع الولايات المتحدة الاميركية وهي التي كانت تصفها في يوم من الايام بأنها ”الشيطان الاكبر “، يمكن ان يفتح الباب لحوارات مماثلة، نجد ان الظرف الاقليمي او الدولي الراهن بحاجة الى مثلها. فما احوجنا - نحن العرب - الى فتح حوار صريح مع ايران من اجل وضع النقاط على الحروف يكرّس للعراق ولغيره من القضايا العالقة، ولاسيما ان قنوات الاتصال الايرانية بيد الدول العربية مفتوحة، وبشكل يسمح لاطراف عربية كثيرة، ان تلعب دوراً ايجابياً في تقريب وجهات النظر بينهما. ان اتهام ايران باحتلال العراق ووصف حكومة المالكي بأنها موالية لايران وان 65 بالمائة يؤيدون الدور الايراني في العراق ”وهو ما ذهب اليه احد المحللين السعوديين من خلال شاشة المستقلة “ كل ذلك مثلاً، لا يجد حلاً لأصل المشكلة، فالمالكي عراقي وحكومته عراقية 100بالمئة ، ولم تكن من مكون واحد، بل هي من جميع مكونات الشعب العراقي، لذلك ان من الواجب على الدول العربية اليوم، فتح قنوات اتصال مع ايران لمناقشة الخطر الايراني ”المزعوم “ على الدول العربية، حتى تتبدد اجواء عدم الثقة بينهما، بعد ان يغادر الطرفان حلبة الماضي وما يحفظان من دروس موتورة والطريف ان المحلل السعودي نفسه اشكل على الرئيس الايراني نفسه بتهديده بضرب اسرائيل، واستنتج من ذلك ان ايران لها مآرب في التوسع والنفوذ، وعمدا سأله المذيع: هل تشكل ايران خطراً على السعودية مثلاً؟ اجاب بالنفي، ذلك ان السعودية قوة كبيرة غير مستهان بها في المنطقة ولديها خزانة حربية كبيرة تتفوق على ايران في جوانب كثيرة منها ولاسيما القوة الجوية. وعندما سأل المذيع هذا المحلل ”السعودي “ لماذا إذن تعرض اميركا على السعودية صفقة سلاح تقدر بـ ”300 “ مليار دولار، ما دامت لا ترى السعودية في ايران خطراً عليها في الوقت الحاضر اما كان الأجدر بالحكومة السعودية استثمار هذا المبلغ في مشاريع اقتصادية متنوعة تنعكس ايجابياً على الشعب السعودي بعد ان تخرج من الشرنقة الامريكية، بالاقتراب من الايرانيين وتذليل الصعوبات التي تعوق تطور العلاقات بين البلدين، ولاسيما انهما يمثلان قوتين كبيرتين في الشرق الاوسط، الذي اضاف المحلل نفسه اليهما تركيا واسرائيل. ان التباعد العربي الايراني لا يزيد القضية العراقية الا تعقيداً، وصعوبة ويمكن ان يجر المنطقة الى صراعات دموية جديدة، لا تقل خطورة عن الحرب العراقية الايرانية واحتلال العراق للكويت وما رافقه ولحقه من تداعيات كثيرة ان نجاح الدبلوماسية العراقية في الجمع بين الإدارة الاميركية وايران على طاولة واحدة في بغداد، يجعلنا ان ندعوها اليوم الى جمع العرب والايرانيين في بغداد او غيرها والدخول في حوارات عميقة وهادفة، وفي اجواء تسودها الصراحة والمصداقية بعد ما يتحرر الطرفان مما يدّخره عقلاهما الجمعيان.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:daralhayat-7-1-2008