الاتحاد الأوروبي بين التحالف والفيدرالية

 

ويليام فاف 

 

 

لقد حظيت التغيرات التي طرأت على طبيعة الاتحاد الأوروبي في العام الماضي بقدر معقول من التغطية الإعلامية، ولكن دون أن تحظى التداعيات المرتقبة لهذه التغييرات بالاهتمام ذاته فقد اعتاد الكثير من الأوروبيين، وكل الأميركيين تقريباً، النظر إلى الاتحاد الأوروبي في سياق كونه اتحاداً فيدرالياً يشبه الولايات المتحدة ، ويتسم بالبطء في انضمام الأعضاء الجدد إليه، في مقابل سرعة تطور المؤسسات السياسية التابعة له، والاتجاه نحو تشكيل الحكومة المركزية الأوروبية الموحدة ولطالما نظر الكثيرون إليه بوجه عام، على أنه يشكل نواة لـ"فيدرالية" أوروبية، على غرار النسخة الفيدرالية الأميركية الأصلية وكانت هذه النظرة هي السبب وراء الدراما التي أثيرت قبل عامين، حول مقترح الرئيس الفرنسي الأسبق "فرانسوا جيسكار ديستان"، الخاص بمسودة دستور للاتحاد. والجدير بالملاحظة أن تلك المسودة قد شارك قانونيون من كافة الدول الأوروبية في صياغتها، وكانوا جميعهم على وعي تام بالمقارنات التي حوتها تلك المسودة، مع دستور الاتحاد الفيدرالي الأميركي، الذي تمت صياغته في فيلادلفيا عام 1787على أن تلك المقارنات قد حملت خطأً جوهرياً دون شك. تدهور العلاقات مؤخراً بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب الأزمة التي أثارتها مسودة الدستور الأوروبي المقترحة، ساهما في الضعف الحالي الذي تعانيه مفوضية الاتحاد، على رغم ما عرف عنها من قوة في الماضي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تشكيل المفوضية الأوروبية، قد تم في الأصل على أساس معايير النخبة الفرنسية وحكومة التكنوقراط، التي ترمز إلى نهج تقليدي متعارف عليه في فرنسا، يتم بموجبه تعيين موظفي ومسؤولي الخدمة المدنية، عبر المؤسسات التعليمية النخبوية، التي يخضع فيها الطلاب لامتحانات تنافسية قاسية وموثوق بنتائجها الأكاديمية.

وما أن طرحت تلك الوثيقة لتصويت الأوروبيين، لم تكن بريطانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي رغبت عن فكرة إقامة اتحاد فيدرالي، يتمتع بسلطات مركزية. وهذا الرفض هو ما يفسر مقاومة بريطانيا العنيدة لعملة "اليورو"، وللبنك المركزي الأوروبي، وكذلك رفضها مؤخراً للانضمام إلى اتفاقية مجموعة دول "تشينجين"، ثم للمجموعة الجمركية الأوروبية وعلى رغم تعثر الاستفتاء الأوروبي الذي أجري حول مسودة الدستور تلك، بسبب جملة من القضايا المحلية، سواء كانت في فرنسا أم هولندا، فإن الاعتراض الرئيسي عليها تمحور في سعيها لتأسيس اتحاد أوروبي، على غرار النسخة الفيدرالية الأميركية وبفعل الدعم الأميركي الذي تحظى به بريطانيا، فلطالما أرادت هذه الأخيرة للاتحاد الأوروبي أن يكون منظمة أطلسية، إلا أن فرنسا مارست حق النقض "الفيتو" ضد هذا المشروع، مثلما مارست الحق نفسه إزاء خطو بريطانيا نحو نيل عضوية السوق الأوروبية المشتركة. وبالنتيجة فقد تحول السؤال التالي اليوم إلى قضية سيادة وطنية أكثر من أي وقت مضى: هل تكون القوات العسكرية الأوروبية تحت قيادة أوروبية، أم تحت قيادة حلف شمال الأطلسي؟ ثم يليه سؤال آخر: هل على الاتحاد الأوروبي بلورة سياسات صناعية موحدة؟ ومما أسهم في هذه المعضلة نوعاً ما، أن النموذج الفيدرالي الأميركي، لم يرق للكثير من الأوروبيين خلال السنوات الثماني الماضية، سواء من ناحية ذكاء السياسات التي طورها ذلك النموذج، أم من ناحية كفاءته في تطبيقها وكان في اعتقاد المفوضية الأوروبية أنها قدمت للأوروبيين، وثيقة من شأنها تحويل أوروبا إلى قوة دولية مهيمنة. غير أن ردة الفعل الهولندية والفرنسية إزاءها كانت الرفض التام. وبالنتيجة فقد احتار التكنوقراط الأوروبيون في ما يمكن عمله، بينما شعر القطاع الأكبر من الطبقة السياسية في أوروبا بحالة الضياع نفسها، مع العلم أن جميع أفراد هاتين الفئتين تقريباً، قد استثمروا في الأفكار التي حوتها وثيقة الدستور الأوروبي تلك واليوم فقد تواضع هؤلاء على النسخة التي صاغها كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مع العلم أنه ليس لأي منهما استثمار سابق ينسب له في الماضي. ولعل أحد الأسباب التي تفسر فشل مسودة الدستور المقترحة هذه، اتساع القارة الأوروبية، حيث بلغت عضويتها اليوم 27 دولة وهذا ما يجعل من الصعب جداً إدارتها أو حكمها كنظام فيدرالي. وبهذه السعة فإن السبيل الوحيد لإدارتها، هو أن يتم التعامل معها على أساس أنها تحالف أوروبي والحقيقة أن هذه الصيغة التحالفية هي التي نشأت عليها القارة، وليست نظيرتها الفيدرالية. ففي عام 1951، كانت تشمل الصيغة التحالفية هذه، كلاً من المجموعة الاقتصادية، ومجموعة الفحم والحديد، ثم مجموعة الطاقة النووية وكانت تدار حينها بواسطة مفوضية تعيّنها الدول الأعضاء، وتقع على عاتقها مسؤولية سن التشريعات الاقتصادية والبيئية، إلى جانب قضايا السياسات الخارجية والأمنية وكما هو معلوم، فإن المفوضية هي النواة التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي، سواء كان ذلك في جهازه التنفيذي أم التشريعي. وفي وسع البرلمان الأوروبي، إجراء التعديلات التي يراها في المسودات القانونية التي تضعها المفوضية، بينما يكون القرار النهائي فيها من اختصاص مجلس الوزراء، الممثل للدول الأوروبية الأعضاء، والذي تنعقد دورته مرتين في العام واليوم يحتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الثالثة عالمياً من حيث سعة الكتلة التجارية التي يضمها - بل إن هناك من يضعه في المرتبة الثانية عالمياً، إثر المراجعة الأخيرة التي تمت للإحصاءات والتقديرات العالمية لأداء الاقتصاد الصيني وعلى رغم الهزة الاقتصادية التي عاناها الاتحاد إلى حد ما، بسبب أزمة القطاع العقاري التي حدثت مؤخراً، فإنه ليس بحاجة للاستعانة برؤوس الأموال الأجنبية الآسيوية، كي يحافظ على بقائه كقوة اقتصادية عالمية فهو كيان له سيادته الاقتصادية المستقلة، خلافاً لما هو عليه حال الاقتصاد الأميركي.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitihaad-4-1-2007