2008... طموحات أميركية محدودة في العراق
جاكسون ديل
على مدى الخمس
سنوات الماضية، كان المسؤولون والخبراء في واشنطن يرتكبون دوماً خطأ
التنبؤ بأن الستة أو الاثني عشر شهراً القادمة في العراق ستكون حاسمة.
لذلك السبب حظر كل من الجنرال "ديفيد بيترايوس" والسفير "رايان كروكر"
المعروفين بعنادهما تلك التنبؤات كما كان واضحاً من التصريح الذي أدلى
به الجنرال "بيترايوس" مؤخراً وقال فيه:"يجب على الجميع عدم الحديث عن
أشياء مثل المنعطف الذي يتعين اجتيازه، أو الأضواء التي تلوح في نهاية
النفق، أو أي عبارة من تلك العبارات". مع ذلك فإن القول بأن فترة الستة
شهور إلى الاثني عشر شهرا القادمة ستكون هي الفترة التي يمكن لأميركا
أن تكسب فيها الحرب أو تخسرها قد يكون قولاً صائباً.
لا أقول هذا لأن
العراقيين نجحوا فجأة في تطوير قدرتهم على الالتزام بالجداول الزمنية
غير الواقعية، التي تم رسمها في واشنطن منذ عام 2003، عندما كان
البنتاجون يخطط لتقليص عدد القوات بحيث يصل إلى قوة هيكلية صغيرة لا
يزيد عدد أفرادها عن 30 ألف جندي خلال 6 شهور فقط من الاستيلاء على
بغداد. لم يكن ذلك ما دفعني إلى هذا القول، لأن ما حدث كان هو العكس
تماماً، حيث رأينا "بيترايوس" و"كروكر" يمضيان العام الماضي في محاولة
توصيل فكرة للأذهان، مؤداها أن هدف الولايات المتحدة، هو تدشين عراق
مستقر ومتحول ديمقراطياً، وأن هذا الهدف- إذا ما كان ممكنا تحقيقه في
الأساس- سيتطلب التزاماً أميركياً طويل الأمد، يتجاوز بكثير جميع
الجداول الزمنية التي تمت مناقشتها في واشنطن على الرغم من النجاح
الملحوظ الذي تحقق من وراء سياسة زيادة عدد القوات في العراق.
لذلك، فإن الفترة
المنحصرة بين الستة إلى الاثني عشر شهراً القادمة لن تكون فترة حيوية
بالنسبة لحسم الأمور في العراق، لأن أقصى ما يمكن أن يحدث هناك خلال
تلك الفترة هو الاستمرار في انخفاض مستوى العنف في الوقت الذي يقوم فيه
السُنة والشيعة والأكراد بتحقيق تقدم بطيء ومؤلم باتجاه التسويات
السياسية. الاختبار الحقيقي سيكون في الولايات المتحدة الأميركية عندما
يقرر البنتاجون أولاً، ومن بعده البيت الأبيض، ما إذا كانت الولايات
المتحدة ستستثمر من الموارد في العراق ما يكفي للاحتفاظ بأمل النجاح
النهائي حياً ويذكر أن عدد الجنود
الأميركيين في العراق، قد بدأ في التناقص الشهر الماضي بحيث يصل– كما
هو مقرر- بحلول شهر يوليو القادم إلى 130 ألف جندي (15 لواء تقريباً)،
بعد أن كان قد وصل إلى 180 ألف جندي لفترة قصيرة في شهر نوفمبر الماضي،
( أقصى عدد للقوات الأميركية في العراق منذ
الغزو ) ويُشار
هنا إلى أن رقم 130 ألف جندي كان يمثل عدد القوات الموجودة في العراق
قبل تنفيذ سياسة زيادة عدد القوات.
وأمام البنتاجون
فترة تمتد إلى مارس المقبل يمكن أن يتنبأ خلالها بالكيفية التي سيكون
عليها رد فعل العراقيين بشأن الانسحابات الأولية، وما إذا كان العنف في
الأماكن المتقلبة مثل محافظة الأنبار سيظل منخفضاً كما هو عليه الآن،
أم أنه سيتزايد مرة ثانية عند مغادرة القوات الأميركية. بعد ذلك سيتعين
على الولايات المتحدة اتخاذ قرار آخر يتعلق بما إذا كانت ستقوم بتقليص
القوة بمقدار خمسة ألوية أخرى بحيث يصل عددها الإجمالي إلى 100 ألف
جندي بنهاية عام 2008 وهنا قد نجد أنفسنا
أمام سؤال مؤداه: ماذا سيحدث إذا لم يكن مستوى 100 ألف جندي كافياً
للمحافظة على الهدوء الهش السائد حالياً بين السُنة والشيعة، أو للعودة
للحياة شبه الطبيعية في بغداد؟ الإجابة هي أن الرئيس بوش سيكون مضطراً
للاختيار بين الأوليات المتنافسة لكل من "بيترايوس" والبنتاجون.
وإذا ما انتقلنا
إلى السباق الحالي لاختيار مرشحين عن الحزبين لخوض انتخابات الرئاسة،
فسنجد أن الشخصيات "الديمقراطية" التي تحتل المراكز الثلاثة الأولى، لا
تزال تصف ما حدث في العراق بأنه فشل لا يمكن إصلاحه، على الرغم من
التحسن الذي طرأ العام الماضي. ورغم أن هؤلاء المرشحين قد رفضوا التعهد
بسحب القوات الأميركية من العراق بحلول عام 2013، فإنهم جميعاً اتفقوا
على أن كلا منهم سيعمل في حالة ما إذا فاز بالانتخابات على سحب القوات
المقاتلة - على الأقل
- بسرعة من العراق ومثل هذا الموقف-
إذا ما استثنينا حدوث تقدم يقرب من المعجزة في العراق خلال الشهور
الثلاثة عشر القادمة، سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى اندلاع حرب أهلية خلال
تلك الفترة، وهي حرب حذر جميع المراقبين الجادين تقريباً بدءاً من
"كروكر" وحتى الـ"سي.آي.إيه" من أنها ستكون نتيجة محتملة للانسحاب
السريع.
في محادثة
تليفونية مع صحفيين في واشنطن الأسبوع الماضي، قال "كروكر" إن
العراقيين الذين تحدث معهم لم يكونوا يشعرون بقلق شديد جراء ما يٌقال
عن تقليص عدد القوات الأميركية، ومعظمهم يعتقدون أن الأمور من حيث
الجوهر تمضي في الاتجاه الصحيح، والأمن يتحسن، وسياسة زيادة عدد القوات
قد نجحت، وأن القوات العراقية قد ازدادت عدداً وقدرة على العمل، وأنه
ليس هناك بالتالي ما يدعو أميركا للتخلي عن الفرضية القائلة بأنها
ستكسب في النهاية في العراق.
حقاً ما الذي
يدعوها إلى ذلك؟ قبل الإجابة، علينا معرفة أن العراقيين يحكمون على
العملية السياسية في واشنطن من مسافة بعيدة، وهو ما يدفعهم لافتراض أن
الأميركيين سيتصرفون بشكل عقلاني، وأن ذلك يجب أن يحثنا على تذكر أن
الأميركيين في واشنطن كانوا يتبنون دوماً افتراضات بعينها بشأن
العراقيين، وأن التجربة العملية كثيراً ما كانت تثبت أن تلك الافتراضات
خاطئة.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:alitihaad-1-1-2008
|