في شروط الارتقاء
محمد الباهلي
كثر الحديث في
السنوات الأخيرة عن موضوع النهضة وحاجة الأمة العربية والإسلامية
الماسة إليها، حيث تعددت الطروحات والأفكار ووجهات النظر التي ترسم
الطريق إلى هذا الهدف. وما يميز تلك الطروحات والأفكار والفلسفات، أن
أغلبها ينتهي إلى السؤال: لماذا فشل العرب والمسلمون في النهوض ونجح
غيرهم في ذلك؟
هذا السؤال في
نظري هو في غاية الأهمية، خاصة أن هناك العديد من المحاولات العربية
السابقة والتي كان أولها منذ خمسة قرون عندما تمت مناقشة أسباب السقوط
والتخلف وشروط الارتقاء والتقدم والتجربة
الثانية حدثت قبل قرنين عندما شهدت مصر في عهد محمد علي باشا حركة
تحديث جعلت مصر إحدى أقوى دول البحر المتوسط في النصف الأول من القرن
التاسع عشر.
لكن المشكلة أن
النجاح الذي حققته مثل هذه التجارب توقف ولم يستمر طويلاً، والسبب هو
أن هناك عوامل وأسبابا أدت إلى ذلك. وسأكتفي هنا باستعراض أسباب فشل
تجربة محمد علي في مصر من خلال مقارنة تجربته بالتجربة اليابانية في
الفترة نفسها. يذكر الدكتور مسعود ضاهر في كتابه "النهضة العربية
والنهضة اليابانية"، أنه رغم اهتمام اليابانيين منذ زمن مبكر بدراسة
النهضة المصرية في عهد محمد علي وإرسال البعثات العلمية، وتشابه الظروف
أيضاً لجهة خضوع الدولتين معاً للنفوذ الأوروبي... إلا أن اليابان
اتخذت لنفسها طريقاً مغايراً تماماً لتجربة النهضة العربية، حيث رفضت
مسألة القروض الأجنبية التي كانت سبباً لاحتلال مصر، ورفضت اقتباس
الثقافات الغربية التي قادت المجتمعات العربية إلى التغريب، ونجحت حركة
التحديث لديها في اقتباس تكنولوجيا الغرب وتوطينها واستيعابها
وتطويرها، دون أن التنكر لأصالتها وتقاليدها الاجتماعية
وقد واجهت تجربة محمد علي إشكاليات أهمها: أن خلفاءه أهملوا
تراثه الإصلاحي ولم يستكملوه بل انصرفوا إلى اتباع سياسة مغايرة،
وأكثروا من القروض والبذخ وتدمير الركائز البنيوية للاقتصاد المصري، ثم
خضعوا للرقابة المالية الخارجية المباشرة، وكثرت المدارس الأجنبية التي
لعبت دوراً مؤثراً في إشعال الفوضى الثقافية والاجتماعية، وساعد على
ذلك التدخل الخارجي.
ولا أبالغ إذا
قلت إن الإشكاليات التي لعبت دوراً مؤثراً في إفشال تجارب النهضة
السابقة، تتكرر اليوم في سياق محاولتنا للنهوض والارتقاء واللحاق
بمسيرة التقدم الذي تحقق عند غيرنا من الأمم
والأهم عندي هو اعتقادنا أن مجرد الترجمة والنقل والاستيراد وإدخال بعض
التعديلات على الأفكار والمناهج التعليمية والقوانين والنظم، أمر كفيل
بتحقيق النهضة المطلوبة، ما زلنا غير قادرين على تكوين فكر علمي عربي
مستقل نتيجة القصور الحاد في فهم المعنى الحقيقي للاجتهاد والجهاد، ما
زلنا نستبعد الأكفاء.
مشروع النهضة
يحتاج أولاً إلى قراءة واضحة لنصوص فلسفة الارتقاء وبواعثه النفسية،
يحتاج إلى تصور دقيق لقوانين النهضة وإلى أهداف واضحة ورؤية صحيحة
وخريطة معرفية يتم من خلالها وضع الآليات الصحيحة التي على أساسها يمكن
الاستفادة من علوم الآخرين وتوظيفها، لتكون منطلقنا نحو النهضة.
نحن نعلم أن هناك
العديد من المعوقات وأهمها الضغوط السياسية الخارجية، لكن النهضة ليست
عملاً سهلاً، فهي تحتاج إلى إيمان وعزيمة وإرادة وتصميم وتفاعل مستمر
مع العقل والأحداث، تحتاج إلى فهم ووضوح وشفافية وتفعيل لأدوات العلم
الصحيحة وإلى بذل أقصى الجهود، وإلى عقلية تدرك معنى العلم. نحن نريد
المستنيرين من المفكرين الذين يجيدون صناعة مفهوم التقدم والإصلاح
والإخلاص، نحتاج إلى وحدة الأمة والفكر والتماسك الاجتماعي والتخلص من
حالة الشعور بالنقص والهزيمة النفسية... عندها سوف نتفوق ونتحرك بصورة
سليمة نحو النهضة.
وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر
المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:الإتحاد الإماراتية-9-11-2007
|