نظام هيئة البيعة: هل يضمن استقرار حكم آل سعود؟

 

 

أقر العاهل السعودي في الأيام الأخيرة من شهر رمضان الهجري الفائت، اللائحة التنفيذية لنظام "هيئة البيعة"، الذي كان قد أصدره في الشهر نفسه من العام الماضي، لتنظيم عملية الخلافة السياسية، وهي خطوة رأى فيها مراقبون إجراءً إصلاحياً يهدف إلى مأسسة الحكم وتطوير الدولة، بينما عدّها آخرون مجرد تدبير يقصد منه توطيد دعائم الحكم عن طريق درء الصراعات المستقبلية على السلطة بين ذرية الملك عبد العزيز.

مأسسة انتقال الحكم

المملكة العربية السعودية هي الوحيدة من بين الأنظمة العربية الملكية (في المغرب والأردن وأخيراً في البحرين)، التي لم يكن يوجد لديها قواعد قانونية مدونة تنظم عملية توريث السلطة في العائلة المالكة.

فعدم وجود دستور للمملكة جعل العملية تعتمد على التوافق بين الأقطاب النافذين من الأبناء الذكور للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة عام 1932.

ومن جهة ثانية، فإن توريث الحكم لدى آل سعود يختلف عن باقي الأنظمة الوراثية العربية، في أن المُلك ينتقل من الأخ إلى أحد الإخوة، وليس من الأب إلى "أكبر الأبناء وهذا ما أدى إلى نشوب صراعات بين الإخوة على الحكم، كما حصل في ستينيات القرن المنصرم، حينما نازع الأمير فيصل، الملك سعود على الحكم، مما قاد في نهاية المطاف إلى خلع الثاني عن العرش، بدعوى عدم أهليته للحكم، أو كما حصل في أواسط السبعينيات، حينما أقدم أحد أبناء أخ الملك فيصل على قتله.

وتطويراً للنظام السياسي في المملكة، وتقعيداً له، أقر الملك الراحل فهد في العام 1992 ما يسمى بـ"النظام الأساسي للحكم" (الذي يعد بديلاً بدائياً عن الدستور)، والذي نصت إحدى مواده على أنه "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء .. ويبايع الأصلح منهم للحكم"، إلا أن النظام لم يحدد الآلية التي يمكن بواسطتها مبايعة الأصلح من العائلة المالكة.

وهكذا، أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز في التاسع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول من العام المنصرم، نظام "هيئة البيعة"، الذي تألف من 25 مادة تنظم مبايعة الملك واختيار ولي العهد.

وبرغم أن تطبيق النظام الجديد سيؤجَّل إلى ما بعد جلوس ولي العهد الحالي الأمير سلطان بن عبد العزيز على العرش، إذ نص النظام على أن أحكامه "لا تسري على الملك وولي العهد الحاليين"، فإنه مع ذلك اُعتبر بنظر الصحافة المحلية "تأطيراً مؤسسياً للحكم، وآلية واضحة تضمن انتقالاً سلساً للسلطة."

فبمقتضى النظام الجديد تتشكل ما تسمى "هيئة البيعة" من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، وإذا كان أحدهم "متوفى أو معتذراً أو عاجزاً بموجب تقرير طبي"، فإن الملك يعين أحد أبنائه بدلاً منه، بالإضافة إلى تعيين الملك اثنين آخرين، واحد من أبنائه، والآخر من أبناء ولي العهد، ويتولى رئاسة الهيئة "أكبر الأعضاء سناً من أبناء الملك المؤسس." 

ووفق النظام الجديد أيضاً، فإن الهيئة هي التي تقوم بالدعوة إلى "مبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد"، عند وفاة الملك.

وإن كان النظام الأساسي لسنة 1992 قد أناط بالملك وحده اختيار ولي العهد (الذي هو بالضرورة الملك المقبل)، فإن نظام البيعة قد جعل القرار النهائي فيما يخص اختيار ولي العهد بأيدي مجموع الأمراء الأعضاء في الهيئة.

فأعطى الملك حق "ترشيح واحد أو اثنين أو ثلاثة لمنصب ولي العهد"، لكنه أناط بالهيئة حق الموافقة على مرشح الملك (أو أحد مرشحيه) لمنصب ولاية العهد، وفي حالة عدم إجازة الهيئة لمرشح الملك (أو أياً منهم)، فعليها ترشيح من تراه للمنصب، وفي حالة عدم موافقة الملك على مرشح الهيئة، يحسم أمر اختيار ولي العهد بالتصويت.

ولتفادي تكرار ما حصل في العقد الأخير من عهد الملك الراحل فهد، حين كان عاجزاً عن ممارسة سلطاته لأسباب صحية، منح النظام الجديد الهيئة صلاحية تكليف اللجنة الطبية (المبينة شروطها في النظام نفسه)، بإعداد تقرير طبي بحالة الملك الصحية، فإذا أثبت التقرير عدم قدرة الملك على الحكم بصورة دائمة "تدعو الهيئة إلى مبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد."  

ولمنع حدوث أي فراغ دستوري نتيجة لعدم قدرة الملك وولي عهده على ممارسة سلطاتهما معاً لأسباب صحية، أو لوفاتهما في وقت واحد، نص النظام - ولأول مرة في تاريخ الدول السعودية - على تشكيل مجلس حكم مؤقت من خمسة أعضاء من الهيئة لإدارة شؤون الدولة بصفة مؤقتة، على أن تقوم الهيئة خلال أسبوع "باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس وأبناء الأبناء."

وإن كانت شؤون العرش والخلافة السياسية في السابق تدور في أروقة البلاط الملكي، بمعزل عن الناس، فإن النظام المستحدث أخضع كل مداولات هيئة البيعة للسرية المطلقة، لدرجة أن أعضاء الهيئة من الأمراء ممنوعون من اصطحاب جداول الاجتماعات وأية أوراق أخرى خارج مقر الهيئة (وفقاً للمادتين 16 و23 من النظام).

بيد أن نظام هيئة البيعة انطوى أيضاً على نواقص وثغرات، مما استدعى إصدار اللائحة التنفيذية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

وتتألف اللائحة من 18 مادة، وأهم ما فيها المادة الأولى التي توضح آلية تعيين أبناء المتوفين أو العاجزين من أبناء الملك المؤسس في هيئة البيعة، إذ يطلب الملك من هؤلاء ترشيح اثنين أو ثلاثة ليختار هو واحداً منهم لعضوية الهيئة وتحدد المادة الثالثة مدة العضوية بأربع سنوات غير قابلة للتجديد، إلا في حالة اتفاق إخوة العضو على ذلك، بعد موافقة الملك.

كما أن اللائحة نصت في المادة السادسة على أن هيئة البيعة تنعقد بصورة فورية عند وفاة الملك، للدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكاً، بينما حددت المادة السابعة الفترة التي يجب فيها اختيار ولي العهد الجديد، بألا تتجاوز عشرين يوماً.

وينبغي هنا عدم الخلط بين هيئة البيعة (التي لا تنص مواد النظام على عدد أعضائها، لكنها من المتوقع أن تزيد عن الأربعين عضواً)، وبين ما يسمى بـ "مجلس العائلة" (الذي يتألف من 18 عضواً، كما ورد في أحد تصريحات الأمير طلال بن عبد العزيز).

فالهيئة تتشكل عضويتها من نسل الملك عبد العزيز فقط (الأبناء وأبناء الأبناء)، وتضطلع بدور سياسي وتمثل مرجعية للحكم، أما المجلس فيضم ممثلين عن عائلة آل سعود بمختلف مكوناتها، وهم معيَّنون من طرف الملك، وليس لهذا المجلس دور في شؤون الحكم أو السياسة، إنما هو ينظر في شؤون العائلة وقضاياها الداخلية.

إخماد بؤر الصراع على مقاليد السلطة

وقد شدد سياسيون سعوديون على أن نظام البيعة الذي أقره الملك عبد الله "سيشيع سلاماً داخلياً بين أعضاء الأسرة الحاكمة، (كما ورد في تصريح صحفي لمحمد آل زلفة، عضو مجلس الشورى السعودي)، وسيسكِّن الصراعات المكبوتة بينهم."

وعلى نحو أكثر وضوحاً، تذكر المعارضة السعودية والأستاذة في جامعة "كنغز كوليج" بلندن، مضاوي الرشيد، في إحدى مقالاتها المنشورة على موقعها على الإنترنت، أن "الهدف من نظام البيعة، هو تجنب الصراع المخفي حالياً"، بين أبناء الملك عبد العزيز حول الحكم.

وتضيف أن الأسرة المالكة "تخشى من تعيين أحد أبناء عبد العزيز الحاليين في منصب ولي العهد.. وبذلك تحصر الخلافة في نسله هو وحده، مستثنياً بذلك الأجنحة الأخرى في العائلة."

ويدعم هذا الرأي ما تناقلته التقارير الإعلامية الأجنبية بأن عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز "شهد تغيراً في معادلة النفوذ داخل العائلة المالكة"، إذ تزايد نفوذ جناح معين من الأسرة داخل مفاصل الدولة الحساسة، وغدا له اليد الطولى في توجيه سياساتها.

ويطلق على أفراد هذا الجناح "السديريون"، وهم أشقاء الملك فهد، من أمهم حصة السديرية، أي الأمير سلطان ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، والأمير نايف وزير الداخلية، والأمير سلمان أمير منطقة الرياض، والأمير عبد الرحمن نائب وزير الدفاع، والأمير أحمد نائب وزير الداخلية، فضلاً عن أبنائهم الموزَّعين على مناصب مهمة في الدولة (بحسب ما جاء في تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، "هل تستطيع السعودية إصلاح نفسها؟"، 14/7/2004).

والواقع أنه منذ أن أقعد المرض الملك فهد عن القيام بأعباء الحكم عام 1995، وحتى وفاته في العام 2005، سادت تخمينات كثيرة داخل السعودية وخارجها عن وجود تجاذبات وانقسامات وسط العائلة الحاكمة، وهو ما تأكد أخيراً بتصريحات الأمير طلال بن عبد العزيز، الأخ غير الشقيق للعاهل السعودي، لوكالة الأسوشيتد برس للأنباء ووفقاً لصحيفة "الغارديان" البريطانية في الخامس من سبتمبر- أيلول الماضي، انتقد الأمير ما أسماه "احتكار فئة معينة داخل العائلة الحاكمة السلطة."

وأضافت الصحيفة: "رغم أنه لم يسم أحداً بالاسم، إلا أنه كان يشير إلى أكثر الأمراء نفوذاً، لاسيما ولي العهد الأمير سلطان، ووزير الداخلية الأمير نايف، وحاكم الرياض الأمير سلمان."

ومما يدفع بصحة فرضية صراع الأجنحة، ما ورد في تصريحات الأمير طلال نفسها، حين طالب بفتح تحقيق بريطاني ـ سعودي مستقل في قضية "صفقة اليمامة"، إذ كانت وسائل إعلام أجنبية قد أشارت إلى تورط أفراد ضمن العائلة المالكة السعودية في تلقي رشىً وعمولات لإتمام الصفقة، وألمحت تحديداً إلى الأمير بندر ووالده الأمير سلطان ولي العهد، اللذين ينتميان للجناح السديري.

وكانت صحيفة "القدس العربي" اللندنية قد أشارت في تعليقها على تصريحات الأمير طلال غير المسبوقة تلك، أنها جاءت رداً على إزاحة الأمير من مجلس العائلة، وإحلال أحد الأمراء السديريين محله، وهو أمير منطقة الرياض سلمان.

ومن جهة أخرى، فإن صدور نظام البيعة، يعني نسخ منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء(الملك)، فهذا المنصب، الذي استُحدث في الستينيات، كان يعد المرتبة الثالثة في تسلسل الحكم، وكل الذين شغلوه تسلموا سدة الُملك بعد خلو المنصبين الأوليين.

فبعد وفاة الملك فهد في أغسطس - آب عام 2005، ومبايعة ولي العهد حينئذ الأمير عبد الله ملكاً على البلاد، وخلو منصب النائب الثاني بعد تسلم الأمير سلطان ولاية العهد، توقع كثيرون أن يعين الملك عبد الله الأميرَ نايف نائباً ثانياً له، وذلك لنفوذه وخبرته وأقدميته، إلا أن الملك كسر التقليد الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود، وأبقى المنصب شاغراً.

وهكذا، يرى محللون، مثل سكوت ماكلويد، مراسل "التايم" في تقريره "الملك السعودي المقبل"، المنشور في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن الأمير نايف (الذي يعد أحد أقطاب الجناح السديري)، هو "الخاسر الأول من تطبيق نظام البيعة."

وإذ يشرك النظام الجديد الجيل الثاني من سلالة عبد العزيز في صنع قرار الخلافة، فهذا يعني الحد من سطوة الجيل الأول، الذي أصابه الهرم، حيث أن كل أبناء عبد العزيز الأحياء، الاثنين والعشرين أميراً، قد جاوزت أعمارهم السبعين عاماً، ورجحان كفة الجيل الجديد في تولي منصب ولي العهد المقبل.  

إلا أن ما يؤخذ على النظام المستحدث أنه كرس الطبيعة المغلقة للنظام السياسي، كما أبقى تركيز السلطة في أيدي فئة قليلة (أوليغارشية)، هي نسل عبد العزيز، وكرس إقصاء باقي أسرة آل سعود من توجيه دفة الحكم، وخصوصاً أولاد العمومة (أبناء إخوة الملك عبد العزيز)، دع عنك أنه أبقى على إقصاء الإناث عن شؤون الحكم والسياسة.

كما أنه لم يقصِ الشعب عن عملية تحديد شكل الحكم وآلية الخلافة السياسية فحسب، بل إنه لم يشرك حتى النخبة السعودية، السياسية والمثقفة والبيروقراطية، من غير آل سعود ومن هنا، جاءت دعوة عبد العزيز بن عثمان بن صقر، مدير مركز الخليج للأبحاث بدبي، والمقرب من العائلة الحاكمة، إلى أن "يأخذ نظام هيئة البيعة ولائحته التنفيذية بُعداً شعبياً، بعد أن تم إقرارهما بشكل رسمي"، حسب ما ورد في مقاله المنشورة على موقع "العربية"، بعنوان "نظام البيعة واستمرارية المشروع الإصلاحي السعودي"، في 18 الجاري.

وعلى أي حال، فإن المراقبين يعدون تأسيس هيئة البيعة استجابة لتحديات مسألة انتقال الحكم، إلا أنها تبقى استجابة "مؤجَّلة"، بسبب أن اللائحة التنفيذية، ونظام البيعة، لا يسريان على الملك وولي العهد الحاليين، ومن ثم فإن الباب سيكون موارباً لاحتمال حصول تطورات أو تحولات في هذا الصدد بالمستقبل.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:سي ان ان العربية-6-11-2007