تكفير الوهابية لجميع المسلمين

 

 

الوهابيون يدعون جميع المسلمين الذين هم جميعا عندهم من عبدة الأوثان إلى إخلاص التوحيد وترك الشرك والبدع ومن أبى ولم يتوهب حل ماله ودمه كما حل مال ودم عبدة الأصنام ومشركي قريش في زمن النبي ( ص ) .

صرح بذلك محمد بن عبد الوهاب في كشف الشبهات وصرح به محمد بن إسماعيل الصنعاني في تطهير الاعتقاد كما سيأتي عند نقل كلامهما وغيرهما . والحاصل أن حكم الوهابيين بكفر جميع المسلمين وشركهم هو أساس مذهبهم ومحوره الذي يدور عليه لا يتحاشون منه وكتبهم مشحونة بالتصريح به تصريحا لا يقبل التأويل بل صرح به محمد بن عبد الوهاب في رسالتي أربع القواعد وكشف الشبهات كما سيأتي بأن شرك المسلمين أغلظ من شرك عبدة الأصنام لأن أولئك يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة وهؤلاء شركهم دائم في الحالتين ولأن أولئك يدعون مع الله أناسا مقربين عنده وأشجارا وأحجارا غير عاصية وهؤلاء يدعون معه أناسا من أفسق الناس ، وصرح بذلك الصنعاني في رسالة تطهير الاعتقاد في عدة مواضع بل صرح في تلك الرسالة كما ستعرف بأن كفر المسلمين أصلي لا كفر ردة . وصرح بالتكفير بجملة مما كفر به الوهابية غيرهم ابن تيمية في رسالتي الواسطة وزيارة القبور كما ستعرف ومنه أخذ الوهابية تكفير المسلمين وعلى أساسه بنوا وزادوا وصرح بذلك أيضا الوهابية في عدة مواضع من رسائل الهدية السنية الخمس وغيرها وصرح به عبد اللطيف حفيد ابن عبد الوهاب فيما حكاه عنه الآلوسي في تاريخ نجد . وقد أطلق محمد بن عبد الوهاب في رسالة كشف الشبهات اسم الشرك والمشركين على عامة المسلمين عدى الوهابيين فيما يزيد عن أربعة وعشرين موضعا وأطلق عليهم اسم الكفر والكفار وعباد الأصنام والمرتدين والمنافقين وجاحدي التوحيد وأعدائه وأعداء الله ومدعي الإسلام وأهل الباطل والذين في قلوبهم زيغ والجهال والجهلة والشياطين وإن جهال الكفار عبدة الأصنام أعلم منهم وإن إبليس إمامهم ومقدمهم إلى غير ذلك من الألفاظ الشنيعة فيما يزيد عن خمسة وعشرين موضعا ( 1 ) وأطلق عليهم الصنعاني في تطهير الاعتقاد اسم الشرك فيما يزيد عن ثلاثين موضعا وأطلق عليهم اسم الالحاد والكفر والكفر الأصلي وإنهم عبدوا غير الله وزادوا على عبادة الأصنام وإنهم مثل أصحاب مسيلمة والسبائية واليهود والخوارج وأهل الجاهلية فيما يزيد عن خمسة عشر موضعا وأطلق اسم الإله والصنم والوثن والند لله على من يستغيثون ويتبركون به في نحو من عشرة مواضع ( 2 ) وأطلق أصحاب الهدية السنية على المسلمين اسم الشرك والإشراك والشرك بالله والشرك الأكبر وأعظم الشرك والشرك الوخيم ومتخذي الشريك والشرك الموجب لحلية المال والدم والمشركين والمشركات وأقبح المشركين وإنهم مشركون شاؤوا أو أبوا وإن شركهم أقبح وأشنع ممن قالوا : اجعل لنا ذات أنواط ، وأعظم وأكبر من شرك الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ، وإن الوهابيين لما جاؤوا إلى مكة عبد الله وحده ، فيما يزيد عن ستين موضعا ، واسم الكفر والكفار وإنهم كاليهود والنصارى والسبائية وعباد الملائكة والشمس والقمر والقائلين اجعل لنا ذات أنواط بل شر منهم وعباد اللات والعزى وعباد الأصنام والأوثان وإن ما هم عليه هو دين الجاهلية ، فيما يزيد عن عشرين موضعا ، ووصفوهم بعبادة غير الله فيما يزيد عن عشرة مواضع وسموا من يتوسل ويتبرك بهم المسلمون وبقبورهم بالأصنام والأوثان والأنداد لله فيما يزيد عن اثني عشر موضعا ( 3 ) وسننقل في تضاعيف ما يأتي جملة من كلماتهم الصريحة في ذلك . وأطلق حفيد ابن عبد الوهاب على المسلمين اسم الكفر في ثلاثة مواضع ، والشرك في أربعة ، ومدعي الإسلام وأنهم يحبون مع الله محبة تأله وأنهم شر من جاهلية العرب وأن شركهم أشد وأشنع وأكبر من شركها وأنه لم يبلغ شرك الجاهلية الأولى شركهم ، ونسبهم إلى الفساد وأنهم من أجهل الخلق وأضلهم وخارجون عن الإسلام وعابدون لغير الله وخارجون عن الملة ، إلى غير ذلك من الألفاظ الشنيعة . وفي القصائد الملحقة بالهدية السنية تصريح بذلك في عدة مواضع يطول الكلام بنقلها . وفي خلاصة الكلام ( 4 ) كان محمد بن عبد الوهاب إذا اتبعه أحد وكان قد حج حجة الإسلام يقول له حج ثانيا فإن حجتك الأولى فعلتها وأنت مشرك فلا تقبل ولا تسقط عنك الفرض وإذا أراد أحد الدخول في دينة يقول له بعد الشهادتين اشهد على نفسك إنك كنت كافرا وعلى والديك أنهما ماتا كافرين وعلى فلان وفلان ويسمي جماعة من أكابر العلماء الماضين أنهم كانوا كفارا فإن شهد قبله وإلا قتله وكان يصرح بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة ويكفر من لا يتبعه ويسميهم المشركين ويستحل دماءهم وأموالهم " انتهى "

وفي خطبة سعود بمكة التي تقدمت تصريحات عديدة بأن جميع من عداهم من المسلمين هم مشركون وإنما يصيرون مسلمين باتباعهم إياهم مثل قوله : ولم نزل ندعو الناس للإسلام وجميع القبائل إنما أسلموا بهذا السيف . وقوله : فاحمدوا الله الذي هداكم للإسلام وأنقذكم من الشرك وأنا أدعوكم أن تعبدوا الله وحده وتقلعوا عن الشرك الذي كنتم عليه . وقد صرح بذلك محمود شكري الآلوسي في تاريخ نجد على ما حكي وهو غير متهم في حق الوهابيين ، فقال : إن سعودا غالى في تكفير من خالف الوهابيين وإن علماء نجد وعامتهم يسمون غاراتهم على المسلمين بالجهاد في سبيل الله " انتهى " . وقد صرح بذلك صاحب المنار في مجموعة مقالاته ( الوهابيون والحجاز ) ( 5 ) فقال :

كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجددا للإسلام في بلاد نجد بإرجاع أهله عن الشرك والبدع إلى التوحيد والسنة على طريقة شيخ الإسلام ابن تيمية " انتهى " وإذا كان هذا اعتقاد صاحب المنار في المسلمين فما باله يكرر في تلك المجموعة نداءه للمسلمين بقوله : أيها المسلمون إن الحجاز مهبط دينكم أيها المسلمون إلى متى أنتم غافلون أيها المسلمون إن الله لا يهلك المسلمين إلا بقتال بعضهم لبعض أيها المسلمون حسبكم ما بينا لكم ، إلى غير ذلك ، بل كان عليه أن يقول أيها المشركون المدعون للإسلام فما باله لا يبالي بالتناقض في كلامه ولعله يريد بالمسلمين خصوص أهل نحلته الوهابية . ومع كل هذه التصريحات التي لا تقبل التأويل والتي نشاهد أعمال الوهابية موافقة لها وسيرتهم عليها فإنهم لا يفترون عن غزو المسلمين والهجوم عليهم في عقر ديارهم وقتلهم وقتالهم كلما سنحت لهم فرصة وأمكنهم ذلك ومناداتهم بقول يا مشركون ، نرى بعض الوهابيين وأتباعهم كصاحب المنار يريدون التبري من هذا المعتقد وستره لما رأوا بشاعته وشناعته وتقبيح الناس له ونفورهم عنهم وتشنيعهم عليهم بسببه ، وهيهات . فممن رام ستر ذلك والتبري منه صاحب الرسالة الأولى من رسائل الهدية السنية فإنه قال في تلك الرسالة ( 6 ) :

وأما ما يكذب علينا سترا للحق وتلبيسا على الخلق . إلى أن قال : وإنا نضع من رتبة نبينا " ص " بقولنا : النبي رمة في قبره وعصا أحدنا أنفع له منه .

إلى أن قال : وإنا نكفر الناس على الاطلاق أهل زماننا ومن بعد الستمائة إلا من هو على ما نحن عليه ومن فروع ذلك أن لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرر عليه بأنه كان مشركا وأن أبويه ماتا على الشرك بالله الخ فجميع هذه الخرافات جوابنا عنها سبحانك هذا بهتان عظيم فمن نسب إلينا شيئا من ذلك فقد كذب وافترى وأن جميع ذلك وضعه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين تنفيرا للناس عن الاذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص عليه بأن الله لا يغفره ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " انتهى".

وتراه في نفس اعتذاره الذي حاول فيه إنكار تكفير المسلمين صرح بتكفيرهم وتشريكهم بقوله : " تنفيرا للناس عن الاذعان بإخلاص التوحيد لله بالعبادة وترك أنواع الشرك " فحكم على الناس بأنهم مشركون بشرك العبادة ، وإن من ينسب إلى الوهابية هذه الأشياء يريد تنفير الناس عن التوحيد وترك الشرك فكان بهذا الاعتذار شبيها بما يحكى أن رجلا قال لأعجمي لماذا تقلبون الذال زايا والقاف غينا فقال ( كزب الزي يغول زلك ) ، وبما يحكى أن عالما قال لبعض أمراء الحرافشة : إن أهل هذه القرية يسبون الدين فمرهم بترك ذلك ، فأمر الأمير مناديه أن ينادي : ( يا أهل القرية اتركوا مسبة الدين ومن سب منكم الدين فالأمير يحرق دينه ودين دينه ) . وهؤلاء يصرحون بأن التوحيد لا يتم إلا بتوحيد العبادة وأن الناس مشركون وغير موحدين بتوحيد العبادة وأن الذي أحل دماء المشركين في زمن النبي " ص " وأموالهم ودماءهم وسبي ذراريهم هو شركهم في العبادة وأن المسلمين مثلهم بلا فرق . ومع ذلك يقولون : من نسب إلينا إنا نكفر الناس فقد كذب وافترى هذه خرافات هذا بهتان عظيم ومن نسب إلينا إنا نلزم المبايع الشهادة على نفسه وأبويه بالشرك فقد كذب وافترى وأتى بالخرافة والبهتان العظيم . هل هذا إلا التناقض الذي لا يرضى به لنفسه عاقل . ومن نسب إلينا إنا نكفر الناس فقد كذب وافترى وقصد بافترائه تنفير الناس عن الرجوع عن شركهم إلى إخلاص التوحيد . فهذا  هو الاعتذار الذي وضع صاحب المنار فوقه الخطوط المستطيلة ليكون عذر الوهابية بارزا جليا للأنظار . ومن يكون أساس مذهبهم ومحوره الذي يدور عليه كفر المسلمين وشركهم واستحلال أموالهم ودمائهم وسبي ذراريهم . وكتبهم مشحونة بالتصريح بذلك وقد طبع منها الألوف ، ألا يخجلون من إنكاره والتبري منه بعبارة هي إقرار به ولئن صح عنهم قولهم عن النبي " ص " إنه طارش ومضى وإنه رمة في قبره وعصا أحدنا أنفع له منه أو لم يصح ، فجعلهم قبر النبي " ص " وثنا وتعظيمه والتبرك به شركا ومنعهم من زيارته أو من شد الرحال إليها وغير ذلك لا يقصر عن هذا القول ومعتقده لا يستبعد منه قول ذلك . وممن رام ستر ذلك والتملص منه عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب فإنه قال في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية ( 7 ) : فإن قال منفر عن قبول الحق : يلزم من قطعكم إن من قال يا رسول الله أسألك الشفاعة ، أنه مشرك مهدور الدم ، أن يقال بكفر غالب الأمة لا سيما المتأخرين لتصريح علمائهم أن ذلك مندوب وشنوا الغارة على المخالف . قلت لا يلزم لأن لازم المذهب ليس بمذهب كما لا يلزم أن نكون مجسمة وأن قلنا بجهة العلو ، ونقول فيمن مات : تلك أمة قد خلت ولا نكفر إلا من بلغته دعوتنا وقامت عليه الحجة وأصر مستكبرا معاندا كغالب من نقاتلهم اليوم وغير الغالب إنما نقاتله لمناصرته لمن هذه حاله ونعتذر عمن مضى بأنهم مخطئون معذورون والإجماع في ذلك ممنوع قطعيا ومن شن الغارة فقد غلط ولا بدع فقد غلط من هو خير منه عمر بن الخطاب في مسألة المهر فلما نبهته المرأة رجع بل غلط الصحابة والنبي بينهم فقالوا اجعل لنا ذات أنواط . ثم قال : فإن قلت هذا فيمن ذهل فلما نبه انتبه ، فكيف بمن حرر الأدلة وعرف كلام الأئمة وأصر حتى مات ؟ ! قلت : ولا مانع أن نعتذر له ولا نقول بكفره لعدم من يناضل في هذه المسألة في وقته بلسانه وسيفه وسنانه فلم تقم عليه الحجة بل الغالب على زمن المؤلفين المذكورين التواطؤ على هجر كلام أئمة السنة في ذلك رأسا ، ومن اطلع عليه أعرض عنه ، ولم تزل أكابرهم تنهي أصاغرهم عن النظر في ذلك ، وقد رأى معاوية وأصحابه منابذة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقتاله وهم مخطئون بالإجماع واستمروا على الخطأ حتى ماتوا ، ولم يكفرهم أحد من السلف ولا فسقهم بل أثبتوا لهم أجر الاجتهاد . ولا نقول بكفر من صحت ديانته وشهر صلاحه وورعه وزهده وبذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتأليف فيها وإن أخطأ في هذه المسألة كابن حجر الهيثمي فإنا نعرف كلامه في الدر المنظم ( 8 ) ونعتني بكتبه ونعتمد على نقله . أقول :

اعتذاره عن لزوم تكفير غالب الأمة بل كلها عدى الوهابيين بأن لازم المذهب ليس بمذهب فذهابهم إلى أن من قال : يا رسول الله أسألك الشفاعة مشرك مهدور الدم وإن لزم منه تكفير غالب الأئمة لا سيما المتأخرين المصرحين بأنه مندوب إلا أنهم لا يقولون بهذا اللازم ، غير صحيح :

( أولا ) مخالفته لتصريحاتهم التي لا تقبل التأويل .

( ثانيا ) أن تكفير غالب الأمة ليس بلازم المذهب بل هو عين المذهب فإن مذهبهم أن كل من توسل أو تشفع بمخلوق فقد أشرك فإذا كان المسلمون يفعلون ذلك فمذهبهم أنهم مشركون بطريق الصراحة ودلالة المطابقة لا بطريق اللزوم ، وقياسه على المسألة التجسيم إن صحت قياس مع الفارق ، فالقائل بجهة العلو لا يصرح بالتجسيم لكن يلزم من جهة العلو الجسمية ولكن لا يلزم أن يكون القائل بجهة العلو قائلا بالتجسيم لجواز أن يعتقد الشخص شيئا ولا يعتقد بلازمه بل إذا سئل عن لازمه يبرأ منه ولذلك لم يكن لازم المذهب مذهبا بخلاف ما نحن فيه إذ مذهب الوهابية أن المتشفع والمتوسل بغير الله مشرك ، وهذا شامل بوجه العموم والدلالة المطابقية لمن يقول يا رسول الله إشفع لي لا بوجه الملازمة ولا يمكن الجمع بين القول بأن من تشفع بغير الله مشرك ومن قال يا رسول الله إشفع لي ليس بمشرك بل هو تناقض صريح محال بخلاف الجمع بين القول بجهة العلو والقول بعدم الجسم فإنه ممكن واقع . وإن أرادوا أنهم لا يكفرون من يعتقد رجحان التشفع إذا لم ينطق به ، ففيه أولا أنه إذا كان سؤال الشفاعة كفرا وشركا لزم أن يكون معتقد جوازه كافرا مشركا وإن لم يتلفظ بالسؤال فهو كمن يعتقد السجود للصنم وإن لم يسجد . والكفر كما يكون بالأعمال يكون بالاعتقاد .

ثانيا : أن هذا لو سلم لا ربط له بمسألة كون لازم المذهب ليس  بمذهب . ثالثا : أنه لا يوجد بين المسلمين من لم يقل طول عمره يا رسول الله أسألك الشفاعة ولم يهتف باسمه ولم يستغث ولم يتوسل به ولم يفعل شيئا مما يرونه كفرا وشركا بل اعتقد جوازه فقط ولم يفعله ، وهم قد قطعوا بأن من قال ذلك مشرك مهدور الدم كما صرحوا به في نفس السؤال ، فقد قطعوا بأن جميع المسلمين مشركون مهدورة دماؤهم ، ولم ينفع هذا الاعتذار مهما أكثر صاحب المنار فوقه من الخطوط المستطيلة ليزيد في ظهوره للأبصار وجلوته للأنظار . أما تقييده التكفير ببلوغ الدعوة الوهابية وقيام الحجة مع الاصرار مستكبرا معاندا فهو مخالف لما ذكره أبوه وغيره كما عرفت من إطلاق اسم الكفر والشرك والارتداد ونحو ذلك على عامه المسلمين من دون تقييد بذلك في مواضع تنبو عن الحصر بل عرفت تصريح الصنعاني أحد مؤسسي مذهبهم بأن كفر المسلمين أصلي لا ارتدادي ، وكل ذلك مبطل لهذا العذر الواهي ، وجميع الوهابيين لا يخاطبون المسلمين إلا بقولهم يا مشرك من غير نظر إلى قيام الحجة على المخاطب وعدمه ، وسمعت بعض النجديين في مجلس صديقنا الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي بمحضر صديقنا الشيخ عبد الرزاق البيطار يقول : قرر الإخوان أن لا يخاطبوا أحدا إلا بقول يا مشرك حتى لو أراد أحدهم شراء لبن بعشر بارات فعليه أن يقول يا مشرك أعطني لبنا بعشر بارات ، فمع كل هذه التصريحات لا ينفع هذا الاعتذار عن الوهابيين شيئا . أما اعتذاره عمن مضى بأنهم مخطئون معذورون لعدم بلوغ الدعوة لهم وتنظيره بغلط عمر في المهر والصحابة في ذات أنواط : ففيه أن معتقد الكفر والشرك غير معذور لقيام الحجة عليه من العقل والنقل قبل أن يخلق الله الوهابيين ولو كان معذورا لعذر عبدة الأصنام من أهل الجاهلية الذين ماتوا في الفترة ولم يقل أحد بعذرهم مع أن بلوغ الدعوة المعتبر إنما هو بلوغ الدعوة النبوية إلى التوحيد وترك عبادة الأوثان وهذا قد حصل ومع ذلك فقد بقي المسلمون مصرين على عبادة الأوثان بقولهم : نسألك الشفاعة يا رسول الله ، وجهلهم بأنه شرك لا يكون عذرا كجهل من عبد الأصنام بعد الإسلام ، والمجتهد معذور مثاب وإن أخطأ في الفروع لا في الأصول . ومن ذلك يظهر بطلان التنظير بغلط عمر في المهر لأنه في مسألة فرعية لا في مسألة اعتقادية توجب الشرك وأما التنظير بغلط الصحابة وبينهم النبي ( ص ) في ذات أنواط فنقول لو لم يرجعوا عن ذلك لأشركوا فبطل التنظير . وأما اعتذاره عن عدم كفر من حرر الأدلة وعرف كلام الأئمة ومات مصرا : بأنه لم يكن في زمانه وهابية يناضلون باللسان والسيف والبنادق ، فلم تقم عليه الحجة ، فغير صحيح لما عرفت من أنه يكفي في قيام الحجة أدلة الشرع من العقل والنقل بعدما أكمل الله الدين وأتم الحجة قبل خلق الوهابية ثم إن هؤلاء المسلمين الذين يكفرهم الوهابية ويشركونهم ، يعتقدون أن حججهم أقوى من حجج الوهابية وأن الوهابية مخطئون وكلهم يقولون لو ظهر لنا صحة أقوال الوهابيين لاتبعناها فكيف قامت عليهم الحجة وبقوا مصرين معاندين ، اللهم إلا أن تكون حجة السيف والرصاص ( وآية السيف تمحو آية القلم ) ، وليس مع الوهابية معجز تقوم به الحجة كما كان مع الأنبياء ولو كانت الحجة تقوم باللسان والسنان لما احتاج الأنبياء إلى المعجز كما لم يحتج إليه الوهابية ، ولو كانت الحجة لا تقوم إلا بالسيف والسنان لكان الذين قبل منهم النبي ( ص ) الجزية ولم يجبرهم على الإسلام لقوله تعالى ( لا إكراه في الدين ) معذورين لأنهم لم تقم عليهم الحجة . ونسبته إلى علماء المسلمين إنهم تواطئوا على هجر كلام أئمة السنة والإعراض عنه افتراء وسوء أدب ، وإذا كان منتهى قيام الحجة المناضلة باللسان والسيف والسنان ، لم يكن معاوية وأصحابه معذورين ، فقد ناضلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام باللسان والسيف والسنان فكيف عذرتهم الأمة وأثبتت لهم أجر الاجتهاد . وأما قوله لا نكفر من صحت ديانته الخ وإن أخطأ في هذه المسألة فكيف تصح ديانته ويعتمد على نقله وقد اعتقد الكفر والشرك وفعل ما يوجبه وما ينفعه مع ذلك التدريس والتأليف ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) . وممن رام ستر الحقائق وإنكار تكفير الوهابيين للمسلمين بكلام هو إقرار واعتراف بتكفيرهم للمسلمين ولم يبال بالتناقض الصريح الواقع في كلامه وكلامهم الشيخ رشيد رضا صاحب المنار في مجموعة مقالاته ( الوهابيون والحجاز ) فإنه قال ( 9 ) إن الأمير فيصلا نجل السلطان عبد العزيز آل سعود نشر بلاغا في شوال سنة 1342 جاء فيه أن أهل نجد يوافقون إخوانهم أهل مصر والهند في وجوب عرض مسألة الخلافة على مؤتمر يمثل الشعوب الإسلامية تمثيلا صحيحا ، وتعقبه صاحب المنار بقوله : فهذه تصريحات قطعية ونصوص لا تحتمل التأويل بأن أئمة نجد وحكامها يعدون جميع الشعوب الإسلامية إخوانا لهم خلافا لما يفترى عليهم من عدم اعتراف النجديين لأحد بالإسلام غير الوهابيين " انتهى " ووصف في المجموعة المذكورة ( 10 ) مؤتمر الشورى المنعقد في الرياض في ذي القعدة سنة 1342 وأنه اجتمع فيه كبار علماء البلاد وزعماؤها ورؤساء الأجناد وقوادها وتذاكروا في أمر الحج وأن السلطان ابن سعود أجابهم بما معناه أن شريف مكة لا يمنعكم من الحج ولكنه يخشى وقوع فتنة في الموسم وفيه المسلمون كل جنس الخ ثم قال ما نصه : وفي تصريح السلطان عبد العزيز نص قطعي باعترافه هو وعلماء بلاده بإسلام جميع الشعوب الإسلامية والرغبة في التعارف والتواد معها ، هذا كلامه " معزى ولو طارت " ( 11 ) فإذا كانت هذه تصريحات قطعية ونصوص لا تقبل التأويل من سلطان نجد وعلماء بلاده وحكامها بإسلام جميع الشعوب الإسلامية وأخوتها للوهابية وإذا كان في رسائل علماء بلاده التي طبعت بأمر جلالة ملك الحجاز وسلطان نجد كما كتب على ظهرها ، وغيرها من رسائل ابن عبد الوهاب التي طبعها صاحب المنار . وفي كلام صاحب المنار نفسه تصريحات قطعية ونصوص لا تقبل التأويل كما بيناه فيما سبق بتكفير جميع المسلمين وإشراكهم عدى الوهابيين ومناداة بتكذيب هذه الدعوى وبأن مدعيها كمن يقول بأن مكة ليست بموجودة والوهابيون لم يوجدوا في الدنيا ، كان كلام الوهابية ومنهم صاحب المنار متناقضا تناقضا صريحا قطعيا لا يقبل التأويل ومن لا يبالي بالتناقض الصريح في كلامه لا يتكلم معه فعند حاجتهم إلى المسلمين في ميدان السياسة وجلب القلوب يسمونهم إخوانهم ويعترفون بإسلامهم وعند بيان معتقدهم وأساس مذهبهم ونشر دعوتهم يكفرون المسلمين ويشركونهم بدون تحاش فهم في ذلك كالنعامة قيل لها احملي قالت أنا طائر قيل لها طيري قالت أنا جمل . وكأن صاحب المنار يرى من موجبات الأخوة وأهم أسباب التعارف بين الوهابيين والشعوب الإسلامية والتواد معها غزوها وشن الغارات عليها وقتلها كلما سنحت الفرصة لتتوثق عرى الأخوة ويتم التعارف وتكمل المودة . وهذا حديث إجمالي عن اعتقادات الوهابية وتفصيل ذلك ورده في الباب الثاني والباب الثالث . وحيث ذكرنا معتقدات الوهابية إجمالا فيناسب أن نذكر هنا بعض ما يدل إجمالا على فساد شبهتهم في حكمهم بشرك جميع المسلمين ، وهو ما رواه البخاري في باب الصلاة على الشهيد وعلامات النبوة والمغازي وذكر الحوض ، ومسلم في فضائل النبي ( ص ) ، وأبو داود في الجنائز ، كذا النسائي ( 13 ) عن النبي ( ص ) إني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف الدنيا أن تنافسوا فيها وفي رواية لمسلم ( 14 ) أن تتنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من قبلكم . ولو كان الأمر كما زعم الوهابية من أن الناس أشركت كلها قبل ظهورهم وأنهم جاؤوا ليدعوهم إلى التوحيد للزم تكذيب هذه الأحاديث كلها . وقوله " ص " ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا ولكن ستكون له طاعة في بعض ما تحقرون من أعمالكم فيرضى بها . رواه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وهذا ينافي حكم الوهابيين بإشراك أهل مكة بل قالوا إنهم لم يروا بلدا تعبد فيه القبور والأموات مثل مكة . وقوله " ص " إن الشيطان قد أيس أن تعبد الأصنام بأرض العرب ولكن رضي منهم بما دون ذلك بالمحقرات وهي الموبقات ، رواه الحاكم وصححه وأبو يعلى والبيهقي . وفي رواية أنه " ص " قال إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب . ومكة والمدينة من جزيرة العرب قطعا . بل حكى في النهاية الأثرية عن أنس بن مالك أنه قال أراد بجزيرة العرب المدينة نفسها وهذا ينافي حكمهم بإشراك أهل الجزيرة العرب عدا نجد بعبادة الأوثان وقال " ص " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها ذكره ابن الأثير في النهاية وفيه من المبالغة في ثبوت الإيمان ورسوخه في المدينة ما لا يخفى المنافي لما يدعيه الوهابية من رسوخ الكفر فيها وجعل بلادهم بلاد الإيمان .

المصدر : ص : 133 – 142 من كتاب : كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب - السيد محسن الأمين – تحقيق حسن الأمين - الطبعة الثانية - 1382 ه‍ - 1952م

...............................................

الهوامش :

 ( 1 ) راجع صفحاتها من صفحة 57 إلى 72 تجد في كل منها شيئا كثيرا من ذلك

( 2 ) راجع صفحة 7 و 17 و 20 و 22 ‹ هامش ص 135 ›

( 3 ) راجع الهدية السنية ص 10 إلى 15 و 19 و 20 و 22 إلى 28 و 30 إلى 34 و 36 و 37 و 41 و 42 و 45 و 53 و 55 إلى 57 و 59 و 61 إلى 63 و 65 و 86 إلى 93 و 95 و 102 إلى 105 و 107 ويوجد مواضع غير هذه كثيرة يجدها المتتبع .

( 4 ) ص 229 - 330

( 5 ) ص 6

( 6 ) ص 6

( 7 ) ص 40

( 8 ) ص 40

( 9 ) اسم كتابه الجوهر المنظم في زيارة قبر النبي المكرم لا الدر المنظم فالظاهر أنه وقع سهو في إبدال أحدهما بالآخر وهذا الكتاب هو الذي يرد فيه على ابن تيمية ويذمه بأقبح الذم وسيأتي نقل كلامه فيه في فصل زيارة القبور وهو الذي أشاروا إليه بقولهم فإنا نعرف كلامه الخ - المؤلف –

 ( 10 ) صفحة 37

( 11 ) صفحة 38 - 41

( 12 ) يقال إن رجلين رأيا غربانا واقعة على الأرض فقال أحدهما هذه غربان وقال الآخر هذه معزى ثم طارت فقال الأول أعلمت أنها غربان فقال له الثاني هي معزى ولو طارت - المؤلف -

 ( 13 ) صفحة 31

( 14 ) ص 160 ج 9 بهامش إرشاد الساري  

 

 

Alsseraj  Almoner Center  For Heritage 

مـركـز السـِّراج المـُنـيـر للتراث

alsseraj@hotmail.com