الصين وروسيا إحداهما وراء الأخرى··· استراتيجياً
طريق طويل ويخضع لحسابات بعيدة المدى
قبل
أكثر من مائتي عام، قال ''نابليون بونابرت'' إنه لن تكون هناك في القرن
العشرين سوى مملكتين هما أميركا وروسيا. لم يخطر في بال أحد أن يسأل
الامبراطور الفرنسي عن القرن الحادي والعشرين؟ لا أحد يتوقع أن تهبط
كائنات غريبة من الفضاء الخارجي، مع أن هوليوود أوحت بأن هذه الكائنات
تقف وراء الباب. والطريف أن يقول العالِم الفيزيائي ''هربرت مورفي'' إن
تلك الأفلام الخيالية ساهمت، بصورة هائلة، في تطوير التكنولوجيا
الأميركية، فالعديد من رجال المختبرات كانوا يتابعون تلك الأفلام، وقد
تصوّروا أن هذا يمكن أن يحدث فعلاً، مع أنه ''كان من الأجدى أن ننتظر
الآسيويين يقتفون آثار آبائهم ويأتون إلى هنا سيراً على الأقدام بدل أن
ننتظر هبوط الصحون الطائرة''. بعبارة أخرى، هناك صحون بشرية، و''آلفن
توفلر''، الباحث الشهير، يتحدّث عن ''جدلية الجغرافيا''. الجغرافيا هي
التي تكرّر نفسها هذه المرّة. إذاً، الآسيويون قادمون..
''ماديسون'' حارب الإنجليز الذين أحرقوا واشنطن عام ،1812 ولم يلبثوا
أن أشعلوا النيران في البيت الأبيض ومبنى الكابيتول عام ،1814 ثم إنه
دفع الأسطول الأميركي إلى البحر الأبيض المتوسط لكي يقضي على القراصنة
الذين كانوا ينطلقون من الجزائر وتونس وليبيا. والواقع أنه أول مَن وضع
استراتيجية ''ما وراء البحار''. هذه أوّل خطوة في اتجاه الإمبراطورية،
حين حاول إنشاء قاعدة عسكرية وتجارية في جزيرة ''لامبيدوزا'' التابعة
لمملكة ''نابولي''، غير أن الإنجليز أحبطوا المحاولة، ولكن اللوثة
الامبراطورية كانت قد ظهرت.
يقول
''توفلر'': قليلاً من العناء، فالأعداء قادمون، قبائل ياجوج وماجوج من
الصين وروسيا مثلاً؟ احتياطي بشري هائل في الصين، ولا بد أن يزحف رغم
أنهم هناك يحافظون على أقدامهم الصغيرة، كمظهر من مظاهر الحياء والعفة،
واحتياطي مادي هائل في روسيا (سيبيريا تحديداً)! ولكن كما يقول ''هنري
كيسنجر'': ماذا لو حصل الزواج الاستراتيجي بين موسكو وبكين؟
الأسئلة توجّه إلى المستقبل، لقد سخر كثيراً ''روبرت كاجان''، وهو أحد
كبار منظري المحافظين الجدد، من حملة التهويل والمقارنة بين سقوط
الإمبراطورية الرومانية -وفق تسجيل تلفزيوني أعدته الـ''بي.بي.سي''-
وسقوط... الإمبراطورية الأميركية. صحيح انه كانت توجد مؤسسات في العهد
الروماني، لكن الأقوياء كانوا يمشون بخيولهم فوق هذه المؤسسات. في
أميركا، المؤسسات، بما في ذلك المؤسسة التكنولوجية، أكبر من الرجال
بكثير، مع أن الدستور يعطي الرئيس صلاحيات قد تفوق صلاحيات ''يوليوس
قيصر''.
الإمبراطورية الرومانية تحللت لأنها ذهبت بعيداً خارج حدودها؛ في لحظة
ما، في غلطة ما، كان لا بدّ أن تتفكك وهذا ما حدث فعلاً. جاء البرابرة
وابتلعوا الامبراطورية. لنعد إلى مقالات ''وليم كريستول'' و''ديفيد
فروم''، وحتى ''كاجان'' نفسه، فهم كثيراً ما يستخدمون تعبير
''البرابرة'' بقولهم: أميركا تحارب البرابرة، رغم غياب أي تعريف للكلمة
لغرض أن تبقى فضفاضة وغامضة لأسباب تكتيكية. في باريس، يقول الباحثون،
وبينهم ''جاك آتالي''، أن الأميركيين الذين يتفادون الحديث -بصورة
مباشرة- عن ''الخطر الصيني'' إنما يفعلون الكثير، على المستوى
الاستراتيجي، لإبقاء التنين تحت المجهر. أقمار اصطناعية متطوّرة جداً
ترصد ما يحدث في الصين صناعياً وعسكرياً، حاملات طائرات تعمل جنباً إلى
جنب مع الاسطول السابع، ناهيك عن إثارة المخاوف في البلدان المجاورة.
الصين
وروسيا معاً، مع أن التحالف الاستراتيجي بين البلدين معقد جداً ويخضع
لحسابات بعيدة المدى، لكن الزمن يمشي إلى الأمام، وإذا كان الروس قد
بدأوا بإطلاق ''الشتائم'' في وجه أميركا، فإن الصينيين يفضلون المواقف
المطرزة بالحرير حتى وهم يعارضون مشروعاً أو اتجاهاً أميركياً في مجلس
الأمن بصورة خاصة. إن ''فرنسيس فوكوياما'' هو الذي قال إن التاريخ ليس
وحيد القرن، أي أنه يمضي في خط متعرّج وعاصف، وإن كان واضحاً أن مفاهيم
التاريخ وتقنياته تغيّرت كثيراً. ''فوكوياما'' الذي قال بنهاية التاريخ
ثم تراجع بشكل أو بآخر، لاحظ أن إمكانية السيطرة على التاريخ، أو
صناعته، باتت أكثر سهولة باعتبار أن التفوّق التكنولوجي هو الذي يصنع
اللحظة التاريخية التي يتبدّل معها كل شيء. إنه يستخدم تعبير ''الزلزال
التكنولوجي''، ليتوقف عند ظاهرة هيروشيما. كثيرون قالوا إن التاريخ
توقف في اللحظة التي ألقت فيها طائرة أميركية القنبلة الذرية على هذه
المدينة اليابانية، ليبدأ ما بعد التاريخ.
قد
يكون الكلام صحيحاً. وجه آخر للتاريخ. لكن المسألة أن ''فوكوياما'' عاد
ليعترف، وقد رأى كيف أن العدوى الأيديولوجية تنتقل من كان إلى آخر، بأن
التاريخ لا يزال هناك، ولكن بالتأكيد خارج السيطرة.
إن
وزير الدفاع السابق ''وليم كوهين'' يتحدث عن الغابات -كما عن الأدغال
والتضاريس- البشرية في آسيا، ليسأل ما إذا كانت روسيا هي التي ستمشي
وراء الصين أم الصين هي التي تمشي وراء روسيا. قد يكونان جنباً إلى
جنب، فالمحلل الاستراتيجي ''ديفيد ماكلنتوك'' يرى أن التغير لن يحصل
قبل الثلاثينيات من القرن، مع الإشارة إلى أن الحرب العالمية الأولى
اندلعت عام .1914 ماذا يعني التغير؟ وهل ستتقهقر أميركا أم أن عالماً
متعدّد الأقطاب سيظهر بعد ثلاثة عقود أو أقل من الآن.
عند
''زبجنيو بريجنسكي'' تلك الرؤية الأخرى التي تقول بإعادة صوغ العلاقات
بين الدول، أو التجمعات الكبرى، بحيث لا تبقى هكذا غامضة، وحافلة
بالشكوك، بل ومرعبة، متسائلاً عن السبب الذي يحول دون إقامة علاقات
شفافة وخلاقة؟ الذين يردّون على ''بريجنسكي'' يقولون: ''إنها
الإمبراطورية...''، أي لا بد أن تكون لها مصالحها التي ترتطم بمصالح،
وحتى بقيَم، الآخرين. المثاليات شيء آخر يستخدم فقط للاستهلاك اللغوي.
إذاً، لتأخذ اللعبة مداها!
و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و
دون تعليق.
المصدر:أورينت برس
|