بين "القواطي" و"الدرامات"!

 

د. أحمد عبد الملك 

 

كتب الدكتور سعد بن طفلة يوم 1/9/2007 عن "القواطي" المنتشرة في العالم العربي و"القوطي" كما عرّفه د. سعد هو (العلبة الفارغة أو المصنوعة من التَّنك) وكان يقصد بها المتعلمين غير "الفهْمانين"، والذين يحملون أوراقاً تسمى شهادات علمية؛ حصل بعضهم عليها - وهم في مكاتبهم أو بيوتهم - من جامعات أجنبية وعربية لم يزوروها إلا للسياحة والتسجيل الدراسي. وتطرق إلى دور "القواطي" ودأبهم على تدبير المؤامرات للفهمان في الجامعات والمؤسسات؛ حيث يمارسون كل أنواع الدسائس والخسائس للنيل منه. وتجدهم -كما يقول د.سعد- في مؤسساتنا يقودوننا دوماً للهلاك والتخلف. ويضع د. سعد وصفة للتعرّف على "القواطي"؛ فيقول: "فما إن يفتح فمه أو أن يشارك في موضوع قريب من تخصصه؛ حتى تدرك أن هذا الإنسان الذي أمامك (خبل خالص)؛ وتستغرب كيف تبوأ هذا المنصب. فهذا "القوطي" لا يصلح راعياً (للتالية من الغنم) مثلما يقول البدو كناية عن الغباء وعدم التدبير. (انتهى).

ولقد فتح د. سعد شهية الكثيرين للحديث في أمر "القواطي" الذين يعششون في مؤسساتنا بدءاً من الجامعة مروراً بالمستشفيات والمراكز العلمية والمجالس الوطنية وحتى الإعلام والثقافة والبلدية. وفي الواقع؛ فإن د. سعد كان لطيفاً -كما هو في طبيعته- في استخدام مصطلح "القواطي"؛ ذلك أن الواقع يلزمنا بالاعتراف بوجود "درامات" وهي أضخم من "القواطي"؛ وهي تحجز مكاناً في كل مؤسسة، فتقلل من المساحة رغم أنها فارغة من الداخل؟! والدرامات نوعان:

النوع الأول: هو ما يوضع فيه الزيت -أي النفط- وقد وصل سعره إلى 80 دولاراً -وما زال بعض أبناء النفط يتسولون من أجل وظيفة تحفظ لهم خبز العائلة!؟ وهذه الدرامات سميناها براميل احتراماً وتقديراً لها. وهي تعيش عيشة راقية مخملية وتحمل بكل دقة وحميمية حتى تحمّل للتصدير إلى الخارج. وهي لامعة من الداخل وليست رخيصة الثمن. أما النوع الثاني من الدرامات فهي درامات الزبالة -أعزكم الله- وهي التي تُرمى بداخلها الأشياء عديمة الفائدة والفاسدة. ونجدها صدئة من الخارج والداخل وتقذف بلا رحمة في حاويات القمامة السيارة.

ولقد ابتلينا بتلك الدرامات لأكثر من ثلاثين عاماً. وللأسف؛ فقد تشكلت علاقة وثيقة بين تلك "الدرامات" والأنظمة. فصار "الدرام" أكثر حظوة من الفاهم. وأقرب إلى المسؤول؛ بل وأصبح أكثر قرباً من المناصب العليا؛ والوظائف التي تحتاج إلى تخطيط استراتيجي ورؤى مستقبلية للأمور.

و"الدرام" لدينا يكون قد تخرّج بشهادة الدكتوراه منذ 25 عاماً؛ ومارس مهنة التدريس أو الإعلام أو الإشراف الإداري ولربما كان سفيراً دون أن يكتب أي مقال في تخصصه، أو أن يعد أي بحث بعد رسالته المشكوك في كتابتها. ولقد سجّل لنا التاريخ مجموعة من "الدرامات" في الجامعات والإعلام والطب. فهنالك من قضى أكثر من 25 عاماً وهو يدرّس دون أن يشارك في برنامج إذاعي أو تلفزيوني أو يكتب رأياً في جريدة أو يتحدث في ندوة عن تخصصه!! ونجدهم يتهربون من المذيعين الجادين. وهنالك من "الدرامات" المفاجئين جداً؛ فتجده وقد وضع لافتة فوق مكتبة باسم (الدكتور..) وكان بالأمس (السيد...)؛ وعندما تسأله كيف حصلت على الدكتوراه وأنت لم تفارق العمل؛ يقول وهو مزهو بصدره المنفوخ: أخذتها بالمراسلة من لندن!؟ هذا الدكتور لم يدرس أي (كورس) في الإدارة ولا يعرف تصميم رسالة الدكتوراه، ولا يدري ما هي المراجع أو الهوامش. كما أنه شخصية غير فعالة في العمل. على العموم يترقَّى هذا الدكتور ويعيّن سفيراً لبلاده في الخارج!؟

"درام" آخر من "درامات" الشهادات العريضة والعقل الفارغ يحضر اجتماعات إقليمية ودولية؛ ولا يناقش ولا يتحدث ولا يعرف لماذا يحضر الاجتماعات. وكل ما يفعله هو أن يأخذ محاضر الاجتماعات أو التوصيات ويقدمها للمسؤول -غير المتفرِّغ لقراءتها- وفي اليوم التالي تجد صورة "الدرام" في الجريدة مع التوصيات. دون أي تعليق أو تصريح حول الاجتماع. وهذا "الدرام" أيضاً يخشى الإعلام ولا يتحدث في الصحافة أو التلفزيون رغم أنه إعلامي ورسالته في الإعلام!؟ والغريب أن أربعة من نظرائه -يحملون شهادات الدكتوراه من الفاهمين قد أحيلوا إلى التقاعد- وبقي هو على رأس عمله.

الإشكالية أن الأنظمة "تقرّب" أمثال هذه "الدرامات" وتعزّهم ولا تقرّبهم من سيف التقاعد أو الطرد التعسفي من الوظيفة، رغم أنهم يسيئون للمهنة ويُحرجون بلدانهم في الخارج. أحد هؤلاء "الدرامات" كان في بلد عربي؛ وقال كلاماً لم يقله قبله أحد عن الإعلام -وهو يدرس الإعلام أيضاً- وأخبرني أحد المشاركين بأنه كان قاب قوسين أو أدنى من إنزاله من على المنصة لأنه بلا عقل!؟

نحن لا نعرف لماذا تتصالح الأنظمة مع "القواطي" و"الدرامات"؛ وتتعادى من المؤهلين النابهين وأصحاب الرؤى النيِّرة لخدمة بلدانهم -والذين أثبتوا جدارتهم في تخصصاتهم وإنجازاتهم المتعددة في مجالات تخصصهم. وليكن أن النابهين يقولون للمسؤول: "طالْ عمرك هذا غلط!"؟ والصحيح هذا!؟ فهذا خدمة للوطن؛ ومهادنة المسؤول وهو على خطأ هو الخطأ والذي يجب أن تحذر منه الأنظمة!؟ آخر هؤلاء "القواطي" وجدت صورته في الجريدة وهو يحضر اجتماعاً ثقافياً عالمياً وأعرف أنه لم يقرأ كتاباً قط، ولا يعرف اسم صاحب الندوة أو اسم كتاب من كُتبه. نجد هذا "الدرام" يتصدر المفكرين العرب؛ وأخشى عليه لو سأله جاره على الكرسي ماذا يعرف عن (ابن خلدون) أو (ابن النفيس)!؟

لقد جاء الوقت كي تفتح الحكومات أعينها جيداً على هذه الحقيقة. وهي أن "القواطي" أو "الدرامات" التي تعشش في المؤسسات الحكومية ليست صالحة لحكومة الألفية الثالثة. وأن مفهوم الـ(Yes men) لم يعد قابلاً للتنفيذ لدى حكومات ترنو إلى الخروج من "صف" العالم الثالث إلى صف العالم الأول. وأن مراجعة شاملة لكل ملفات "القواطي" و"الدرامات" المعششين في مؤسساتها ينبغي وأن تُجرى من أجل الصالح العام، وليس من أجل عيون المسؤول الضعيف الذي لا يستطيع رفع رأسه أمام الإنسان الفاهم المؤهل؛ بل "يستأسد" أمام "القواطي" و"الدرامات"!

نحن نقول هذا الكلام بكل حِرقة لأننا نشعر بأن مؤسساتنا العربية تتآكل ويصيبها النخر لأنها تُدار من قبل هؤلاء الذين لا يعرفون أي شكل من أشكال الاتصال أو علم الإدارة أو الحوار الموضوعي. المهم أن يصمتوا أمام المسؤول ذي العين الحمراء!؟

وهؤلاء -وإن أراحوا المسؤول بكلمة "نعمْ، طال عمرك"؛ فإنهم يسيئون لأوطانهم ولضمائرهم الميتة وللأجيال القادمة. وأن بناء الأوطان لا يتم إلا عبر سواعد أبنائها المؤهلين الذين يقولون الحق وإن كان لا يقبله المسؤول. إننا نشاطر د. سعد همّه على "قواطيه"؛ ولا نجد من يشاطرنا في حزننا على الأجيال التي تتخرج من الجامعات، وتذاكر السفر التي تصرف على الاجتماعات التي يحضرها "الدرامات" دون جدوى!؟

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية-18-10-2007