مقالات و محاضرات

 

 

          أين الحياء !؟ :

                          الجامعة العربية والدستور العراقي

 

 

                                                                  د . جابر حبيب جابر

  

ربما لم يحظ دستور بالترقب والاهتمام بالصورة التي حظي بها الدستور العراقي، والذي لم يقتصر الانشغال به على الداخل العراقي وفعاليته السياسية بل تعدى ذلك الى الاطار الدولي والاقليمي المتمثل بالامين العام للامم المتحدة والدول الكبرى المهتمة والمنشغلة بالتطورات السياسية بالعراق، كأمريكا وبريطانيا وغيرهما، وصولا للاتحاد الاوربي الذي انسجم مع مواقف القوى الدولية الاخرى وهنأ الشعب العراقي على التوصل الى ما وصفه بالركيزة الاساسية في العملية السياسية.

اما في الاطار الاقليمي والعربي، فكان الصوت الابرز ولكن في غرابته، هو موقف الامين العام لجامعة الدول العربية، وغرابته تتأتى من التوقيت والموضوع والاسلوب، فقد جاء تدخله في الوقت الذي كانت فيه الاطراف السياسية تخوض تفاوضاتها وربما مساوماتها على مسودة الدستور، وهذا جزء من العملية السياسية والحراك السياسي، فجاء تدخله الذي اصطف مع جهة معينة ليصعب مواقفها، ويجعلها متعنتة اذ ظنت انها تتكئ على الجامعة في مواقفها، في حين ان المناخ كان يتطلب من الجميع المرونة. ربما يبرر هذا الموقف بالحرص القومي على العراق، ونحن لا نجرد الامين العام منه ولا نتقاطع معه، ولكن ربما كان من الممكن ان يكون دوره اكثر فاعلية وجدية، لو انه كان قد ارسل ممثلا عن الجامعة منذ مدة وعمل بين الفرقاء لإسداء النصيحة والاستشارة وهو الدور الذي لعبه السفير اشرف قاضي ممثل الامين العام للامم المتحدة منذ نهاية العام الماضي، والذي انشغل بلقاءات متواصلة مع القوى السياسية وأطياف الشعب العراقي والاكاديميين للمساعدة في كتابة الدستور وتشجيع العراقيين على الانخراط في ذلك، وكان من الممكن لتدخل الجامعة العربية أن يكون له الثقل المعنوي والسياسي الطيب، او يجد الاذن الصاغية لو كان الامين العام او من سبقوه التفتوا يوما لمآسي الشعب العراقي، سواء في عراق البعث او ما بعده.

فالذاكرة العراقية تختزن المرارة من دور الجامعة وتتساءل: اين كان الامين العام ومن سبقوه في هذا المنصب؟، الذي لم تعد له من قيمة الا كونه محطة لوزراء خارجية مصر عند التقاعد، ولذلك فهناك حرص منهم على

عدم تدويره لكي يشمل باقي الدول الاعضاء، لا اقول اين كان من التعذيب او القتل او اهدار حقوق الانسان العراقي كونها لا من القيمة او الكم بحيث تستلفت انتباهه، وسأركز على ما اعتبره القانون الدولي كجرائم ابادة بشرية.

اين كانت الجامعة من جريمة قتل الاكراد في حلبجة ولماذا لم نسمع كلمة واحدة ضد دكتاتور دخل سجل التاريخ بأنه اول حاكم يضرب شعبه بالاسلحة الكيميائية؟، وأين كانت الجامعة اثناء حملة الانفال التي شنها النظام وكان ضحيتها مئه وثمانين الفا من الكرد؟ وأين كانت عن الجرائم التي ارتكبت ضد البيئة بإزالة قرى الاكراد او تلك التي استهدفت الاهوار والغت طبيعتها التي عاش فيها انسانها لسبعة آلاف سنة؟ وتركته مهجرا، اين كان من الكرد الفيلية؟

والذين لا اظن انه او غيره توقفوا يوما للتفكير بهم، لماذا لم تقم الجامعة بإدانة او ان تحول دون تهجيرهم، والذي استمر مسلسله لعقدين من السنين وطال مئات آلاف منهم حيث سلبت اموالهم وممتلكاتهم وتم رميهم على الحدود وسط حقول الالغام، في الوقت الذي سيق شبابهم الى السجون البعيدة، والتي قدرت الاحصاءات بأن عددهم سبعة عشرالفا، ولم يتم العثور للآن عليهم حيث تم تجريب الاسلحة الكيميائية عليهم، واعتبرهم النظام بعد ذلك انهم فقدوا في الحرب وخصص راتبا تقاعديا لعوائلهم قدره (54) دينارا. والغريب ان عوائلهم كانت قد رحلت فلمن هذا التقاعد؟

وإذا كان لم يصدق الابادة الجماعية التي تعرض لها سكان الجنوب بعد انتفاضة عام 91، فقد زودناه بالأدلة عندما كشفنا له المقابر الجماعية التي بلغت اكثر من ثلاثمائة مقبرة. ربما تتذرع امانة الجامعة بأنها لم ترد ان تتعرض للانظمة، لكنها هل حاولت ان تعالج او ان تدعو الدول التي تضمها الجامعة لان تلتفت الى مآسي العراقيين الهاربين من جحيم النظام؟

وهل دعت يوما هذه الدول للسماح لهم بحق المرور، ولا اقول الاقامة بدل ان تبتلعهم قيعان المحيطات وترأف بحالهم المنافي البعيدة. جربنا النسيان وقلنا ستعوضنا جامعتنا (التي لم تجمعنا) عن مواقفها باعتذارات لشعبنا الكردي والعراقي بمجمله، وإذا هي تستمر بمسلسل التجاهل والتعالي، فأمينها العام الذي كان يتذرع بان منظمته هي اطار رسمي للحكومات لم يمنعه هذا بعد ذلك من ان يستقبل حتى شيوخ العشائر، وهو الذي كان يمتنع هو او اصغر موظف عنده عن استقبال اي معارض عراقي للنظام السابق مهما بلغ وزنه.

ربما تحولت الجامعة الى ان تعتني بالشعوب وهذا شيء حسن ويحسب له، ولكن بعد ان درجت الجامعة على استقبال من افترضتهم ممثلين للمعارضة العراقية، فهل تجرأت او ستتجرأ يوما على استقبال اي معارض لاي نظام عربي؟

ام ان الانظمة العربية لا يوجد لها معارضون؟ قبل الانتخابات درج على استقبال ممثلي القوى التي دعت الاخرين لمقاطعة الانتخابات، فهل نصحهم وهو الحصيف سياسيا بان يشتركوا بالانتخابات كونها ستفضي الى كتابة الدستور وان غيابهم سيخل بالتوازن ويضعف الطرف العربي امام الطرف الكردي؟ ام تراه كغيره راهن بان الانتخابات في العراق ستفشل؟

ربما سيقال ان الامين العام هو مجرد رئيس تنفيذي، ولكن هل يسمح لهذا الرئيس التنفيذي ميثاق جامعته العربية او ميثاق اي منظمة اقليمية او دولية التدخل في الشأن الداخلي للدول الاعضاء؟ وهل يصح ان يضع نفسه فوق ارادة ثمانية ملايين ناخب عندما يصف الدستور الذي وضعه ممثلوهم بانه وصفة للفوضى؟ هذا الدستور الذي هو الوحيد من بين دساتير المنطقة الذي وضع بإرادة شعبية ويدرك الكثيرون بأنه تعتريه النواقص، ولكنه هذا هو ثمن الديمقراطية، ثم انه ليس كتابا مقدسا وانما عرضة للتعديل وان عدم التصويت عليه من قبل الجمعية، وعدم حل اللجنة الدستورية التي وضعته، هو بغرض ترك باب التعديل مفتوحا. ابدى الامين العام القلق على عروبة العراقيين وكأنها ثوب لكي ننزعه او نحن بحاجة لمن يدلنا على التمسك بها، ولكن قبلها لم يقلق الامين العام من اتفاق المصالحة السودانية والذي فيه حق تقرير المصير لجنوبه بعد زمن والذي يستبطن المخاطر، ولماذا لم يتصد لليبيا التي لا يعرف احد عدد المرات التي انسحبت فيها من الجامعة العربية وقالت فيها ما لم يقله مالك في الخمرة، وتزعمت الوحدة الافريقية وأدارت ظهرها لمحيطها العربي، لماذا لم يندد بالدول العربية التي تطبع العلاقات مع اسرائيل في خرق واضح للاجماع العربي؟ وهو ايضا الذي رفض وتباطأ عن التعاطي مع الحكم العراقي، ارسل بعد ايام قلائل من الاطاحة بالنظام الموريتاني مندوبا عنه متناسيا ان الرئيس السابق هو شرعي وهذا انقلاب على شرعيته التي يجب ان تحرص عليها الجامعة، والامين العام الذي طالما تعالى على التجربة الديمقراطية في العراق والتي تكتب بدماء الشهداء من ابنائه فهل ننتظر منه غدا ان يعطينا رأيا وموقفا من السيرك الانتخابي الذي يجري امام مكتبه في مصر، خصوصا ان جامعته معنية بالإصلاحات الديمقراطية. دعك عن كون المئات من الضحايا الذين يسقطون يوميا في العراق لم يحركوا الامين العام لكي يدعو حتى الى اجتماع استثنائي، في حين تحرك وكأنه جزء من الدبلوماسية المصرية في الدعوة العاجلة لعقد قمة في شرم الشيخ حرصا على السياحة فيها، وأخيرا فلا ماضي الجامعة ولا ميثاقها يسمح لها بالتدخل في ارادة شعب بعد ان تركته بين فكي جلاديه وإرهابييه.