الإعلامُ لنْ تنفذ صلاحيته
المهندس فؤاد الصادق
الإعلام.... الخبر.... التقرير يُساهم بل يكاد ينفرد في صياغة و رسم ملامح الرأي العام و تفاعلاته، و إذا كنا جادين حقاً في تفعيل و تطوير هذه المساهمة لا مفرَّ من:ـ أولاً: التناول و الدراسة المستوعبة للأسس و المبادئ التطبيقية التي تحكم الأداء الإعلامي و فعاليته. ثانياً: التدريب و التأهيل الدؤوب المتواصل لإكتساب المهارات الميدانية المتطورة في العمل الإعلامي. ثالثاً: تدوين وثيقة مشتركة للعمل الإعلامي؛ لتتناول الوثيقةُ السياساتَ، الإستراتيجياتَ، المعايير و المناهج و يتصدرها إقراراً صريحاً و دقيقاً بالحرية الكاملة الملتزمة للعمل الإعلامي و نشاطاته و أدواته. رابعاً: تأسيس قسم المتابعة ليتولى استلام الإنتاج الخبري المنشور لأسبوع كامل مثلاً مكتوباً، لعرضه على ما رسمته البنود الثلاثة المتقدمة، و رفع التوصيات العملية الضرورية لردم الهوة و تطوير الأداء الإعلامي. وعلى هذا الطريق نحاول استعراض موجز مُفهرس للمبادئ و الأسس التي تكفل فاعلية وحيوية الإعلام و تُسنِده في مساهماته و عطائه، و على كل حال فالخبر ـ بالمعنى العام ـ الذي يتعدى النقل المجرد و يشمل التفسير أو التحليل بأصنافه المقروء أو المسموع أو المرئي و بأنواعه السياسية، الاقتصادية، الفنية، أجل الخبر ـ في الإطار العام المتقدم ـ هو المحور في حديث الإعلام و خطابه، و المندوب الصحفي و المُخبِر هو بطل الفيلم... و رجل المهام الصعبة فهو الوسيط بين الحدث من ناحية، و القارئ أو المستمع أو المشاهد من ناحية أخرى، و كما يُقال: ـ المُخبر هو عين الجمهور و أذنه الواعية المتمرسة، لأن الكل لا يسعه الحضور ليشاهد و يسمع بنفسه، كما أن حضورهم ليس بممكن أيضاً حتى لو تمكنوا و أرادوا ذلك..... أضف إلى ما تقدمَ أن المَهمةَ لا تنتهي بالاستماع أو المشاهدة المُجردة، بل تستدعي التحقيق... التّفحص...التفسير و التحليل و المقارنة.....، و هذا يجعلُ مهمةَ الإخبار حرفية.... تخصيصية..... قانونية و غير عادية... تزيدها خطورة و تعقيداً ما يُحدّقُ بها من مشاق و أخطار قد تؤدي بحياة المُخبر أحياناً، هذا من ناحية، و لأنّ الإعلام هو السلطة الرابعة الموكلة بالرقابة الحثيثة للسطة التنفيذية، بل و حتى التشريعية و القضائية لتحجيم الأخطاء، الانحراف، الفساد، دعم الحرية و الديمقراطية و الحقوق المدنية و ضمان التنمية و التقدم و العدل و...الخ، حتى أن الدساتير في بعض الدول تنص بأنه لا يحق للقوة التشريعية سنّ القوانين التي تُقيد الإعلام و حريته. و مما تقدمَ يُمكن القول بانَّ ثمة عقد ضمني إجتماعي عُرفي بين المُخبر و الجمهور يُصّرح بأنّ: ((المُخبر هو المُستشار الأمين للجمهور و الذي يبذل قُصارى جهده، كي يُقدم للجمهور حقيقة ما يحدث في مرافق الحياة المختلفة، و بصورة صادقة كاملة و دقيقة و واضحة لمساعدته في اتخاذ المواقف و القرارات الصائبة)) فالناس تتصرف على ضوء ما تقرأه أو تسمعه أو تعرفه أو.... و إذا كان الأمر كذلك و أعلنَ المُخبرُ قبولهِ للعقد المذكور، و أردنا التعرفَ على الحجم الكبير و المسؤولية الجسيمة المترتبة على ذلك القبول بالنسبة للإعلامي أو المُخبر نستعرض أهم المفردات التي تضمنها العقد المتقدم:ـ الإستشارة.... الأمانة.... الصدق... الدقة... النُصح... لو تأملنا قليلاً في كل من المفردات المتقدمة و عُدنا إلى القرآن الكريم و الروايات الشريفة لوجدنا كماً هائلاً من النصوص المهتمة بكل منها إيجاداً، ترسيخاً، إقناعاً و ترشيداً و تحصيناً و بالتالي إهتماماً فائقاً و محورياً بمثل هذه القيم و المُثل، و لهذا جاءت مسؤولية الإعلامي كبيرة و جسيمة بل و في غاية الخطورة، و لا يتسنى لأحدٍ التنصل من هذه المسؤولية، لكون ممارسة الإعلام واجباً كفائياً حُكماً لا يربو إليه الشك، ناهيك عما يمليه حجم و عمق و واقع التحدي المعاصر و الموقع المتأخر الذي يُصنفُ فيه إنتاجنا الإعلامي إذ ما قُورن بالواقع العالمي. فلا ريب إذن في أن الممارسة الإعلامية مهمة رسالية حضارية مصيرية خطيرة لابد منها، و لها مبادئها و أُسسها و آلياتها و قوانينها، و إتقان ممارسة هذه المبادئ و الأسس هو الذي يكفل و يرفع من كفاءة النشاط الإعلامي و فاعليته و تأثير و مداه الجغرافيائي، و لا ننسى مغزى الفقرة التالية في العقد المتقدم:ـ ((المُخبر.... الذي يبذل قصارى جهده كي يُقدم للجمهور...)) فلا مناص من بذل قُصارى الجهد بعد قبول العقد المشار إليه كإعلاميين مع الجمهور... هذا العقد الضمني الُعرفي الإجتماعي استناداً إلى القوانين المتداولة... فكيف بنا إذا ما تناولنا العقد بالقبول من الناحية الشرعية و صار ملزماً للإعلامي في عمله فالمؤمنون عند شروطهم، و من الشروط التي نصّ عليها العقد ما تم ذكره في: ((... يبذل قصارى جهده...)) و لا يمكن ـ مع ما تقدم ـ التعامل مع المسألة من باب رفع التكليف، و لملء المساحات و الساعات الشاغرة و ما نحو ذلك، فإتقان الأسس و المبادئ الميدانية الإعلامية، و ممارستها و تكميلها و تطويرها و السهر على متابعة الإلتزام المتواصل الدائم بها، و الإنطلاق إلى قلب الحدث و بمهنية و حرفية و... هو الذي يُبدد الظلامَ و يقطع دابر الظلم و يضع حداً لقرارات و إتفاقيات و تحالفات الظُلمة و يُوقِف أمراء الظلام عند حدودهم و يكشف أوراقهم و يُشل أدواتهم و أساليبهم، ليقود البشرية إلى عصر الكرامة الإنسانية الشاملة متفانياً في الحفاظ على مكاسبه و إنجازاته و الوقاية من الإنهيارات المحتملة.... و هكذا فقط يمكن تفعيل و تكثيف دور الإعلام و إنتشاله مما يوصم به مثل: (هذا كلام صحف) أو يُغمز به مثل (الإعلامُ أعلن التوبةَ) عن التأثير(!؟)، و أنّى له أن يؤثر في الوقت الذي أهمل البعض الأُسس و المبادئ و الحرفية و المهنية و المصداقية، في حين قام آخرون بتهميش الإعلام في الدوائر الضيقة كالتسويق للفرد و آراءه و ما نحو ذلك كالإنغماس في موضة التدشين اليومي (!) المتسارع للمشاريع الصغيرة الكبيرة، طبعاً إلى جانب أستقبلَ اليوم، و كي لا نظلم أحداً حقه علاوة على ودّعَ بعد يوم أو ساعات، و ليس هذا فحسب بل هناك أيضاً فقرات هامة و مصيرية أخرى تمكن في أبرقَ مهنئاً تارة و مُعزياً أخرى و حسب المناسبة طبعاً، و بصورة موثقة بإيراد النص الكامل للبرقية فالمذيع يتلوها واحدة... واحدة بالتمام و الكمال فيما تُعرِضُ الشاشة صوراً لتلك البرقيات أو المبرقين، ناهيك عن القوائم الإحصائية المضخمة الموثقة غير المُوثقة (!!) لكل ما هو قاتم و سلبي في المعمورة كأفيون انطلاقاً من (( حشر مع الناس عيد)) أو لكل ما هو كذلك أو أسوء مما يرتبط بالمخالفين و المنافسين و المحايدين و أحياناً حتى الأصدقاء (!؟) و كأنَّ الاستراتيجية العقلانية للخطاب الإعلامي أمست رفض الآخر، و التفاني بتفنن في خلق الأعداء و تجيّشهم و... مع الإنتباه لإذكاء العداوات و الخلافات و إقصاء القواسم المشتركة. لهذا تفاقم الوضع و تدنت مستويات الأداء و التأثير إلى حد دفع البعض للحديث علناً و في وضح النهار عن: ـ إلغاء وزارت الإعلام العربية (!!) والذي وَرَدَ فيه: (( وزراء الإعلام العرب يُقرون في كلماتهم بأن العالم العربي فشل إعلامياً، و هو غير قادر على محاكاة الحاجات العربية في الشارع، فإما أنه إعلام تسلية و ألعاب أو أنه إعلام ديماغوجي ينتمي إلى مرحلة الخمسينات أو الستينات من كثرة ما يحمل من سطحية سياسية و عزبة عن هموم الشارع العربي و حاجاته الإجتماعية و السياسية. فهذا الإعلام المتمكن راهناً من القدرات التقنية لا يكاد يجد حيلة لجمع ما هو تقين بما هو مادة و مضمون. و من هنا فإن الإعلام العربي و لا سيما الرسمي يظل واقفاً على أبواب المجتمع لا يدخلها إما عجزاً أو رغبة))[1] و مما يعتصر القلب بالألم و يستدعي النهوض أن البعض من الكتابات المتطرفة الإنفعالية لبعض الغربيين ما برحت تعكس نظرة كاريكاتورية سلبية للمسلمين و العرب، و منذ أمدٍ ليس بالقصير، و على سبيل المثال لا الحصر لنتأمل ملياً في الفقرة التالية: (( إن مقاربة المنطقة الإسلامية من قبل وسائل الإعلام الغربية هي مجموعة من الصور السلبية. فتاريخ المجتمعات العربية و الإسلامية و الحضارة العربية و الإسلامية تُحجب في مقالات الصحافيين الغربيين لصالح آراء المسبقة و السلبية عن الإسلام و العرب... أن هذه النظرة الكاريكاتورية السلبية للمسلمين و للعرب التي تبثها وسائل الإعلام الغربية لا تساهم أبداً في ردم الهوة بين الثقافات و التي يجب أن يكون التقارب بينها لصالح الشعوب)) [2] و لِمَ لمْ تكن النتائج كذلك إذا كان الإعلام المحلي قد أعتُقِلَ ردحاً من الزمن فيما فُرِضتَ عليه الإقامة الجبرية في عصر الإنفتاح و التقنيات الرقمية، في الوقت الذي أُقبر في المهد إعلامنا الدولي الخاص بالمتلقي غير العربي و منذ عهد بعيد... أجل إذا كان الواقع كذلك فما آلت إليه نتائج النشاط الإعلامي طبيعي بل و طبيعي جداً، لأننا حطمنا الجسور و نريد العبور إلى قلب الأمة... و قلب البشرية. و أنّى لإعلامٍ كهذا القدرة للمساهمة في التأثير على المتلقي لقولبة نظرته إلى العالم الخارجي و تعديل سلوكياته في الإتجاه الإنساني الحضاري الرسالي... إطلاقاً لا طريق إلى ذلك إلا بعد:ـ 1- تحرير الإعلام من التضيّق و التهميش و التسويق الرخيص و.... 2- تذويب الجليد بين الإعلام من جهة و بيئاته المحلية، الإقليمية و الدولية من جهة أخرى. 3- تهذيب، عقلنة و عصرنة و تحديث خطابه. 4- تجنيد كل الوسائل و الإمكانات الحديثة في خدمة الإعلام و لإعادة الثقة و ضمان إستمرار عملية الإرتباط و التفاعل بين المخاطب و الخطاب و المُتلقي، للنجاح في كسب تأييد المتلقي لما ورد في الخطاب الإعلامي. و بعد العودة إلى الأسس و المبادئ و المناهج التي تتحكم في نجاح النشاط الإعلامي، و ذلك عند الفراغ من إنتشال الممارسة الإعلامية من دهاليز التهميش و الإزقة التسويقية الضيقة الرخيصة و الدعاية المبتذلة... عندها سنلمس حقاً بأن: الإعلام لن تنفذ صلاحيته أبداً.
1- جريدة النهار – الخميس 21/6/2001 (علي حمادة) 2- .Alain GRESH, L’Islam au miroir des me‘dias, Le Monde Diplomatique, juin 1997, P.22
|