التمكين في فكر الإمام الشيرازي الراحل

-1-

 

المهندس فؤاد الصادق

 

التمكين على المستوى الفردي والجمعي والمجتمعي يحتل مساحة شاسعة في فكر الإمام الشيرازي الراحل لأنه خصصَ في كتاباته الكثيرة أكثر من كتاب ضخم ومستقل للتمكين ، وبعيداً عن الأدبيات النخبوية وتعقيداتها ، ودون تبسيط اوتسطيح لتسيهيل إستيعاب ثقافة التمكين وزرعها وتنميتها . وبيان ذلك يملي الوقوف على معنى التمكين وتطورمفهومه .

مـا هـو التمكين ؟

قال الإمام جعـفـر بن محمد الصادق عليهما السلام :

( ما كلّ منْ نوى شيئاً قدرَ عليه ، ولا كلّ منْ قدرَ على شيء وفـِقَ له ، ولا كلّ منْ وَفـِقَ لشيء أصابَ له ، فإذا إجتمعت :

النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهنالك تمت السعادة ) 1 .

التمكين : Empowerment

التمكين في اللغة :

تمكن من الشئ واستمكن ظفر ، والاسم من كل ذلك المكانة . قال أبو منصور : ويقال أمكنني الأمر ، يمكنني ، فهو ممكن 2.
و ( مكن  ) مكنه الله من الشئ وأمكنه منه ، بمعنى . واستمكن الرجل من الشئ وتمكن منه ، بمعنى . وفلان لا يمكنه النهوض ، أي لا يقدر عليه 3.

وقال الطريحي :

مكناهم : أي ثبتناهم وملكناهم ، يقال مكنتك ، ومكنت لك بمعنى ، ومكنه الله من الشئ ، وأمكنه منه بمعنى . ومكن فلان عند الســلطان وزان ضخم عظم عنده ، وارتفع عنده ، وارتفع فهو مكين . ومكنته من الشئ تمكينا : جعلت له عليه سلطانا ، وقدرا ، فتمكن منه . واسـتمكن الرجل من الشـئ ، وتمكن منه بمعنى أي قدر عليه . وله مكنة أي قوة وشدة 4.

إذن لمادة كلمة التمكين معان متعددة متقاربة كالمنزلة ، والتمليك ، والإقدار من الشيء ، والتسليط عليه ، والظفر به .

الفرق بين التمكين والإقدار في اللغة :

التمكين لغة: إعطاء ما يصح به الفعل كائنا ما كان من الآلات والعدد والقوى ، بينما :

الإقدار لغة: إعطاء القدرة وذلك أن الذي له قدرة على الكتابة تتعذر عليه إذا لم يكن له آلة للكتابة ، ويتمكن منها إذا حضرت الآلة ، والقدرة ضد العجز ، والتمكن ضد التعذر كما في كتاب الفروق اللغوية 5.

التمكين في النصوص المقدسـة :

وردت "التمكين" في القرآن الكريم باشتقاقاته ثماني عشرة مرة منها قوله تعالى :

{ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ } 6

قال الشيخ الطوسي - ر - :  لما اخبر الله تعالى أنه يريد ان يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة ، أخبر في هذه الآية أنه يريد أن يمكنهم في الأرض ، والتمكين:

هو فعل جميع مالا يصح الفعل ، ولا يحصل إلا معه من : القدرة ، والآلة واللطف وغير ذلك . وقال الرماني : اللطف لا يدخل في التمكين ، لأنه لو دخل فيه لكان من لا لطف له لم يكن ممكنا ، ولكن يقال : انه من باب إزاحة العلة 7.

{ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ } 8

قال الشيخ الطوسي - ر - عند تفسيره لقوله تعالى : ( قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد )

... لا يصح التكليف إلا مع التمكين . والقوة القدرة التي يصح بها الفعل ، ويُـقـال للعدة من السلاح قوة ، كقوله " واعدوا لهم ما استطعتم من قوة "9

وفي الرواية عن الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام :

( إن المؤمن اتخذ الله عصمته ، وقوله مرآته . فمرة ينظر في نعت المؤمنين ، وتارة ينظر في وصف المتجبرين ، فهو منه في لطائف ، ومن نفسه في تعارف ، ومن فطنته في يقين ، ومن قدسه على تمكين ) 10.

ومن قدسه على تمكين : أي ومن طهارة نفسه على قدرة وسلطنة .

وفي الدعاء : من الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين السجاد عليهما السلام  :

( ... اللهم صل على محمد وآل محمد ، إنك حميد مجيد ، كصلواتك وبركاتك وتحياتك على أصفيائك إبراهيم وآل إبراهيم ، وعجل الفرجَ والروحَ والنصرةَ والتمكينَ والتأييدَ لهم ... )

قال المدني الشيرازي - ر - في شرح الفقرة أعلاه :

وقوله عليه السلام : « والتمكين » :

مصدر مكنته من الشيء تمكيناً جعلت له عليه سلطانا وقدرة ، فتمكنَ واستمكنَ منه : أي قدرَ عليه ، ومنه قوله تعالى :

( ولقد مكناكم في الأرض )

أي اقدرناكم على التصرف فيها ، وقيل :

التمكين : إعطاء ما يصح الفعل ، مع رفـع المنع ، لأن الفعل كما يحتاج إلى القدرة فقد يحـتاج إلى آلة ، وإلى دلالة ، وإلى ســبب ، و يحـتاج إلى إرتفاع المنع ، فالتمكين عبارة عن جميع ذلك 11.

الخلاصة : التمكين بالمفهوم الشامل العام يعني :

التبيين ، الإقدار، رفع الموانع ، إيجاد الدوافع والمقدمات والأليات والأسباب وكل ماهو ضروري مما لا يصح إلا معه الفعل ، ولا يحصل الفعل إلا معه .

فإذا أردت تمكين موظف من موظفيك من كتابة رسالة عنك الى شركة من الشركات مثلا يجب عليك أن تبين للموظف طلبك ، وتعلمه وتدربه مهارة الكتابة لإقداره من الكتابة ، وتهيء له المواد والألات كالورق والقلم والمستند ، وتزيل الموانع كالظلام المانع للرؤية ، وتوجد ما يقرب الموظف من الإمتثال للطلب ، ويبعده من العصيان  .

وفي جملة واحدة التمكين بالمفهوم العام يشمل التمكين والإقدار اللغويين إضافة الى اللطف .

تطور المفهوم لعام التمكين :

التمكين بمفهومه العام يعبر عن عملية تتكفل بتحويل الأشخاص الغير مالكين للقوة مدركين وواعين لأوضاعهم وقادرين على تنظيم أنفسهم للوصول الى حقوقهم وأداء دورهم وتبوء مكانتهم .

وهذا ما تابعه الإمام الشيرازي الراحل في كتب ضخمة مستقلة للإنتقال بالفرد والتجمعات فالأمة من الهامش بإتجاه المركز سلمياً وعلى المستويات المختلفة للتمكين .

للتمكين مستويات ثلاث هي :

1- المستوى الفردي لتطوير الإحساس بالذات وتعزيز الثقة والقدرة الشخصية والقدرة على التواصل والتحاور والتأثير على طبيعة العلاقات والقرارات وعمل الأفراد مع الآخرين لتحقيق التأثير المطلوب بدرجة اكبر من التأثير في حالة العمل الفردي .

2- المستوى الجمعي لتطوير القدرة على التنظيم والعمل الجمعي والإحساس بالقوة والمنعة والقدرة الأكبر على التأثير .

3- المستوى البيئي لتطوير المناخ السياسي والاجتماعي والقواعد الاجتماعية والحوار العام لتدعيم التمكين في المستويين المتقدمين .

حول ما يمكن أو لا يمكن للمرأة القيام به.

ومن الكتب المستقلة الضخمة التي اتحف بها الراحل رحمة الله عليه المكتبة الإسلامية والإنسانية في مجال التمكين وفقاً للمفهوم المتقدم :

1- السبيل الى إنهاض المسلمين .

2- الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية الرفاه والسلام.

3- ممارسة التغييرلإنقاذ المسلمين .

4- طريق النجاة .

5- فقه الادارة في مجلدين .

إضافة الى المئات من الكتب والكتيبات والكراسات المرتبطة الأخرى مثل :

1- تحويل المعنويات الإسلامية من القوة الى الفعل

2- الى نهضة ثقافية إسلامية

3- نحو يقظة إسلامية

4- طريقنا إلى الحضارة

5- اللاعنف في الإسلام

6- السلم والسلام

7- الحرية الإسلامية

8- الشورى في الإسلام

9- كيف تدير الأمور

- للحديث صلة -

....................................

المصادر :

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 5 - ص 210 عن كنز الكراجكي .

2- لسان العرب - ابن منظور - ج 13 - ص 4143- الصحاح - الجوهري - ج 6 - ص 2205 – 2206

4- مجمع البحرين - الشيخ الطريحي - ج 4 - ص 221 - 222

5- الفروق اللغوية - أبو هلال العسكري - ص 142

6- القصص -6 

7- التبيان - الشيخ الطوسي - ج 8 - ص 130 - 131

8- هود - 80

9- التبيان - الشيخ الطوسي - ج 6 - ص 41 - 42

10- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 75 - ص 119

11- رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السيد علي خان المدني الشيرازي - ج 7 - شرح ص 216 - 223