الكونجرس وثلاث خطوات لتغيير سياسة احتجاز المعتقلين

 

جيفري سميث

 

في شهر نوفمبر الماضي منح الأميركيون فرصة السيطرة على الكونجرس لصالح "الديمقراطيين" تعبيراً عن خيبة أملهم إزاء الحرب على العراق. فقد رفض الناخبون تباهي الرئيس بتحقيق نصر مزيف، إلى جانب مقاربته الأحادية للشؤون العالمية، فضلاً عن موقفه المتعالي الذي تعاطى به مع اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحرب، ما قاد إلى ارتكاب خروقات سجن "أبو غريب" وغيرها من الانتهاكات الخطيرة. وقد ألحقت هذه التجاوزات ضرراً بالغاً بمصداقية الولايات المتحدة أمام باقي الدول وقللت من احتمال تعاون تلك الدول في الحرب على الإرهاب. وإدراكاً منهما لهذا التدهور في المكانة الأميركية قامت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومستشارها المتميز في الشؤون القانونية "جون بيلينجر" بإدخال مجموعة من الإصلاحات الضرورية لتغيير اتجاه الإدارة الحالية. ومع ذلك مازالت ينتظرنا الكثير من المهام قبل تصويب المسار نهائياً وتلميع الصورة السلبية التي ارتسمت في الأذهان عن الولايات المتحدة.

وعلى رغم التشريع الذي طرحه عضوا مجلسي الشيوخ "كريستوفر دود" و"باتريك ليهي" في الأسبوع الماضي وينص على ضرورة احترام الحكومة الأميركية للمواثيق الدولية، فإن هناك ثلاثة أمور يتعين على الكونجرس القيام بها: أولاً يتوجب على الكونجرس إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالمحتجزين التي تم تمريرها في الخريف الفائت. فقد أدت التعديلات الأخيرة التي أدخلتها إدارة بوش على مشروع القانون المقترح من قبل عضوي مجلس الشيوخ إلى إفراغه من مضمونه وتقويض أحكامه الأساسية. ففيما يتعلق بمعاملة المعتقلين وتقنيات الاستجواب المتبعة وضعت التعديلات الحكومية نوعين من المعايير؛ أحدها خاص بالجيش والثاني مرتبط بوكالة الاستخبارات المركزية. وإذا كانت معايير الاستنطاق المتبعة من قبل الجيش قد تمت الإشارة إليها في دليل خاص يوضحها، فإن تلك الخاصة بوكالة الاستخبارات ظلت خاضعة لتعليمات الرئيس نفسه، حيث رشحت معلومات في هذا الشأن تقول إن البيت الأبيض يعكف على صياغة قوانين تهم معايير الاستنطاق. لذا حان الوقت كي يعفي الكونجرس البيت الأبيض من هذه المهمة ويتولى صياغتها بدلاً عنه.

فلو قدر لنائب الرئيس ديك تشيني اتباع نهجه الخاص لأجاز تقنيات عنيفة مثل "تغطيس الرأس في الماء"، رغم أنها ممنوعة في دليل الاستنطاق المعتمد لدى أفراد الجيش الأميركي. فقد كانت التصريحات التي أطلقها تشيني من أن عملية "تغطيس الرأس" ليست خطيرة، تصريحات غير مسؤولة وفاقمت المشاعر الملتبسة التي تحيط باعتقال المشتبه بهم، وطريقة معاملتهم في السجون والمعتقلات. وفي الواقع ليس واضحاً لماذا يتم التمييز بين المعايير الموضوعة للجيش، وتلك المخصصة لوكالة الاستخبارات المركزية؟ ولماذا يتعين على عملاء الوكالة أن يخاطروا باتباع تقنيات عنيفة في الاستنطاق قد تعرضهم للمساءلة القانونية حالما يتغير المناخ السياسي في واشنطن؟ وفي هذا الإطار يتعين على الكونجرس تخصيص المزيد من جلسات الحوار لمناقشة تقنيات الاستنطاق الأكثر فاعلية في انتزاع المعلومات الاستخباراتية على ضوء التقرير الأخير لـ"هيئة علوم الاستخبارات" التابعة للحكومة الذي نفى وجود أدلة علمية تثبت أن تقنيات الإكراه أكثر نجاعة في الحصول على المعلومات المنشودة.

ويتمثل الأمر الثاني الذي يتوجب على الكونجرس التقيُّد به في إلغاء الأحكام التي حرمت المعتقلين في جوانتانامو من حقوقهم الأساسية في المثول أمام المحاكم والتمتع بمقاضاة عادية، ثم إسقاط القيود التي تحد من قدرتهم على تحدي أسباب اعتقالهم. فقد أصدرت محكمة استئناف فيدرالية يوم الثلاثاء الماضي حكماً يقضي بعدم جواز تمتع المعتقلين بحق اللجوء إلى القوانين القضائية لمناقشة مسألة احتجازهم. وبالطبع لن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بحيث سترفع القضية أمام المحكمة الأميركية العليا لأنه من حق المعتقلين المثول أمام قاضٍ مدني، بدل محكمة عسكرية، فضلاً عن حقهم الأصيل في الحصول على محاكمة عادلة تنهي فترات اعتقالهم غير المحددة. ورغم أن عضوي مجلس الشيوخ "ليهي" و"آرلن" اقترحا حصر مثول المعتقلين أمام محكمة مدنية تبتُّ في قضاياهم، إلا أن الاستمرار في احتجاز المشتبه بهم من دون أن يكونوا فعلاً إرهابيين بشكل مؤكد، يعتبر أفضل دافع لهم لحمل السلاح بعد خروجهم.

أما الأمر الثالث الذي يتعين على الكونجرس دراسته فهو مسألة "الترحيل" التي يتم بموجبها إرسال المعتقلين إلى بلدان أخرى للمحاكمة والاعتقال، لاسيما في ظل مزاعم ترجح تعرضهم للتعذيب. يُشار إلى أن "الترحيل" كان يقتصر قبل هجمات 11 سبتمبر على حالات خاصة، لكنه أصبح أكثر انتشاراً بعد الهجمات، وأثار جدلاً واسعاً حول مدى انسجامه مع المواثيق الدولية. وفي هذا الإطار يتعين على الكونجرس وضع قوانين خاصة بترحيل المعتقلين تحرص على ضمان حقوق المرحَّلين وعدم تعرضهم للتعذيب.

* مستشار سابق في وكالة الاستخبارات المركزية

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور" -25-2-2007