أسعار النفط القياسية: وقائع وأسباب

 

وليد خدوري

 

يجتمع المجلس الوزاري لـ «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك) في أبو ظبي في الأيام المقبلة. وسيكون على جدول أعماله، بحسب التصريحات التي صدرت عن بعض الوزراء قبل الاجتماع، إمكان زيادة الإنتاج لخفض مستوى الأسعار من المعدلات القياسية التي سجلتها أخيراً، لتتجاوز 90 دولاراً للبرميل وتلامس مئة دولار، مقارنة بأقل من 80 دولاراً أثناء الاجتماع الوزاري الأخير في فيينا أوائل أيلول (سبتمبر) الماضي، حين وافق المجلس على زيادة الإنتاج نصف مليون برميل يومياً ابتداء من الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إضافة إلى الزيادات غير الرسمية التي تقدرها المصادر الثانوية التي ترصد إنتاج دول المنظمة، بأكثر من مليون برميل يومياً عما هو متفق عليه.

لكن طبعاً، لم تؤدِّ هذه الزيادات في الإنتاج إلى لجم الأسعار. ورفعت التهديدات التركية بغزو شمال العراق الأسعار إلى مستويات قياسية. وكما هي العادة في هذه الأحوال، استمرت الدول الصناعية بالشكوى من ان زيادة إنتاج «أوبك» غير كافية لوقف الارتفاع، لكن من دون تحديد الزيادة المرجوة، على رغم الدراسات والإحصاءات المتوافرة لدى وكالة الطاقة الدولية.

وتطرح هذه المعلومات أسئلة مهمة على صعيد صناعة النفط العالمية. فلو بادرت دول «أوبك» إلى زيادة الإنتاج في أيلول، وارتفعت الأسعار نحو 20 دولاراً منذ ذلك الحين، واستمرت تتراوح بين 90 ومئة دولار لمدة ستة أسابيع متتالية، خصوصاً بعد التهديدات التركية لغزو شمال العراق، ماذا كانت «أوبك» لتفعل في اجتماع أبو ظبي لتهدئة المخاوف في الأسواق من احتمال وجود شح في الإمدادات وتمنع بالتالي الأسعار من عبور الحاجز النفسي المحدد بمئة دولار؟ في حال كان هذا السبب هو بالفعل وراء ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية خلال هذه الفترة.

نفترض دائماً من دون الخوض في التقنيات، ان دول «أوبك» تستطيع الاستمرار شهراً بعد شهر في إنتاج بطاقتها القصوى، من دون خفض الإنتاج بعض الأحيان لتنفيذ إجراءات الصيانة اللازمة. وهذا طبعاً أمر غير واقعي، فالمنشآت النفطية، كغيرها من المعامل، تحتاج إلى الصيانة في أوقات محددة، ما يعني توقف الإنتاج موقتاً من بعض الحقول في بعض الفترات. وهذا ما يجري فعلاً في أبو ظبي حالياً. كذلك نفترض ان في إمكان صناعة النفط العالمية ان تستمر يوماً بعد يوم، وسنة بعد سنة، من دون عطب أو مشاكل. وهذا أيضاً أمر غير واقعي، كما رأينا الأسبوع الماضي عند حدوث انفجار وحريق في خط للأنابيب في ولاية مينيسوتا الأميركية، عطل تدفق النفط الخام من كندا، أكبر مصدّر للنفط الخام إلى الولايات المتحدة.

وفي مؤتمر نفطي آسيوي دولي في سنغافورة الأسبوع الماضي، أكد الرئيس الدوري للمجلس الوزاري لـ «أوبك» وزير الطاقة الإماراتي محمد الهاملي، استعداد بلاده وبقية دول الخليج الأعضاء في «أوبك» لزيادة الإنتاج من النفط الخام. وقال: «لا داعي للشكوك حول هذه المسألة، ونحن مستعدون لرفع الإنتاج حين وحيث يطلب منا ذلك كما فعلنا دائماً».

ودعم الهاملي كلامه هذا بمعلومات وإحصاءات من «أوبك»، فقال: «في المدى المتوسط تنفذ دول أوبك 120 مشروعاً في مجال الإنتاج حتى عام 2012 بتكلفة تزيد على 150 بليون دولار لزيادة الطاقة الإنتاجية بنحو خمسة ملايين برميل يوميا، إضافة إلى توسيع طاقات التكرير، ومن بينها مشاريع للإمارات لإنشاء مصافٍ لتكرير النفط في كوريا الجنوبية وباكستان وتوسيعها».

وقال وزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي في المؤتمر ذاته «ان الإمدادات العالمية للنفط كافية»، وأكد عدم وجود عوامل في السوق تبرر ارتفاع الأسعار، وان الاجتماع الوزاري للمنظمة في أبو ظبي الأســــبوع المقـبل سيدرس الموضوع من كل جوانبه قبل اتخاذ أي قرار.

نعتقد بأن من الضروري، بعد سنوات من الاتهامات الجزاف ضد دول «أوبك» التي برهنت من خلال الواقع والتنفيذ تحمل مسؤولياتها كاملة لتأمين الإمدادات اللازمة للأسواق العالمية، خصوصاً عند الأزمات، وان الوقت حان لطرح أسئلة عن دور لعوامل أخرى، وما يمكن عمله لئلا تؤدي هذه العوامل إلى الاستمرار في بلبلة الأسواق. ان من أهم هذه العوامل الأسواق المالية التي يكبر نفوذها في الاقتصاد العالمي عامة وفي سوق النفط خاصة اكثر من أي قطاع آخر هذه الأيام. وهنا يجب تحقيق شفافية أوسع وتطبيق أنظمة أدق في أسواق نيويورك ولندن المهمة. وهناك أيضاً مسألة التعامل مع القوانين والأنظمة المتشددة التي أعاقت تشييد ما يكفي من مصافي التكرير في الدول الغربية، وكأن عصر النفط قد انتهى منذ الآن، ولا حاجة إلى تشييد مصافٍ جديدة في الدول الصناعية الغربية لتلبي الطلب المتزايد على المحروقات هناك، مع الأخذ في الاعتبار طبعاً الشروط البيئية الملائمة.

هذه أسئلة يطرحها المسؤولون في دول «أوبك» منذ فترة طويلة، إلا ان الطرح حتى الآن كان دفاعياً، خصوصاً في الفترة الأخيرة مع ازدياد المؤيدين لفكرة «ذروة النفط» التي يروجها بعضهم مع كل دورة من دورات ارتفاع الأسعار.

هذه قضايا اقتصادية، لكن ذات طابع سياسي طبعاً، يجب طرحها على جداول الأعمال في المؤتمرات الاقتصادية الرسمية بين المنتجين والمستهلكين، لكن بعد التحضير اللازم لها، لأنها ستعني مواجهة فكرية كبرى من قبل الدول المنتجة مع الدول الغربية. فالجميع يدافع عن مصالحه، وهي مصالح كبيرة ومهمة وإستراتيجية.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:daralhayat