سمعة التنين!

 

 

ثالث أكبر دولة مصدرة في العالم بإجمالي 113.3 مليار دولار خلال شهر واحد.. لكن منتجاتها تواجه الانتقادات

تصاعد الجدل بشأن سلامة المنتجات الصينية في وقت توحد العالم بكامله، وعلى وجه الخصوص الدول الغربية، ضد «البضائع المصنوعة في الصين»، علماً بأن الصين، ثالث أكبر دولة مصدرة في العالم، تنتج أنواعا متعددة من بضائع التصدير ابتداء من أعواد تنظيف الأسنان والحفاظات حتى السيارات والناقلات الضخمة.

ظلت الصين خلال الشهور السابقة تواجه سيلا من التحذيرات فضلا عن اجراءات مثل استعادة بضائع وإزالتها من رفوف المحال، الأمر الذي أحدث هزة في ثقة الأسواق الدولية في المنتجات المصنوعة بالصين من معاجين الأسنان الى الدمى والبطاطين والإطارات والمواد الغذائية والسيارات.

يضاف الى ذلك، ان ما يزيد على 100 شخص توفوا خلال السنوات الأخيرة بسبب مضاعفات ناجمة استخدام مكونات عقاقير مقلدة انتجت في مصنع صيني. وأدى تزايد نسبة العيوب في المنتجات الصينية الى تعريض سمعة الصين التجارية في مجال التجارة العالمية للخطر وكما هو معلوم، فإن الصادرات هي الماكينة الرئيسية وراء أداء الاقتصاد الصيني غير المسبوق خلال العقدين السابقين، إذ اصبحت الصين خلال بضع سنوات من أبرز الدول المصدرة لمختلف أنواع البضائع على نحو غير مسبوق في تاريخ البشرية. فقد سجل الميزان التجاري الصيني فائضا وصل الى 250 مليار دولار العام الماضي، وتشير التوقعات الى وصول هذا الفائض الى 400 مليار دولار هذا العام. وتنتج الصين حاليا نصف أجهزة المايكرويف وثلثي ماكينات تصوير المستندات والأحذية في العالم. وتأمل السلطات الصينية في ان تتمكن خلال فترة 10 سنوات من انتاج نسبة كبيرة من الانتاج العالمي لأجهزة الكومبيوتر والسيارات ومعدات الاتصالات. وطبقا لما جاء في تقرير الادارة العامة للجمارك ان صادرات الصين خلال شهر اغسطس (آب) وصلت الى 113.3 مليار دولار، فيما لم تتعد الواردات 86 مليار دولار.

اوروبا هي الشريك التجاري الاكبر للصين. وكانت صادرات الصين الى اوروبا قد ارتفعت بنسبة 31.3 في المائة لتصل الى 23 مليار دولار، وازدادت الواردات ايضا بنسبة 21.8 في المائة لتصل الى 10.2 مليار دولار.

على الرغم من ان البضائع الصينية فشلت في اجتياز اختبارات الجودة في وقت سابق، فإن هذه المسألة برزت بصورة لافتة الشهر الماضي لدى صدور قرار بإعادة دمى اطفال مصنوعة في الصين لشركة ماتيل الاميركية بسبب احتوائها على مواد مغناطيسية صغيرة من المحتمل ان يبتلعها الأطفال وتؤدي الى ثقب الإمعاء.

طلبت شركة ماتيل عقب سحب الدمى الصينية الصنع بإجراء تحقيق شامل على مصانعها في الصين، وأدى ذلك بدوره الى اصدار مسؤولين صينيين قرارا بوقف شركة «لي دير انداستريال» تصدير الدمى بصورة مؤقتة. وبعد ايام فقط عثر على جثة تشيونغ شو ـ هانغ، وهو واحد من مالكي الشركة، بعد ان انتحر داخل مستودع الشركة.

في نفس الوقت تقريبا، اتخذت الشركة الرئيسية التي تعمل في مجال تزويد الفنادق بأدوات الحمام ومعجون الأسنان بإعادة معجون أسنان صيني الصنع بعبوة صغيرة يستخدم بصورة عامة في الفنادق بالولايات المتحدة وكندا والمكسيك وبعض الدول الاوروبية والشرق الاوسط. وقالت الشركة ان معجون تنظيف الأسنان المذكور يحتوي على مادة ديثيلين السامة، التي استخدمتها شركات صينية تعمل في مجال انتاج معجون الأسنان وأدوية علاج السعال، كبديل قليل التكلفة للغليسرين وتعتبر مادة ديثيلين مذيبا ساما من المحتمل ان تكون آثار جانبية قاتلة على الجهاز العصبي المركزي والكلى والكبد.

وكانت تقارير اخبارية قد اشارت الى ان حوالي 60 في المائة من البضائع التي اعيدت خلال العام الجاري صينية الصنع. ورفعت عدة دول اخرى، مثل كندا واستراليا، شكاوى هذا العام بسبب عيوب في منتجات صينية، إذ لم تجتاز سيارة Brilliance BS6، من إنتاج شركة جينبي الصينية لصناعة السيارات، اختبار السلامة الذي أجري في ألمانيا.

تأثرت قطاعات اخرى ايضا في الصين، فقد اعيدت مراتب اسفنجية كان قد جرى رشها بمبيد للحشرات وبيعت في محال هولندية للأثاث، كما اكتشف ايضا في استراليا ان بطاطين صينية الصنع تحتوي على مستويات عالية من مادة فورمالديهايد. وفي نيوزيلندا، قال علماء ان بعض الملابس المستوردة من الصين تحتوي على معدلات خطيرة من نفس المادة. المخاوف من مستويات السلامة في البضائع الصينية لم تحن قاصرة فقط على اوروبا وأميركا الشمالية. فقد حظر في اليابان استيراد منتجات الدواجن والسبانخ المجمد والشاي وهي مستوردة من الصين بسبب وجود كميات زائدة من المضادات الحيوية او بقايا مبيدات حشرية.

واوقفت هونغ كونغ ايضا استيراد اسماك التوربوت اثر عثور مفتشين على آثار لمادة كيماوية من المحتمل ان تسبب السرطان، وهي تستخدم اصلا لعلاج التهاب الفطريات. وحظرت تايوان ايضا استيراد سرطان البحر من الصين إثر العثور على آثار من مادة الكارسينوجين. وحظرت السلطات الفيدرالية في روسيا في يونيو (حزيران) الماضي استيراد الأسماك من الصين بسبب تلوث المضادات الحيوية. كما كانت اغذية الحيوانات الاليفة المصنوعة في الصين مسؤولة عن مقتل 4 الاف كلب في الأقل بالولايات المتحدة. ويعتقد ان شركتين صينيتين اضافتا بطريقة متعمدة مادة الملامين، وهي مادة كيماوية صناعية، مع دقيق القمح لزيادة نسبة البروتين في المنتج. وفي اعقاب هذه المشكلة، بدأت الهيئات التنظيمية حول العالم عمليات التفتيش للمنتجات الزراعية الصينية بل بدأت بمنع استيراد بعض المواد.

وفي الوقت نفسه ذكرت واحدة من اكبر شركات انتاج المواد الغذائية والاعلاف في كوريا وهي شركة «سي جا فوودز» انها قررت استرداد 42 طنا من غلوتين القمح من الصين بالرغم من ان الاختبارات التي اجريت على المنتج لمعرفة ما اذا كان يحتوي على مادة ميلامين كانت سلبية.

ويتهم المشرفون ان بعض اللوائح الضريبية ونظام قانوني ضعيف سمح لبعض الشركات الصينية بمزجة السوائل الصناعية في المشروبات الكحولية، وبيع منتجات اغذية مزورة للاطفال وانشاء مصانع للمنتجات المزورة التي تطرح في الاسواق كل شيء من قطع غيار السيارات المزورة الى السجائر المقلدة.

وبالرغم من ذلك فإن الاقتصاديين الغربيين كانوا، حتى فترة متأخرة، يؤكدون لأنفسهم ان جمهورية الصين تساعد على الحد من التضخم. ولعبت الصين دورا مهما في مساعدة الغرب على الخروج من كثير من الازمات خاصة ازمة انهيار شركات الانترنت.

فقد انتشرت المنتجات الصينية الرخيصة العالم كله، وتحولت البلاد، فعليا، الي «مصدر للتقلص» وقد امتدت فوائد رخص الاجور الصينية الى المشترين الغربيين، الذين شاهدوا اسعار العديد من المنتجات من الملابس واللعب وغيرها من المنتجات الاستهلاكية تنخفض في محلاتهم. وقد ادت النوعية الرديئة للمنتجات المصنوعة في الصين ردت فعل استهلاكية وسياسية ضد المنتجات الصينية. وذكرت المفوضية الاوروبية انها ربما تمنع المنتجات المصنوعة في الصين التي تفتقر الى معايير السلامة الا اذا اظهرت الشركات الصينية انها تتعامل منتج خطر.

وقالت هلين كيرن المتحدثة باسم قضايا المستهلك في المفوضية الاوروبية «اذا لم نشهد تحسنا كبيرا للغاية بنهاية شهر اكتوبر (تشرين الأول) سنبحث مرة اخر في امكانية المنع». وقد تحركت الصين، بعد ظهور العديد من التقارير في وسائل الاعلام الاجنبية حول مشاكل المنتجات الصينية، وعبرت عن قلقها من مشاكل سلامة المنتجات، وهبت بسرعة كبيرة للدفاع عن سمعة «صنع في الصين». فقد تم اعدام رئيس سلامة قطاع المواد الغذائية والعقاقير الطبية لتلقيه رشاوى. كما تم وضع 429 مصدرا في قائمة سوداء. وتعهدت الصين بإنفاق مليار دولار لتحسين سلامة المواد الغذائية والعقاقير الطبية بحلول 2010.

وفي الوقت نفسه، اعلنت الادارة العامة للاشراف والتفتيش على النوعية مجموعة جديدة من اللوائح لدعم نظام استرداد المنتجات. وتقول اللوائح الجديدة انه اذا لم يتم استرداد المنتجات ذات المشاكل طوعيا، فإن الحكومة ستنفذ ذلك وتغرم الشركات المنتجة ما يصل الى ثلاث مرات قيمة المنتج.

وفي الوقت الذي اشارت فيه الصين الى انها تنوي فرض اجراءات متشددة لحماية مستوى منتجاتها، فقد شنت حملات على الولايات المتحدة واوروبا قائلة ان الادعاءات بوجود منتجات صينية رديئة مبالغ فيها وتستخدم فقط كحجة لفرض سياسات حمائية.

ونقلت بلومبارغ نيوز عن مساعد وزير التجارة الصيني وانغ تشاو قوله ان التصرفات التجارية الاميركية الاخيرة كان «اشارة واضحة على زيادة الحمائية». كما اتهم المسؤولون الصينيون وسائل الاعلام الاميركية بالاثارة او «اللعب على» مخاوف المنتجات الصينية في المنظمات الاخبارية العالمية وفي خطوة انتقامية بدأت السلطات الصينية في حملة دعاية لما وصفوه بعيوب المنتجات المستوردة ومن الولايات المتحدة. فقد ذكروا انهم اكتشفوا وجود مبيدات حشرية واعشاب سامة في منتجات الصويا المستوردة من الولايات المتحدة وطالبوا من السلطات الاميركية اجراء تحقيقات.

وكتب دافيد زويغ الاخصائي الصيني الذي يتولى التدريس في جامعة هونغ كونغ للعلوم التكنولوجيا «ان القلاقل تحت السطح هي مشكلة اخطر تقلق المسؤولين الصينيين: كيف يطمئنون العالم ان هذه ليست دولة من المزورين، وان «صنع في الصين» تعني جودة الصنع؟ ليست هذه ازمة دولية حتى الآن، ولكن اذا لم يحدث شيئا بخصوصها، فستتحول الى ذلك بسرعة».

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الشرق الأوسط اللندنية-26-9-2007