الكفاءات العلمية... القوة الحقيقية

 

 

د. شملان يوسف العيسى

 

 

خلال تواجدي في الولايات المتحدة للعلاج في أحد المستشفيات الأميركية الكبيرة، لمستُ أن نسبة كبيرة من الأطباء والفنيين والممرضين هم من المهاجرين الجدد من آسيا وأوروبا الشرقية وخاصة من دول مثل الصين والهند والدول العربية.

هذه الكفاءات العلمية جاءت إلى الولايات المتحدة بحثاً عن الاستقرار والحرية والديمقراطية وفرص العمل الاقتصادية.

هذه الكفاءات العلمية هي القوة والثروة الحقيقية للولايات المتحدة، والسبب الرئيسي لتقدمها في المجال الاقتصادي والعلمي وغيره، وقد ساعد تفتح وتقبل المجتمع الأميركي للقادمين الجدد على سرعة استقرارهم وانصهارهم في المجتمع.

لماذا بقيت الولايات المتحدة في الصدارة اقتصادياً رغم منافسة الاتحاد الأوروبي والصين لها؟ بالتأكيد يعود السبب إلى سياسة الانفتاح على المهاجرين الجدد تاريخياً.. حتى أصبحت أميركا بلد المهاجرين والهاربين من بلدانهم القديمة.

لكن الهجرات الجديدة إلى الولايات المتحدة مميزة، لأن معظم المهاجرين من العلماء هم من آسيا وتحديداً الصين والهند والدول العربية، وأوروبا الشرقية، فهذه العقول الجديدة معظمها متخصص في البرمجة ونظم المعلومات الجديدة.

الولايات المتحدة شعرت في السنوات الأخيرة بأن هنالك منافسة قوية لها في مجال البرمجة والصناعات الإلكترونية من أوروبا والدول الآسيوية، لذلك اتخذت القيادة السياسية في عهد الرئيس كلينتون سياسة فتح الباب للكفاءات العلمية الآسيوية، حتى تبقى الولايات المتحدة في الصدارة اقتصادياً، وذلك لمعرفة الولايات المتحدة بأن تفوقها يعتمد على العقول والكفاءات المتوفرة لها.

قوة أميركا تأتي من مقدرة شعبها على التكيف والتغير وقبول الأفكار والمفاهيم وكل شيء جديد ومبتكر، لذلك لا غرابة أن نجد تعدد المطاعم والأغذية وشركات التكنولوجيا والجامعات والمستشفيات في الولايات المتحدة.

لاشك أن الولايات المتحدة تواجه بعض الصعوبات والمشاكل بين فترة وأخرى، وآخر المشاكل مع المهاجرين كانت من أميركا اللاتينية، وتحديداً من العمالة الهامشية الكبيرة التي قدمت إلى الولايات المتحدة عن طريق التهريب، ويرفض أفرادها دعوة الحكومة الأميركية لتسجيلهم ومنحهم امتيازات، منها التسجيل للجنسية الأميركية.. هذه العمالة ترفض الجنسية لأنه مما يترتب عليها دفع الضرائب أما بعض الأقليات العربية والإسلامية فتجد صعوبة في التأقلم والانصهار في المجتمع الأميركي الجديد.. لكن الجميع في النهاية يتم استقطابهم في الحياة الجديدة.

ما هي الدروس المستفادة التي يمكن الاستفادة منها في دول الخليج العربية؟ وخصوصاً أننا نعاني من نقص كبير في العمالة الوطنية، وتوجد لدينا أغلبية من العمالة الأجنبية تفوق عدد السكان في بعض دول الخليج العربية.

فرغم مرور ما يقارب القرن على بدء التعليم في بعض دول الخليج، إلا أننا حتى الآن نعاني من نقص في الكفاءات العلمية المطلوبة للتنمية والتطور الاقتصادي، ويعود السبب إلى عقم السياسات التعليمية وسياسات الهجرة إلى بلدان الخليج، حيث ارتكزت هذه السياسة في التجنيس على الولاء العشائري بدلاً من البحث عن الكفاءات العربية والأجنبية ذات الشهادات العلمية العليا، ومن قد يثري الاقتصاد والاستقرار في البلد.

هذه السياسات الخاطئة في التجنيس خلقت لدينا ازدياداً في نسبة الأمية، وطلباً متزايداً على العمالة الأجنبية، مما شكّل عبئاً كبيراً على الدولة، بدلاً من أن تكون مصدر قوة.

هنالك استثناء وحيد عن هذه القاعدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديداً في دبي، حيث أدركت قيادتها بأن التقدم الاقتصادي والعلمي يتطلب استقطاب العقول العربية والآسيوية للعمل في دولة الإمارات ومنحهم الإقامة الدائمة في حالة استثمارهم في البلد.

نأمل أن تعيد دول الخليج النظر في سياسات التجنيس وتضع الاعتبارات الاقتصادية والعلمية نصب أعينها، إذا كنا حقاً نريد منافسة الآخرين.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية-26-8-2007