الإيثانول: إنتاج مكلف وثمن إجتماعي باهظ

 

ري نوستاين

 

 

قال الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان ذات يوم إن أكثر الكلمات ترويعاً وإخافة في اللغة الإنجليزية هي: "أنا من الحكومة، وأنا هنا لأقدم المساعدة".

والواقع أن تلك العبارة التي أوردها ريغان في سياق آخر، تقفز إلى الذهن فوراً عندما ننظر إلى المشاكل التي تسببت فيها الجهود الحكومية الرامية إلى زيادة إنتاج الإيثانول المستخلص من الذرة.

يقدَّم وقود الإيثانول، وغيره من أنواع الوقود البيولوجي، باعتباره واحداً من أهم الحلول المقترحة لحل مشكلات اقتصادنا المتعطش للنفط، كما هو الحال بالنسبة لباقي الاقتصادات الصناعية الكبرى.

لكن رغم ذلك، من الواضح أن طفرة الإيثانول، والتي ساهمت واشنطن في القفز بها، تؤدي في الوقت نفسه إلى رفع كل من أسعار الوقود والمواد الغذائية.

إذ تتوقع وزارة الزراعة الأميركية، في ظل تخصيص أزيد من 20 في المئة من محاصيل الذرة حالياً لإنتاج الإيثانول، محصولاً قياسياً للذرة هذا العام، لكن في الوقت نفسه بأسعار قياسية أيضاً.

فخارج الولايات المتحدة، تبدو العواقب الوخيمة، وان كانت غير المقصودة، للسياسات غير الرشيدة التي تشجع الإيثانول وغيره من أنواع الوقود البيولوجي، واضحة للعيان. والفقراء بطبيعة الحال هم الأكثر تضرراً من جراء تلك السياسات. ففي المكسيك حيث تعد الذرة مادة غذائية أساسية، على سبيل المثال، تسبب ارتفاع أسعار الـ"تورتيا" (نوع من الخبز) في احتجاجات عارمة، بعد أن تضاعفت أسعارها بأزيد من ثلاث مرات مقارنة مع العام الماضي؛ حيث خرج الناس إلى الشوارع في العاصمة "مكسيكو سيتي" للتعبير عن غضبهم، وهو ما أرغم الرئيس "فيليبي كالديرون"، المؤمن إلى أقصى حد بمبادئ حرية السوق، إلى تحديد الأسعار بما قيمته 78 سنتاً للكيلوجرام الواحد.

ومن جانبهم، صعد الزعماء الدينيون إلى الواجهة؛ حيث حذر الأساقفة الكاثوليك في البرازيل خلال شهر مارس الماضي من أن زيادة سريعة في إنتاج الإيثانول، عبر استخلاصه من قصب السكر، يمكن أن تؤدي إلى تقلص كبير للمساحات الغابوية، وإلى حركة نزوح كبرى للعمال وأقاربهم، وظروف عمل صعبة وقاسية بالنسبة لهم. ويتوقع المحللون أن تزيد البرازيل، والتي تعد أكبر مصدر للإيثانول في العالم، إنتاج هذه المادة بما قد يصل إلى 40 في المئة خلال السنوات الأربع المقبلة. وفي هذا السياق، يقول الكاردينال جيرالدو ماخيلا آنييلو: "إننا سنحول البلد إلى مزرعة كبرى لقصب السكر".

أما في كولومبيا، فتقول منظمات الإغاثة المسيحية إن المجموعات المسلحة تعمد إلى طرد الفلاحين من أراضيهم لإفساح المجال أمام زراعة نوع من الأشجار من أجل زيتها، لكونه يستخدم هو كذلك كوقود بيولوجي أيضاً. ونتيجة لذلك، فقد تضاعفت المساحة المخصصة لهذه الأشجار أكثر من مرتين خلال السنوات الأربع المنصرمة.

وعلى هذه الخلفية، فإن الزعماء الدينيين الذين يطالبون بالتحرك حيال ارتفاع حرارة الأرض اليوم، ربما ينتقلون قريبا إلى التحرك حيال بعض الحلول السريعة والمؤقتة التي تم اللجوء إليها، تحت ذريعة البحث عن مصادر للطاقة "المتجددة" من قبيل الإيثانول. فقد شاركت مؤخراً في ندوة دينية حول ارتفاع حرارة كوكب الأرض.

وخلال هذا المؤتمر، شجب العديد من المشاركين اعتماد الولايات المتحدة الكبير على النفط ودعوا إلى التراجع عن ذلك. وهنا يطرح السؤال: الآن وقد تم شجب شره الولايات المتحدة إلى النفط في العديد من الندوات، فهل يمكن لشرهها إلى الذرة أن يكون أقل سوءاً؟

الواقع أنه على الزعماء الدينيين أن يفكروا بخصوص التأثيرات الاقتصادية للإيثانول، والتي تتعدى مجرد ارتفاع في سعر الـ"تورتيا"؛ ذلك أن إنتاج الإيثانول مكلف وباهظ، وهو يساهم في ارتفاع أسعار الغازولين. وعلاوة على ذلك، فإن الإيثانول يتطلب الكثير من الأسمدة، والمياه العذبة، والأراضي الزراعية. ثم إنه يحتاج إلى شاحنات كثيرة من أجل نقله.

ربما استطاع الأميركيون شراء الذرة هذا العام، غير أن ارتفاع الأسعار يبدو أكثر وضوحاً بالنسبة لمجموعة واسعة من المواد الغذائية.

أما السبب، فيكمن في الاستعمال الواسع لمشتقات الذرة في الوجبات الأميركية، وصغر المساعدات الزراعية المخصصة لمحاصيل أخرى بسبب الحاجة المتزايدة إلى حقول الذرة، والكلفة المرتفعة لعلف الماشية.

وإضافة إلى ذلك، فقد أفاد "مكتب إحصائيات العمل" أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت في الربع الأول من هذا العام بمعدل 7.1 في المئة. ولننظر إلى الأمر كضريبة تفرض على المستهلك.

يجدر بالزعماء الدينيين الحاليين أن ينظروا إلى النموذج الذي يقدمه أسلافهم. فجون ويسلي، القس الأنجليكاني الذي أسس في القرن الثامن عشر "الميثودية"، كان رجلاً عملياً نشر مقالات ونصائح من أجل مساعدة الفقراء على خفض الكلفة وقد تقرب ويسلي بصفة خاصة من الفقراء والمعوزين من أمثال أولئك الذين تضرروا تضرراً بالغا جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

والحقيقة أنه يصعب على المرء حقاً أن يتخيل تأييد ويسلي للتداعيات غير المقصودة للحلول السريعة والمؤقتة للإيثانول على البيئة والفقراء والمعوزين عبر العالم، لاسيما حين تكون هذه الحلول السريعة والمؤقتة مدمِّرة وغير عملية.

*محرر بمعهد آكتون لدراسة الدين والحرية في متشيغان

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"-3-8-2007