فرصة ذهبية لسياسة نفطية صحيحة في العراق

(1 - 2)

 

 

حميد جعفر

 

 

يتعرض مشروع قانون النفط والغاز في العراق لحملة سياسية رافقتها تظاهرات في معظم المدن، وذلك بهدف إلغائه أو اجراء تعديلات أساسية تمنع المستثمرين الأجانب من السيطرة على الاحتياطات الضخمة.

وقد تعرض رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى انتقادات عنيفة بعد إقرار مشروع القانون في مجلس الوزراء، الأمر الذي يهدد حكومة الوحدة الوطنية بالانفراط.

يعتبر التطوير الأمثل لاحتياطات العراق الهائلة من النفط والغاز من أهم المفاتيح الاقتصادية لتحقيق مستقبل واعد للبلاد. ذلك أنه يأتي في أعقاب عقود من سوء الإدارة وقلة الاستثمار في المشاريع النفطية المنتجة، زائداً الاستغلال السياسي الرخيص. من هنا القول إن أمام العراق اليوم فرصة ذهبية نادرة من أجل رسم سياسة نفطية صحيحة مبنية على اطر تنظيمية حديثة.

ويرى الخبراء أن هذه الفرصة قد تضيع في حال وضع القانون على عجل أو إذا جرى تسييسه من قبل المستفيدين، بحيث يحرم العراق من توظيف خيراته وإمكاناته. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الخلل إلى خلق ظروف أمنية سيئة تقود البلاد إلى نزاعات داخلية وتمنع العراق من بناء نظام ديموقراطي صحيح يخدم المجتمع وينمي طاقاته.

لهذه الأسباب وسواها يجب اقتناص الفرصة لاتخاذ القرار الصائب وتطوير الاحتياطات بطريقة مثالية.

ولكن ماذا يعني «التطوير الأمثل» من الناحية العملية؟

إنه وببساطة، أن يكون هدف العراق الأساسي والواضح هو زيادة الانتاج إلى أقصى حد في أقرب وقت ممكن، من أجل زيادة عائدات الدولة. ولا تتوافر أي طريقة أخرى غير ذلك لتحقيق أقصى عائد للدولة ولصالح الشعب العراقي. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بعد أن تقوم شركة النفط الوطنية العراقية بالتركيز على الحقول المنتجة حالياً وإعادة تأهيلها وزيادة انتاجها ليصل إلى أربعة ملايين برميل يومياً (وهذه مهمة كبرى في حد ذاتها)، إضافة الى القيام بدعوة شركات القطاع الخاص (العراقية والأجنبية) لاستثمار مئات البلايين من الدولارات اللازمة لتطوير الحقول الباقية والقيام بعمليات التنقيب بموجب عقود المخاطرة والربح (وليس بموجب عقود الخدمة) والتي بدورها تحقق أعلى قدرة استثمارية وتضمن أعلى عائد للدولة.

إن المبدأ الأساس لوضع إطار تشريعي ناجح يكمن في الفصل الواضح الذي لا لبس فيه بين سلطات وأدوار الجهة التنظيمية (وهي الحكومة ممثلة بالوزارة المعنية) والجهة التي تخضع للتنظيم (وهذا يشمل جميع الشركات الاستثمارية بما فيها شركة النفط الوطنية العراقية وشركات القطاع الخاص للنفط والغاز المتعاقد معها للتنقيب والتطوير). ولهذا فإن مسودة قانون النفط الحالية تمثل بالتأكيد بداية طيبة على رغم أنها تتضمن بعض الالتباسات الكبيرة الواجب تسويته. إضافة إلى ذلك، فإن ملاحق مسودة القانون، كما اقترحها البعض، تشير إلى منح 90 في المئة من احتياطات العراق المؤكدة الى شركة نفط وطنية عراقية لم تؤسس بعد ولا تخضع للمساءلة. ومن الناحية العملية، وبعد الأخذ في الاعتبار الوقائع الحالية ونقص الموارد، فإن ذلك سيكون بمثابة ضربة قاتلة لأي أمل في التقدم والتطوير السريعين لهذا القطاع، بل إنه سيكون مناقضاً لما ورد في الدستور، وبالتحديد المادة 110 المتعلقة بالسياسة النفطية وتشريعاتها التي تتطلب «الاعتماد على أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار». ومن هذا المنطلق، هناك ثمانية مبادئ أساسية يمكن أن تفعل أو تقوض نجاح سياسة العراق النفطية والإطار التنظيمي لها:

1- الهدف المركزي

هناك قدر كبير من الجدل والضجيج السياسي الذي أثير في الاسابيع والأشهر الأخيرة على قانون النفط والغاز المقترح وبقدر تعلق الأمر بالسياسة النفطية وإطارها التنظيمي، فإن للعراق هدفاً واضحاً ومحدداً، هو زيادة العائد الاقتصادي للشعب العراقي إلى أقصى حد ممكن.

وتحقيق هذا الهدف يتم بالاساس بواسطة ثلاثة عناصر هي: زيادة الانتاج الى أقصى حد، في اسرع وقت ممكن، وفي ظل أفضل الشروط التجارية للدولة. هذا فقط لا غير، من دون تزويق أو تعقيدات مربكة.

وبصراحة، فإن كل الأهداف الأخرى التي يتم الادعاء بها والتصريحات المنمقة حول «تحقيق الوحدة الوطنية» و «حماية المصلحة الوطنية ضد الملكية الأجنبية»، وما إلى ذلك، ما هي إلا محاولات تضليلية من مخلفات الماضي وألاعيب فجة لتحويل أنظار العراقيين الذين ملوا من سماعها طوال العقدين الماضيين.

إن المادة 109 من الدستور العراقي تنص بوضوح على أن «ثروة النفط والغاز هي ملك لكل الشعب العراقي في جميع المناطق والمحافظات»، ولا يوجد خلاف على من يملك نفط العراق.

ويمكن التعامل مع مسألة تقاسم الايرادات في تشريع مستقل، وهو في الحقيقة حول كيفية تقاسم «الكعكة» (كعكة الايرادات)، الذي سيتم على أساس نسب توزيع السكان وكما نص عليه الدستور العراقي.

ولذلك عندما يتعلق الأمر بسياسة نفطية فعالة، فإن ما يهمنا هو كيفية زيادة حجم هذه الكعكة ولجميع العراقيين، وأفضل السبل هو ايجاد إطار قانوني يشجع التنمية القصوى للموارد النفطية للبلد. ولا شيء سوى ذاك.

2- دور الدولة

يعتبر دور الدولة المتمثل بحكومة العراق أمراً مطلوباً ومهماً باعتبارها الأداة القوية والفعالة لصوغ سياسة البلاد النفطية وتنظيم الاشراف على القطاع النفطي بكامله وجميع الشركات العاملة داخله.

وكذلك وضع السياسات والمعايير اللازمة والتركيز على زيادة الحد الأقصى للريع الاقتصادي للدولة من هذه العمليات. وإذا قررت الحكومة المشاركة في تشغيل وإدارة القطاع النفطي تجارياً بنفسها، فإنها بذلك تقوض دورها كمنظم فعال له.

إذ لا يمكنها القيام بالمهمتين معاً. وأثبتت التجربة على نطاق عالمي أن إدارة القطاع العام لمنشأة تجارية هي عملية غير ناجعة وتفسح المجال للاستغلال السياسي. وخير دليل على ذلك تاريخ العراق الذي يزخر بأمثلة توضح ذلك.

وعلى رغم وجود اقلية بارزة تواقة حتماً لعودة ملكية الدولة، إلا أن نموذج الاقتصاد الاشتراكي والتخطيط المركزي والإدارة المركزية للدولة قد ولّى وإلى الأبد.

3- الحاجة إلى القطاع الخاص

إن انتاج العراق الحالي من النفط يصل إلى حوالي مليوني برميل في اليوم، وهو المستوى ذاته الذي كان عليه في عام 1975، عام تأميم النفط، لا يمثل سوى جزء بسيط من المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه الانتاج في العراق في ضوء الاحتياطات والقدرات الكامنة من النفط والغاز.

ويكفينا أن نتأمل انتاج روسيا التي تمتلك احتياطات نفطية اقل بكثير مما لدى العراق بينما يفوق انتاجها ستة أضعاف انتاج العراق!

وهنا أريد الكشف عن حقيقة هي أن 60 في المئة من احتياطات العراق الحالية المؤكدة تم في الواقع اكتشافها من قبل شركات القطاع الخاص، في حين يعود تحديد وجود 20 في المئة أخرى من الاحتياطات الى شركات تنتمي أصلاً الى القطاع الخاص.

وينبغي أن لا يكون هناك أدنى شك بأن أعمال التنقيب عن النفط وتطوير حقول النفط والغاز غير المستغلة يجب أن يقوم بها القطاع الخاص من أجل مصلحة البلاد. وهنا لا بد من القول إن كل هذا العمل يجب أن ينظم بدقة من جانب الحكومة لضمان التقيد بالالتزامات التعاقدية.

ولقد اثبتت التجربة على نطاق عالمي أن الحكومات تفتقر إلى الكفاءة المطلوبة في إدارة المؤسسات التجارية، والعراق بالتأكيد لا يمثل استثناء لذلك.

وعلاوة على ذلك، ففي مثل حال العراق تكون الحاجة للاستثمار من قبل القطاع الخاص أكثر الحاحاً من أجل معالجة النقص الحاد في الموارد المالية والتقنية والكوادر البشرية المؤهلة الذي تعاني منه الدولة العراقية.

والسبيل الوحيد لإشراك القطاع الخاص بما في ذلك شركات النفط العراقية، هو عن طريق منح عقود المخاطرة الملائمة (عقود الربح والخسارة) وبأي شكل كان، كي تتوحد مصالح شركات القطاع الخاص مع مصالح الدولة بما يجعل هذه الشركات تضع كامل مواردها المالية والتقنية والإدارية في خدمة هذا المجهود.

ومرة أخرى، لا يهم شكل العقود المعتمدة للاستثمار، طالما أنها تستند إلى مبدأ المخاطرة وتوفر الحوافز المناسبة للمستثمرين بما يؤمن الاستفادة القصوى من تحسين الريع الاقتصادي للعراق.

وهنا لا بد من القول إن السرعة والكفاءة الفائقة هما أمران متلازمان وفي غاية الأهمية، كما هي الحال بالنسبة إلى مسألة تعظيم المنافسة.

وإذا ما تركنا دول الخليج الصغيرة مثل قطر أو الإمارات اللتين حققتا تطوراً سريعاً من فوائد استثمارات القطاع الخاص، نجد اليوم حتى الدول العربية الكبرى (ذات التوجه الاشتراكي) مثل مصر وسورية وليبيا قد بدأت باستقبال عدد كبير من شركات القطاع الخاص للاستثمار وضمن إطار اتفاقات تقاسم الانتاج. فمصر، على سبيل المثال، لديها 64 شركة تعمل في قطاع النفط والغاز، بدءاً من شركات دولية كبيرة إلى أصغر شركة اقليمية أو مستقلة.

ومن خلال نشاطات هذه الشركات والمنافسة الناجمة، حققت مصر تقدماً سريعاً في زيادة احتياطيها وانتاجها، وبالتالي زيادة عائدات الدولة بطريقة لا يمكن أن يحققها لها احتكار الدولة.

وبالفعل فإن اتفاقات تقاسم الانتاج لا تعتبر من أدوات الهيمنة الخارجية، كما يزعم البعض كذباً، مما أدى إلى تشويه سمعتها بشكل غير مسؤول، إذ أن هذا النموذج من العقود قد أوجدته اندونيسيا، وهي عضو بارز في منظمة «أوبك».

بل إن مبدأ تقاسم الانتاج هو وسيلة لضمان الحد الأدنى المطلوب لمكافأة الشركة المستثمرة وزيادة عوائد الدولة.

وأي وصف عكس ذلك هو محض خيال. اما عقود عدم المخاطرة التي اقترحها البعض كوسيلة أخرى والتي تتبعها ايران بشكل كبير فهي اتفاقات (اعادة شراء العقود)، وهي محدودة النجاح وتتبعها ايران بسبب القيود الدستورية الخاصة بذلك البلد ولكن في حقيقة الأمر ان المادة 110 من الدستور العراقي تقضي (بالاعتماد على أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار) لإدارة قطاع النفط.

*رجل أعمال عراقي والرئيس التنفيذي لمجموعة «الهلال» النفطية