سياسة الانفتاح فتحت «قنوات جديدة» لعمليات غسل الأموال

عمر محي الدين

رغم القيود التي تفرضها المصارف

 زادت المصارف العالمية، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، متوسط إنفاقها على إجراءات مكافحة غسل الأموال بنسبة ٥٨٪.

وتشير دراسة نشرتها مؤسسة «كي بي إم جي» أنترناشيونال للدراسات الاقتصادية والمراجعة المحاسبية، وشملت ٢٢٤ مصرفاً في ٥٥ دولة، الى أن كبار مسؤولي المصارف في العالم أصبحوا أكثر تركيزاً على إجراءات مكافحة غسل الأموال، وأن الانفاق زاد في أميركا الشمالية بنسبة ٧١٪، وفي الشرق الأوسط وأفريقيا بنسبة ٧٠٪، وفي روسيا ٦٠٪، وأميركا الوسطى والجنوبية ٥٩٪، وفي أوروبا ٥٨٪، وفي آسيا ٣٧٪.

إن نسبة كبار المسؤولين الذين يبدون اهتماماً مباشراً بإجراءات غسل الأموال، بلغت خلال العام الحالي ٧١٪ مقابل ٦١٪ خلال عام ٢٠٠٤، حيث أصبح الالتزام بمعايير مكافحة غسل الأموال على رأس أولويات المسؤولين في المصارف، بما في ذلك أعضاء مجلس المديرين.

وتشكّل ظاهرة غسل الأموال مشكلة عالمية، ويقدّر خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حجم الأموال المغسولة سنوياً بمبلغ يراوح بين ١.٥ و٢ تريليون دولار.

وتؤكّد الدراسات أنه بين ٥٠ و٧٠٪ من هذه الأموال، يجري غسلها في البنوك العالمية، وأن ٢٥٪ منها داخل الأسواق المالية في نيويورك ولندن ودول شرق آسيا.

وتشير بيانات مالية الى أن عمليات غسل الأموال في روسيا تراوح ما بين ٢٥ و٥٠٪ من الناتج المحلّي الاجمالي، ونحو ١٠٪ في جمهورية التشيك وبين ٧ و١٣٪ في بريطانيا.

وتأتي الولايات المتحدة في مقدّمة الدول التي يتمّ فيها غسل الأموال، حيث تقدّر حجم الأموال التي يتمّ غسلها سنوياً من جرائم المخدّرات وحدها، بنحو ٣٠٠ مليار دولار، تليها سويسرا والمكسيك وإسرائيل والفيليبين والدومينيك وبناما.

ورغم اتّباع إجراءات التقصّي عن العملاء في البنوك والمؤسّسات المالية، لا يزال من الصعب القضاء على جرائم غسل الأموال، خصوصاً مع التقدّم التقني وزيادة الاعتماد على البنوك المراسلة، إذ إن عناصر عملية غسل الأموال تتكون من:

ـ الغاسل: وهو المؤسّسة أو المنظّمة أو المؤسّسة التي تحوز أو تملك أموراً غير مشروعة وتسعى الى غسلها.

ـ المغسول: وهو عبارة عن الأموال أو المتحصّلات أو غيرها.

ويمر هذا النشاط عبر المشروع بثلاث مراحل أساسية هي:

أولاً: مرحلة الايداع أو التوظيف، حيث يتم إيداع الأموال في حسابات مصرفية متعدّدة، أو في شراء العقارات، أو الذهب والمجوهرات الثمينة، أو التحف النادرة، أو السلع المعمّرة، أو في شراء الأسهم والسندات، أو الدخول في مشاركات استثمارية داخل البلاد وخارجها، أو بتحويلها الى أوراق قابلة للتداول.

ثانياً: مرحلة الترقيد، ويتمّ فيها فصل حصيلة الأموال غير المشروعة عن مصدرها، من خلال مجموعة معقّدة من العمليات المالية، بهدف التمويه عن أصل هذه الأموال ومصدرها، مع تدعيم ذلك بالمستندات التي تؤدّي الى تضليل الجهات الرقابية والأمنيّة، للحيلولة دون اقتفاء المسار غير المشروع لهذه الأموال.

ثالثاً: مرحلة التكامل أو الدمج، وهي المرحلة الأخيرة، حيث يعاد ضخّ الأموال التي تمّ غسلها مجدّداً في دورة الاقتصاد الداخلي، أو الدولي، على شكل استثمارات مباشرة في العقارات، أو في السلع الفخمة والثمينة، أو الاستثمار في البورصة، أو في شراء الحصص من الشركات، وفي هذه المرحلة تصبح الأموال المغسولة أموالاً سليمة تتمتّع بالمظهر القانوني.

وتؤكّد الدراسات أن انفتاح الأسواق المالية الدولية، التي شجّع عليها صندوق النقد الدولي، والتي أدّت الى إلغاء الرقابة على الصرف والجمارك، ساهم الى حد كبير في إيجاد قنوات إضافية لغسل الأموال القذرة، كما كان لشركات السمسرة في الولايات المتحدة الدور الأبرز في عمليات غسل الأموال، بسبب تزايد نطاق المعاملات في الأوراق المالية على مستوى العالم؛ إذ ثبت تورّط هذه الشركات في «وول ستريت» في عمليات غسل الأموال، لأن هذه الشركات تتغاضى عن مصدر المشروعية للأموال الناتجة من تجارة المخدرات أثناء التعامل مع العملاء.

وأرجعت سلطات التحقيق حدوث هذه العمليات الى قيام شركات السمسرة بإجراء العديد من التحويلات الخارجية، وقبول التحويلات من مناطق تعدّ «محميّات مصرفية» مثل بنما وجزر البهاماس وسويسرا، من دون السؤال عن مصدرها، ثم القيام باستثمار هذه الأموال في الولايات المتحدة أو في بنوك خارجية.

كما أدّى انتشار بطاقات الصرف وبطاقات الإئتمان القابلة للاستخدام، أو سحب النقود من أي فرع من فروع بعض البنوك العالمية، أو أي ماكينة آليّة على مستوى العالم، الى ارتفاع عمليات الغسل، باعتبار أنه بإمكان حامل هذه البطاقة شراء سلع من بلد آخر، وعليه يقوم فرع البنك المحلّي، الذي تمّت في بلده العملية، بطلب القيمة من فرع البنك في البلد مصدر البطاقة، ويقوم الفرع بالتحويل تلقائياً، وتخصم القيمة من حساب العميل لديه، وهكذا يقوم المشتري ببيع هذه السلع التي سبق شراؤها بالبطاقة، فيحصل على المبلغ اللازم تلقائياً من دون المرور بقنوات وقيود التحويل.

وبرأي الخبراء، أن تنامي عمليات الغسل بعد التطوّرات المتلاحقة التي شهدها العالم بعد انفتاح الأسواق المالية والمضاربات في أسواق العملات، باتت تتطلّب تعاوناً دولياً للحدّ من حجم الأموال القذرة، وهذا التعاون لا يقتصر على سنّ القوانين وتأهيل وتدريب الكوادر المحلّيّة، والتعاون مع الهيئات الدولية المناط بها مكافحة غسل الأموال، إنما يتطلّب تعاوناً يقوم على أساس معالجة أسباب تنامي هذه الظاهرة في دول العالم كافة، لا سيما منها الدول النامية والدول المتحوّلة، فهذه الدول تشكّل بيئة خصبة لغسل الأموال، لأنها تعاني نقصاً حادّاً في الموارد المالية اللازمة لتمويل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:المشاهد السياسي-29-7-2007