بين العمل الفردي والعمل المؤسسي

محمد ناجي بن عطية

 

إن الناظر في أحوال المسلمين اليوم يجد بعدا عن الأعمال الجماعية، حيث تجتمع الطاقات وتحتشد الجهود، ويستفيد كل واحد من الآخر،  وسبب ذلك  عدم ترسخ مفهوم العمل المؤسسي الجماعي، الذي يقوم على الجهد المشترك لإخراج أعمال لا يستطيع الفرد القيام بها، وإن فعل فسيكون إنتاجه ضعيفا ً.

ولم يعد اليوم مجالٌ للنزاع، على أن العمل المؤسسي خير وأولى من العمل الفردي الذي لا يزال مرضاً من أمراض التخلف الحضاري في مجتمعات المسلمين، مع أنها قد توجد عناصر منتجة في المستوى الفردي أكثر مما تجدها حتى عند أولئك الذين يجيدون العمل الجماعي، وربما وجدت الكثير من الأعمال التي تصنف بأنها ناجحة، وراؤها أفراد.

 ونحن بحاجة إلى تحقيق التوازن، بين الروح الفردية، والروح الجماعية، عن طريق التربية المتوازنة التي لا تحيل الناس أصفاراً، وأيضاً لا تنمي فيهم الفردية الجامحة، بل توفر لهم المناخ المناسب لتنمية شخصياتهم، مع اختيار أساليب العمل، التي تحول دون التسلط وتنمية المبادرة الذاتية، وترسيخ مبدأ الشورى.

إن الفرد هو العنصر الأساسي في بناء المجتمع، لكن بشرط قيامه بدوره الأكمل وهو تعاونه مع بقية أفراد المجتمع، والأمة بتعاون أفرادها،هي أمة الريادة ؛ لأن تعاونهم يضيف كل فرد إلى الآخر، إضافة كيفية وكمية، فمن ثم تتوحد الأفكار والممارسات من أجل تحقيق رسالة الأمة.

إن العمل المؤسسي يمتاز بمزايا عدة عن العمل الفردي: منها أنه يحقق صفة التعاون والجماعية، التي حث عليها القرآن الكريم، والسنة النبوية، بقوله تعالى :

(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)

 وقول الرسول -ص- : " يد الله على الجماعة "

وقوله: " المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضاً "

 والعبادات الإسلامية التي تؤكد معنى الجماعية، والتعاون، وكل ذلك يبعث رسالة للأمة مفادها أن الجماعة، والعمل الجماعي، هو الأصل.

أما العمل الفردي فتظهر فيه السمات البشرية لصاحبه، واضحة من الضعف، في جانب، والغلو في جانب والإهمال في جانب آخر. وقد يقبل بقدر من الضعف والقصور في عمل الأفراد، باعتبار أن الكمال عزيز، لكن لا يقبل المستوى نفسه من القصور في العمل الجماعي المؤسسي.

مفهوم العمل المؤسسي:-

العمل المؤسسي هو: شكل من أشكال التعبير عن التعاون بين الناس، أو ما يطلق عليه العمل التعاوني، والميل بقبول العمل الجماعي وممارسته، شكلاً ومضموناً، نصاً وروحاً، وأداء العمل بشكل منسق، قائم على أسس ومبادئ وأركان، وقيم تنظيمية محددة.

ويمكن تعريفه، بأنه: التجمع المنظم بلوائح يوزع العمل فيه على إدارات متخصصة، ولجان وفرق عمل، بحيث تكون مرجعية القرارات فيه لمجلس الإدارة، أو الإدارات في دائرة اختصاصها؛ أي أنها تنبثق من مبدأ الشورى، الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي.

ويمكن تعريفه أيضاً بأنه: كل تجمع منظم يهدف إلى تحسين الأداء وفعالية العمل لبلوغ أهداف محددة، ويقوم بتوزيع العمل على لجان كبيرة، وفرق عمل، وإدارات متخصصة؛ علمية ودعوية واجتماعية، بحيث تكون لها المرجعية وحرية اتخاذ القرارات، في دائرة اختصاصاتها.

مميزات وخصائص العمل المؤسسي:-

إن مجرد ممارسة العمل من خلال مجلس إدارة، أو من خلال جمعية أو مؤسسة خيرية، لا ينقل العمل من كونه عملاً فردياً إلى عمل مؤسسي، فكثير من المنظمات والجمعيات الخيرية التي لها لوائح وأنظمة، ومجالس إدارات وجمعيات عمومية، إنما تمارس العمل الفردي، إذ أن المنظمة أو الجمعية لا تعني إلا فلاناً من الناس؛  فهو صاحب القرار،والذي يملك زمام الأمور والتصرف بالموارد ، وهذا ينقض مبدأ الشورى الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي.

إن أهمية العمل المؤسسي تكمن في مجموعة من السمات والخصائص، التي تجعله مميزاً، منها ما يلي:-

1-    تحقيق مبدأ التعاون والجماعية، الذي هو من أسمى مقاصد الشريعة الإسلامية المطهرة.

2-    تحقيق التكامل في العمل.

3-    الاستقرار النسبي للعمل، في الوقت الذي يخضع فيه العمل الفردي للتغيير كثيراً، قوة وضعفاً، أو مضموناً واتجاهاً، بتغيير الأفراد واختلاف قناعاتهم.

4-    القرب من الموضوعية أكثر من الذاتية، بوضع معايير محددة، وموضوعية للقرارات.

5-    دفع العمل نحو الوسطية والتوازن.

6-    توظيف كافة الجهود البشرية، والاستفادة من شتى القدرات الإنتاجية.

7-    ضمان استمرارية العمل.

8-    عموم نفعه لأفراد المجتمع، لعدم ارتباطه بالأشخاص، بل بالمؤسسات.

9-    مواجهة تحديات الواقع بما يناسبها، وكيفية الاستفادة من منجزات العصر، دون التنازل عن المبادئ، وهذا الغرض لا يقوم به مجرد أفراد لا ينظمهم عمل مؤسسي.

10-  ينقل من محدودية الموارد المالية إلى تنوعها واتساعها، فتتعدد قنوات الإيرادات، ويعرف العملاء طريقهم إلى المؤسسة، عن طريق رسميتها ومشروعيتها.

11-  الاستفادة من الجهود السابقة، والخبرات المتراكمة، بعد دراستها وتقويمها.

12-  يضمن العمل المؤسسي عدم تفرد القائد، أو القيادة في القرارات المصيرية، المتعلقة بالمؤسسة.

13-  يحافظ العمل المؤسسي على الاستقرار النسبي، المالي والإداري، من خلال اتباع مجموعة من نظم العمل، (سياسات وقواعد وإجراءات)، تعمل على تحقيق الأهداف، بما يتفق مع رؤية المؤسسة.

14-  يضمن العمل المؤسسي، بأن جميع العاملين ملتزمون بمنظومة من القيم والمبادئ يتمحور حولها أداؤهم وسلوكهم وعلاقاتهم الوظيفية والإنسانية.

15-  يضمن العمل المؤسسي اجتهاد الإدارة، في اختيار أفضل الأساليب النظرية والإدارية، لتحقيق، أو تقديم أفضل مستويات للخدمة.

16-  يضمن العمل المؤسسي، أن يدعم المؤسسة بأفضل الموارد البشرية، من خلال اتباع سياسة منظوره، في الاختيار والتوظيف والتدريب والـتأهيل، تحقيقاً للتنمية المهنية المستمرة.

17-  يؤكد العمل المؤسسي، جاهزية المؤسسة، في تقديم القيادات البديلة في وقت الضرورة والطوارئ، حينما تدخل المؤسسة في أزمة تستدعي التغيير والتبديل.

18-  التجارب الكثيرة تؤكد أن العمل الذي يبنى بناءً مؤسسياً، ينتج أضعاف العمل الذي يبنى بناءً فردياً.

19-  العمل المؤسسي، يوضح الأهداف، وينظم العمل؛ لأنه يجبر على إيجاد التخصصات، وبالتالي يجبر العاملين على الوضوح وتحمل المسؤولية.

20-  اكتساب صفة الشرعية للمشاريع، والبرامج التابعة للمؤسسة، مما يفتح أمامها كثيراً من الميادين، ويسهل سياسة الانتشار.  

المصدر :البناء المؤسسي في المنظمات الخيرية- الواقع وآفاق التطوير