فن إدارة الأزمات

 

 

عاش العالم والعراق ازمات لا حصر لها.. ولم يكن طريق حل هذه الازمات او تفاديها او الخروج منها بأقل الخسائر هو المعوّل عليه في هذا البلد خلال الخمسة عقود الماضية

بل كان استخدام القوة، بل والقوة الغاشمة الطريق السريع والحاسم لحل تلك الازمات، ما ادى الى الوقوع في ازمات جديدة او تعقد الازمة نفسها. فالازمة في تعريفها الشامل تعني تهديداً خطراً متوقعا او غير متوقع لاهداف وقيم ومعتقدات وممتلكات الافراد او المنظمات والدول، وبالتالي فهي اللحظة الحرجة ونقطة التحول التي تتعلق بالمصير الاداري او الاقتصادي او السياسي للمنظمة او الدولة، وغالباً ما تتزامن مع عنصر المفاجأة، مما يتطلب مهارة عالية لادارتها والتصدي لها بشكل شرعي وقانوني وليس بقرارات عنيفة او ارتجالية.

مفهوم ادارة الازمـات 

اوردت الموسوعة الادارية تعريفاً لادارة الازمات بأنها: ”المحافظة على الاصول وممتلكات المنظمة، وعلى قدرتها على تحقيق الايرادات، كذلك المحافظة على الافراد والعاملين بها ضد المخاطر المختلفة، والعمل على تجنب المخاطر المحتملة او تخفيف اثرها على المنظمة، في حالة عدم التمكن من تجنبها بالكامل“، وهذا ينطبق ايضاً على الدولة واداراتها.

   ويجد العديد من الباحثين ان ادارة الازمات هو علم وفن ادارة التوازنات والتكيف مع المتغيرات المختلفة وبحث آثارها في كافة المجالات، ويمكن القول ايضاً بأنها عملية الاعداد والتقدير المنظم والمنتظم للمشكلات الداخلية والخارجية التي تهدد بدرجة خطيرة سمعة المنظمة وبقائها.

نظام ادارة الازمـات

اورد عدد من الباحثين خمس مراحل لنظام ادارة الازمات، هي:

1- اكتشاف اشارات الانذار: وتعني تشخيص المؤشرات والاعراض التي تنبئ بوقوع ازمة ما.

2- الاستعداد والوقاية: وتعني التحضيرات المسبقة للتعامل مع الازمة المتوقعة، بقصد منع وقوعها او اقلال آثارها.

3- احتواء الاضرار: وتعني تنفيذ ما مخطط له في مرحلة الاستعداد والوقاية والحيلولة دون تفاقم الازمة وانتشارها.

4- استعادة النشاط: وهي العمليات التي يقوم بها الجهاز التنفيذي لغرض استعادة توازنه ومقدرته على ممارسة اعماله الاعتيادية، كما كان من قبل.

5- الافادة او التعلم: ويعني بلورة ووضع الضوابط لمنع تكرار مثل هذه الازمة، وبناء خبرات من الدروس والتجربة لضمان مستوى عالٍ من الجاهزية في المستقبل. كما لابد من الافادة من تجارب المنظمات والدول الاخرى التي مرت بازمات والوسائل التي استخدمتها. ان اي  حل او مواجهة لأية ازمة هو فن الادارة العلمية للازمة معتمداً على القوانين والانظمة النافذة، والابتعاد عن الطرق غير المشروعة وغير الشرعية في مواجهتها، وقد يتطلب فرض القانون كأساس لحل ازمة ما، لكن هذا الغرض يجب ان لا يتخذ كتبرير لاستخدام القوة الغاشمة، او انتهاك حقوق الانسان او الاضرار الاقتصادية والسياسية غير المبررة.

فريق ادارة الازمـات:

يتفق الباحثون والمختصون ان اية ازمة تتطلب فريق عمل لادارتها، ولابد ان يمثل اعلى سلطة، لان الازمة تتطلب ردود فعل غير تقليدية مقيدة بضيق الوقت احياناً، وضغوط الموقف، وطريقة فريق العمل اكثر الطرق شيوعاً واستخداماً للتعامل مع الازمات، ولابد ان يضم الفريق عدداً من الخبراء في مجال اختصاص الازمة وفي المجالات المختلفة الاخرى التي لها علاقة بالازمة، والمثل الحي في العراق الان يتجسد بخطة فرض القانون كقاعدة لحل الازمة التي يعيشها العراق، فهناك فريق سياسي، وآخر عسكري، وثالث للخدمات وآخر للتحشيد الشعبي.

ان المفهوم الياباني في معالجة الازمة يقوم على اساس ان الاشخاص الاقربين للازمة هم الاقدر على حلها او توفير الحل المناسب لها، وعليه نرى معظم الشركات اليابانية ونظام الدولة يتجه نحو اللامركزية في عملية اتخاذ القرارات، كما انها تفضل استخدام الاجتماعات كوسيلة لحل الازمات، ويطلق على هذا النوع من الاجتماعات بحلقات الجودة، والتي تعتبر بدورها واحدة من المهام المستخدمة في تحديد الازمات والمشاكل وكيفية تحليلها.

التخطيط

ويعتبر التخطيط متطلبا اساسيا في عملية ادارة الازمة، فبغياب القاعدة التنظيمية للتخطيط لا يمكن مواجهة الازمات، وبالتالي تنهي الازمة نفسها بالطريقة التي تريدها هي او القائمون بها لا بالطريقة التي تنتهي بشكل قانوني وبدون خسائر جسيمة للطرفين.

ان الفن الصعب هو عندما يحدث مالا تتوقعه ان جيري سيكيتش لخص اهمية تخطيط ادارة الازمات في كتابه(كافة المخاطر) حين كتب:لاتختبر اية ادارة اختباراً جيداً إلا في مواقف الازمات فيجب على القيادة التوجه مباشرة الى العاملين  في مؤسساتهم وتقديم خطة الازمات لهم طالبة دعم كل فرد منهم وعليها ان تدرب العاملين معها لاختبار واقعية الحلول الموضوعة بحيث يتعود العاملون بمرور الوقت على التعامل مع الازمات بأعتبارها احد مواقف العمل الاعتيادية ولايركزون على الازمة ذاتها.

ان ازمة اداراتنا في العراق هو عدم تبني نظام ادارة الازمات وتفعيله كأحد الحلول الجذرية والمهمة في مؤسساتنا. 

التنبؤ  الوقائي:

وفي عملية ادارة الازمة لا بد من تبني التنبؤ الوقائي من خلال ادارة سباقة تعتمد الفكر التبئي الانذاري لتفادي حدوث ازمة مبكراً وذلك عن طريق صياغة منظومة وقائية مقبولة تعتمد على المبادأة والابتكار وتدريب العاملين عليها، لا ان ننتظر وقوع الازمة المتوقعة وتركها حتى تحدث لايجاد الحلول، او الانغماس بدراسة حلها بعد فوات الاوان.

هناك ازمات عديدة متوقعة في الوضع العراقي الحالي لا بد من دراستها بشكل واقعي وعلمي وحقيقي من قبل المعنيين ”باحثين، متخصصين، سياسيين، رجال دين“ للوصول الى قواعد او اسس عمل لحلها لا ان ننتظر انفجارها او حدوثها!!

فالفرق شاسع بين الادارة السباقة المبادرة التي تعتمد الحوار والمفاوضات ووضع التخطيط والحلول للاحتقانات والمشاكل التي قد نراها صغيرة وغير معقدة، لكنها قد تصبح كبيرة ومعقدة ولا تحل في وقت آخر، فالوقاية خير من العلاج.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:جريدة الصباح