شجون اليورو

 

علي بن طلال الجهني

 

 

كلما ارتفع «سعر» اليورو نسبة إلى الدولار كثرت المطالبات ببيع النفط باليورو، أو حتى ربط الريال أو غيره من عملات دول الخليج باليورو.

ولو اننا تأكدنا من أن قيمة اليورو نسبة إلى الدولار ستبقى مُرتفعة نسبياً، كما هي الآن، ولا يستطيع أحد من ذوي العلم أن يضمن بقاء سعر اليورو عند أي مستوى قد يصل إليه حالياً أو في المستقبل، فماذا يعني ارتباط عملاتنا باليورو أو غير اليورو؟

إن العملات، في نهاية المطاف، أدوات قياس مُختلفة كـ (الكيلوات والأرطال)، فاليورو حالياً يساوي دولاراً وثلث الدولار، والدولار بدوره يساوي أكثر من مئة «ين» ياباني. وكلها عملات صعبة يمكن الارتباط بأي منها لو كانت الكميات «المعروضة» منها للتداول في أسواق المال العالمية متساوية. غير انها ليست متساوية. والدولار هو العملة الأكثر انتشاراً ليس في أسواق المال فحسب وإنما أيضاً كوحدة قياس أو تعامل في تجارة السلع والخدمات على مستوى المعمورة.

غير أن موضوع العملات وعلاقاتها ببعضها بعد أن «يركد الرمي» كما نقول في الجزيرة العربية، أو بعد أن يهدأ الغُبار أو تتضح الرؤية كما يقولون في الغرب، يخضع في نهاية الأمر لعوامل العرض والطلب و «التوقعات» التي تؤثر آنياً في ما هو متوقع في المستقبل، سواء طابق «المتوقع» الواقع في المستقبل أم ابتعد عنه بنسبة من النسب. بل ان الأمر تطور إلى درجة أن هناك متخصصين، عملهم اليومي ومصدر رزقهم محاولة تقدير نسبة تطابق «المتوقع» مع «الواقع»!

وحتى لا نضيع في متاهات تعقيدات أسواق المال العالمية، سأحاول التعميم المقبول على مستوى أدنى من التحليل. فمثلاً أحد أسباب ارتفاع قيمة اليورو نسبة إلى الدولار في الفترة الحالية هو ارتفاع تكاليف استخدام اليورو بالنسبة إلى الممولين من جهة وإلى المقترضين من جهة أخرى.

غير أن الذي يحدد قيمة اليورو، أو أي عملة أخرى هو، بعد اتضاح الرؤية، كفاءة الاقتصادات الأوروبية في دول الاتحاد الأوروبي المستخدمة لليورو مجتمعة نسبة إلى كفاءة اقتصادات الدول التي تستخدم الدولار أو الاسترليني أو الين كعملة لها بطريقة مباشرة أو التي ترتبط عملاتها بإحدى هذه العملات كارتباط عملات دول الخليج بالدولار الأميركي.

ففي أواخر القرن الثامن عشر وحتى أوائل القرن التاسع عشر، خلط الناس بين العملات المسكوكة من الذهب وبين الثروة التي تُقاس بالذهب. أي بين «الوعاء» و «المحتوى». وحينما زادت كمية العملة المسكوكة من الذهب، نتيجة لتتابع تطور وسائل تعدين الذهب واكتشاف المزيد منه، زادت أسعار السلع وأسعار ما كان موجوداً حينذاك من خدمات، لأن نسبة زيادة كمية العملات (المسكوكة من الذهب) كانت أكبر من نسبة زيادة المُنتج مما يتداوله الناس من سلع وخدمات.

لكن سيطرة الدولار منذ نهاية الحرب الكونية الثانية بصفة الدولار عملة «الاحتياط» والعملة الوسيط في التجارة الدولية، وبروز الولايات المتحدة كأقوى اقتصاد تدعمه وترفده مراكز علمية بحثية يعمل فيها علماء ومهندسون وأطباء أتوا أو أنشأوا مراكز بحوثهم في ما لا يقل عن مئة جامعة قيادية في البحوث والدراسات العليا، وما رافق هذه القوة الهائلة من قوة سياسية وعسكرية، جعل الدولار رمزاً لسلبيات سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية.

إذاً ليس مفاجئاً انه كلما زاد غضبنا من تحيز الولايات المتحدة للحكومة الإسرائيلية حتى فيما يضُر غالبية الإسرائيليين، لأسباب يطول نقاشها، عَلتْ أصوات وسائل الإعلام العربية للمطالبة باستخدام اليورو أو غيره من العملات بدلاً من الدولار لأسباب سياسية.

ولكن فك الربط بين الدولار وعملاتنا يضرنا بنسبة أعلى من الضرر الطفيف، إذا وجد، ونادراً ما يوجد، الذي سيلحقه بسعر الدولار. ولنفرض جدلاً اننا سعَرنا نفطنا باليورو بدل الدولار، فهل سيؤدي ذلك إلى زيادة عائدات البترول؟

في نهاية المطاف لن يؤثر، لأن الذي يحدد مستوى الأسعار ليس العملة أو «المكيال» أو الوعاء الذي يقاس به السعر، وإنما قوى السوق من عرض وطلب «وتوقعات» عن الكميات التي ستُطلب وستُعرض، والتي بدورها تؤثر في تحديدها «توقعات» مالية وسياسية متداخلة.

وبما أن التعامل بالدولار أسهل وأيسر، وبما أن التعامل بعملة أخرى لا تُستخدم بالكميات الهائلة نفسها التي يستخدم بها الدولار، فالمنطق يقول إن استخدام الدولار يخدم مصالحنا بطرق أفضل. وهناك اعتبار آخر. من طبيعة الأمور، أن قيم العملات تتغير بنسب صغيرة بين الارتفاع لمدة أشهر أو بضع سنوات وبين الانخفاض أيضاً لمدة أشهر أو بضع سنوات. أي أن أسعار العملات «الصعبة» نسبة إلى بعضها بعضاً مُتَذبْذِبة وفقاً لاعتبارات كثيرة متداخلة، حتى استحال على الخبراء التأكد من تغير اتجاهها في معظم الأحيان.

ولا يخدم التخطيط التجاري ولا الصناعي ولا وسائل رفع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني تغيير ارتباط عملاتنا بالدولار وفقاً لتَذبْذُب قيمة صرف الدولار نسبة إلى بقية العملات الصعبة. وكلمة «صعبة» تعني الاستقرار النسبي والتحويل والاستبدال من دون أي قيود حكومية. ومن أمثلة العملات الصعبة جميع عملات دول الخليج العربية والاسترليني والفرنك السويسري وبالطبع اليورو وغيرها من عملات دول العالم التي تحكم اقتصاداتها قوانين الأسواق الحرة.

والله من وراء القصد.

*أكاديمي سعودي.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الحياة اللندنية-20-3-2007