لغز الطاقة الأميركي

 

روبرت صامويلسون

 

 

ماذا نفعل مع النفط؟ لقد قفز سعره من 60 دولارا إلى 80 دولارا للبرميل، ثم من 80 دولارا إلى 100 دولار ليقترب اليوم من 120 دولاراً للبرميل الواحد، فماذا نفعل؟ ربما نلجأ للتغلب على هذا الارتفاع المهول في الأسعار إلى إقناع منظمة الدول المنتجة للنفط بالزيادة في الإنتاج، لكن لا يبدو ذلك مرجحاً. والحقيقة أننا تقريباً عاجزون عن التأثير في الأسعار الحالية للنفط، وذلك لأننا لم نتخذ الخطوات المعقولة منذ أزيد من عشر إلى عشرين سنة وإذا ما سرنا على المنوال نفسه، فإن حالنا سيسوء أكثر بعد عقد، أو عقدين من الآن، لذا فلا حل سوى البدء في الحفر فوراً. ولعل الأميركيين سيتفاجأون عندما يكتشفون أن الولايات المتحدة، هي ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد السعودية وروسيا، وأنه بإمكاننا أن ننتج أكثر لو وافق الكونجرس على استغلال مناطق معروفة بثورتها النفطية في الولايات المتحدة مثل سواحل المحيطين الأطلسي والهادي، وأجزاء من ألاسكا وخليج المكسيك.

فحسب التقديرات الحكومية تحتوي تلك المناطق على 25 إلى 30 مليار برميل من النفط مقارنة مع 30 مليار برميل من الاحتياطات الأميركية الراهنة، فضلاً عن توفرها على 80 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. لكن ما يُبقي تلك المناطق بعيدة عن الاستغلال هي المخاوف البيئية المبالغ فيها، فضلاً عن التحيز غير المبرر ضد الشركات النفطية، ناهيك عن الغباء الصرف. فالأميركيون يريدون تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة مع الاستفادة من أسعار وقود منخفضة، وهم ينددون بحجم الواردات الكبير، لكنهم يعارضون أيضاً رفع الإنتاج في الولايات المتحدة، فهل يمكن حل هذا اللغز؟ والنتيجة كما أشار إلى ذلك "روبرت برايس" في أحد كتبه هي "أجندة للطاقة تحظى بالشعبية لأنها قليلة التكلفة لكنها غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع". فالولايات المتحدة تستورد 60% من احتياجاتها النفطية بزيادة تقدر بـ42% مقارنة مع العام 1990، وسنستمر في استيراد كميات أكبر في المستقبل المنظور لكن العالم أيضاً يستهلك كميات أكبر بعدما قفز الاستهلاك إلى 86 مليون برميل في اليوم مقارنة مع 67 مليون برميل سنة 1990. والسبب الرئيسي وراء الارتفاع في الأسعار كما يوضح ذلك المحلل "دوجلاس ماكينتير"، من إدارة المعلومات حول الطاقة، هو اختلال التوازن بين الطلب المتصاعد على الطاقة في العالم والقدرة على إنتاج المزيد، يُضاف إلى ذلك بخل منظمة الدول المنتجة للبترول وإصرارها على عدم رفع الإنتاج. وفي هذا السياق، فإن أفضل ما يمكن القيام به للتحكم في الأسعار، هو الحد من الاختلال بين العرض والطلب وإرجاع بعض التوازن إلى آليات السوق، وذلك من خلال توفير العرض والحد من الطلب. وبقليل من الحظ، فإن ذلك من شأنه توسيع الطاقة الإنتاجية للدول بعد تراجع قدرة الدول المنتجة على التحكم في الأسعار بسبب التنافس فيما بينها على بيع منتوجها. وما أن تفقد منظمة الدول المنتجة للنفط بعضاً من نفوذها وقدرتها على التحكم في الأسعار حتى يبدأ الأعضاء في الغش وتزويد السوق بكميات تفوق الحصص الإنتاجية المخصصة لها ومن جانبه، قام الكونجرس في السنة الماضية بخطوة صغيرة، لكنها مهمة تمثلت في رفع معايير استهلاك السيارات والشاحنات للوقود من 25 جالونا للميل إلى 35 جالونا. لكن رفع القدرة الإنتاجية للولايات المتحدة، يبقى أيضاً مهما، وبخاصة في الحقول النفطية التي لم تصل إلى سقفها الإنتاجي مثل تلك الموجودة في ألاسكا ومع أن حصر الإنتاج في بعض المناطق المحددة لن تقود أميركا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، إلا أنه سيجلب الاستقرار إلى الأسواق وسيقلص الواردات. والأكثر من ذلك أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة حجم الإنتاج المرتقب في الحقول الموجودة، رغم أن التقديرات تشير إلى أن إنتاج حقول ألاسكا قد يوفر 5% من الاستهلاك المحلي في الولايات المتحدة واللافت أنه في الوقت الذي يشتكي في الكونجرس من الأرباح الطائلة التي تجنيها الشركات النفطية (40.6 مليار دولار حققتها شركة إكسون موبيل في العام الماضي)، إلا أنه يقف في وجه الشركات عندما تسعى إلى استثمار تلك الأرباح للتنقيب عن حقول جديدة في الولايات المتحدة.

وفي غضون ذلك، تواصل أسعار مصادر الطاقة ارتفاعها بسبب تكلفة الإنتاج الباهظة وامتناع الحكومات عن الاستثمار في توسيع الطاقة الإنتاجية والمصادقة على مشاريع جديدة للتنقيب والاستغلال. وحتى عندما تجني الحكومات أموالاً طائلة من عائداتها النفطية، فإنها تفضل الحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية وعدم الاستثمار في مشاريع جديدة للإنتاج. والحقيقة أنه من غير المنطقي أن تشتكي الولايات المتحدة من امتناع بعض الدول من استغلال احتياطاتها في الوقت الذي ترفض فيه هي نفسها توسيع إنتاجها. والحال أنه لو رفعت أميركا طاقتها الإنتاجية وتراجعت الأسعار، فإن ذلك سيدفع الدول الأخرى إلى رفع إنتاجها، لأن ما لا تستطيع جنيه من الأسعار المرتفعة يمكنها تعويضه من خلال تكثيف مبيعاتها. أما فيما يتعلق بالبدائل التي يروج لها البعض للحفاظ على البيئة، فهي غالباً ما تأتي بنتائج عكسية، حيث أدى دعم الإيثانول المستخرج من مواد غذائية إلى الأزمة الحالية في أسعار المواد الأساسية على الصعيد العالمي، كما أن استيراد النفط لا يخلو من حوادث تسرب الخام من الحاويات، ما يؤدي إلى تلوث المحيطات والإضرار بالبيئة. لذا يبقى الحل الأمثل بالنسبة لأميركا، كي تتحكم في أسعار الطاقة وتحد من الارتفاع الكبير في أسعار النفط، هو الزيادة في طاقتها الإنتاجية والترخيص لمشاريع جديدة للتنقيب والاستغلال.