أنابوليس.. والبقرة الصفراء!

 

عطاءالله مهاجراني

 

 

كان غريبا أن اصدق انه كانت هناك 40 عاما من المفاوضات حول بقرة. حكى لي القصة للمرة الأولى الشيخ عبد العزيز عودة. كان هناك مؤتمر دولي حول الثورة الإسلامية للشعب الفلسطيني انعقد المؤتمر في طهران وكان كروبي، رئيس البرلمان الإيراني، رئيسا للمؤتمر ومنظما له. شارك في المؤتمر رؤساء برلمانات من دول إسلامية، وشارك أيضا ممثلون عن «الجهاد الإسلامي» و«حماس» و«حزب الله» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، جناح احمد جبريل، إلى جانب جهات أخرى.

امتلأ فندق الاستقلال (هيلتون سابقا) بالمراسلين، وتحدثت خلال فترة الاستراحة مع الشيخ عودة حول مؤتمر مدريد عندما كانت أخبار ذلك المؤتمر لا تزال جديدة ومتداولة. قال الشيخ عودة انه يشعر بالتشاؤم إزاء مؤتمر مدريد، وحكى لي قصة البقرة، المذكورة في كتابنا الكريم.

1- تذكر ان موسى قال لقومه: «إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة». فقالوا له: «أتتخذنا هزوًًا» (الآية 67 ـ سورة البقرة)

2- قالوا: «ادع لنا ربك يبين لنا ما هي» (الآية 68 ـ سورة البقرة)

3 ـ قالوا: «ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها» (الآية 69 ـ سورة البقرة)

طبقا للآيات 67 ـ 71 من سورة البقرة، طلب موسى عليه السلام، نبي بني إسرائيل، من قومه أن يضحوا ببقرة. بدأ القوم يتفاوضون مع موسى. قالوا في البداية أتتخذنا هزوًا؟ ثانيا، سألوا عن هويتها. ثالثا، سألوا عن هوية البقرة، ما هي؟ رابعا، سألوا موسى عن لون البقرة. خامسا، كرروا سؤالهم الثاني طالبين معرفة هوية البقرة، ثم جاء في القرآن أنهم قدموها قربانا ولكن ليس بحسن نية.

قال لي الشيخ عودة إن مثل هذه المفاوضات بين بني إسرائيل ونبيهم موسى استغرقت أربعين عاما.

تخيلوا أنهم كانوا يتحدثون مع موسى نبيهم الذي كان قادرا على مخاطبة الله عز وجل مباشرة والأمر في النهاية يتعلق بالتضحية ببقرة، وهو أمر استغرق أربعين عاما. الآن عرفات كمفاوض يريد التفاوض مع الإسرائيليين. الموضوع فلسطين. هل تعتقد أن الجانب الإسرائيلي يؤمن بالمفاوضات؟ الأمر سيستغرق قرنين!

نتذكر عندما جرى تنظيم مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991، ومؤتمر موسكو عام 1991 واتفاق اوسلو في 20 أغسطس عام 1993 وهكذا. وفي موسكو عام 1991 تم تأسيس خمس لجان في إطار المفاوضات المتعددة الأطراف، بما في ذلك لجنة اللاجئين. عقدت لجنة اللاجئين خمسة اجتماعات، اثنان منها في أوتاوا بكندا عام 1992 وثالث في اوسلو عام 1993، ورابع في تونس عام ،1993 وخامس في تركيا.

خارطة الطريق للسلام وجه آخر لقصة البقرة وكانت خارطة الطريق قد اقترحت من جانب اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة. شارك محمود عباس وشارون في قمة العقبة بالأردن في 4 يونيو (حزيران) 2003 بحضور جورج بوش.

ما هي محصلة خارطة الطريق؟ لا شيء على الإطلاق. والآن جاء الدور لبدء مؤتمر جديد في أنابوليس.

وتجدر الإشارة إلى أن كل الفلسطينيين الذين ولدوا في السنة التي عقد فيها مؤتمر مدريد، تصل أعمارهم الآن إلى 16 سنة، والبعض منهم قتلته القوات الإسرائيلية. ما أقصده هو أنه ما بين مؤتمر مدريد إلى مؤتمر أنابوليس، ظهر جيل جديد. ووصفت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية مؤتمر أنابوليس بأنه احتفالية قبل السلام! وكنت اطلع يوم الأحد الثاني من ديسمبر الجاري في صحيفة «جيروزالم بوست» الإسرائيلية، على تقرير خاص حول آخر جلسة لمجلس الوزراء الإسرائيلي. وحلل رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزيرة خارجيته ووزير الأمن العام مؤتمر أنابوليس.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي في بداية الاجتماع «إن أهم عناصر البيان المشترك الذي تحقق في أنابوليس هو أن كل الاتفاقيات المستقبلية سترتبط بخارطة الطريق». وأضاف «ستبذل كل الجهود لعقد مفاوضات سريعة على أمل التوصل إلى اتفاقية نهائية بنهاية عام 2008، ولكن ليست هناك أية التزامات بإطار زمني متشدد بالمفاوضات».

وكانت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني حذرة هي الأخرى في تعليقها حيث قالت «لا يجب لي ذراع إسرائيل. ويجب ألا نقبل بمجموعة جوهرية في البداية، ولا يجب ليّ ذراعنا في ما يتعلق ببرنامج زمني. ونرغب في إجراء مفاوضات. بداية المحادثات في مصلحتنا ونريد إنهاءها في أسرع وقت ممكن، ولكن ليس بإجبار أنفسنا ببرنامج زمن يمكن أن يؤدي إلى ضغوط دوليا علينا».

كما عارض وزير الأمن العام آفي ديختر إطار البرنامج الزمني حيث ذكر «محظور ان يصبح الإطار الزمني للمرحلتين «ب و ج» من خارطة الطريق اقصر من تطبيق المرحلة «أ». وأضاف «محظور التوصل إلى اتفاقية مع الفلسطينيين حول القضايا الجوهرية قبل توضيح الأمر حول كيفية تحقيق السلطة الفلسطينية التزاماتها بخصوص المرحلة «أ»، ووقف الإرهاب والعنف. إن التفاؤل المحدود كان وراء قرار جماعي من مجلس الوزراء الإسرائيلي لإقرار الإعلان المشترك الذي توصلت إليه السلطة الفلسطينية وإسرائيل في مؤتمر أنابوليس.

رجاء الانتباه إلى النصوص التي استخدمها كل من أولمرت وليفني وديختر. فقد قالوا كلهم: هذه بداية المفاوضات. لا توجد التزامات بإطار زمني. وهو يعني أن نهاية العام القادم هي بداية المفاوضات. لان المفاوضات هي الاستراتيجية الرئيسية للجانب الإسرائيلي، المفاوضات من اجل المفاوضات، ويوجد مثل عبري يقول «إذا ما تحدثت كثيرا، ستقول ما لا تنوي قوله».

وبعد مرور عقدين من الزمن، وفي مؤتمر جديد، سيناقش الرؤساء الجدد ورئيس الوزراء المفاوضات. وسيتناقشون لمعرفة ماهية القضايا الجوهرية.

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:aawsat-9-12-2007