دبلوماسية البنغ بونغ

 

Ping-Pong Dilomacy

 

 

مجموعة الخطوات والأحداث والأساليب السياسية التي أدت إلى التحاور العلني في اتجاه إنها القطيعة وتوليد التقارب في العلاقات الأميركية - الصينية ، وبالتالي إحداث تغيير أساسي في العلاقات الدولية من خلال دعوة الفريق القومي الرياضي الأميركي للبنغ - بونغ ( كرة الطاولة ) إلى بكين . جاءت دبلوماسية بنغ - بونغ في إطار التوافق مع حقيقتين دوليتين .

الأولى هي سياسة الرئيس الاميركي نيكسون لتحسين العلاقات مع الصين المرسومة عام 1969 والموضوعة في ضوء الاعتبارات الاستراتيجية الأميركية بعد الهزائم المتتالية في فيتنام و وضوح النتائج السلبية  المحلية و الكونية لذلك بالنسبة لهيبة أميركا الدولية ، وما لذاك من أثر على التوازن الاستراتيجي مع الاتحاد السوفييتي ، وبالتالي وضوح حاجة أميركا إلى تحالفات دولية جديدة للمحافظة على التوازن الاستراتيجي في منطقة جنوب شرق آسيا وعلى الصعيد العالمي .

أما الحقيقة الثانية ، فهي الخطة الصينية للعب دور دولي أكبر وعقد تحالفات جديدة  يكون فيها التقارب مع الولايات المتحدة حجر الزاوية وذلك لتعزيز الموقف الصيني في ضوء تطور الصراع الصيني - السوفييتي وتفاقمه وهكذا أخذ الموقفان الصيني والأميركي يتحركان بعد عقدين من المقاطعة . وقد تمثل ذلك في تصريحات على لسان المندوب الأميركي ومن ثم المندوب الصيني في الجولة 135 ‏من المباحثات الصينية الأميركية في وارسو ( و التي كانت قد بدأت في جنيف عام 1954‏على أثر الحرب الكورية ) في مطلع عام 1970، ومن ثم سلكت محاولات التقارب أقنية  دبلوماسية سرية على يد الباكستانيين والرومانيين خوفاًَ ، إما من الاستغلال ‏والإحراج على يد أحد الطرفين أو من العرقلة على يد السوفييت أو الفيتناميين .  ويذكرهنري كيسنغر في مذكراته أن الأميركيين لاحظوا بكثير من الاهتمام أن الصين بدأت منذ عام 1969تحركاً دبلوماسياً واسعاً بعد الشلل الذي أصاب علاقاتها بالعالم الخارجي أثناء الثورة الثقافية ، فأخذت تعيد تعيين السفراء وتقييم علاقات دبلوماسيته مع دول لم يسبق لها أن تبادلت التمثيل الدبلوماسي معها ، وأقدمت على تحسين علاقاتها ببريطانيا واليابان و مع دول أوروبا الشرقية وقد فسرت وزارة الخا رجية الأميركية ذلك بأن الهدف ربما كان حشد الدعم لدخول الصين الأمم المتحدة .

وقد أكد  شو إن لاي القائد الفعلي للدولة الصينية ذلك في مقابلة له مع القائم بالأعمال البريطاني وفي آذار - مارس 1971، أخبر شو إن لاي وزير الخارجية الياباني الأسبق إياشيرو فيوجياما بأنه من الممكن أن يحصل تحسن درامى مفاجئ في العلاقات الصينية -  ‏الاميركية .

واشار في سياق الحديث إلى أنه لاحظ إقدام الرئيس نيكسون على تسمية الصين باسمها الرسمي ( جمهورية الصين الشعبية ) في تقريره حول السياسة الخارجية الأميركية ، وذلك ما لم يفعله أي رئيس أميركي ‏من قبل و في هذه الفتره أقدمت الصين لأول مرة منذ سنوات، على إرسال فريق لكرة الطاولة ( البنغ بونغ ) للمشاركة في المباريات الدولية هناك رغم وجود مصاعب في العلاقات الصينية اليابانية و في نهاية الدورة قدم الفريق الصيني دعوة للفريق الأميركي لزيارة الصين .

وعلى الأثر راجع رئيس الفريق الأميركي السفارة الأميركية في طوكيو وكان الرأي هو قبول الدعوة فوراً و قد نمت هذه الزيارة في نيسان - أبريل  1971، فاستقبل الوفد استقبالاً منقطع النظير وسط اهتمام عالمي كبير لما تتضمنه هذه الدعوة وهذا الاهتمام من تغيير جوهري في العلاقات الدولية وقد توج الصينيون اهتمامهم بالوفد عندما استقبل شو إن لاي أعضاء الوفد في قاعة الشعب الكبرى ، و اتضح هدفه عندما فاجأهم بالقول ان زيارتهم دشنت عهداً جديداً من الصداقة التي تحظى بتأييد الغالبية العظمى من الشعبين .

وكانت استجابة الحكومة الأميركية للبادرة الصينية فورية ، إذ أعلنت الحكومة على لسان الناطق الرسمى بأن الإدارة قررت إباحة التجاره والسفر مع الصين ، وأن ذلك القرار يجىء ضمن إطار السياسة المرسومة عام 1969، إلا أن دعوة الفريق الأميركى للبنغ بونغ أسهمت في التعجيل في الوصول إلى ذلك القرار ويذهب كيسنغر في تفسير لجوء الصين إلى دبلوماسية الرياضة وكوسيلة لتحقيق التقارب ، إلى أن تلك الخطوة عبرت عن التزام الصين في تحسين العلاقات مع أميركا وأكدت بشكل أعمق مما يمكن أن تعبّرعنه من خلال الأقنية الدبلوماسية السرية ، أنها سوف تحسن وفادة أي مبعوث أميركي في بكين ، كذلك فإن تكريم وفد رياضي مسألة غر خاضعة للرفض من الجانب الآخر وتمهد أمام الرأي العام في البلدين للترحيب بالتقارب واخيراً فإن مثل هذه الخطوة تتضمن تحذيراً لصناع القرار ‏في واشنطن بأن بكين سوف تشن حملة إعلامية وتقدم على التقارب مع الشعب الأميركي في حال رفض مبادرتها الشعبية الودية والعلنية .

على أن هذه الحالة الأخيرة لم تنشأ ضمن إطار الدبلوماسية المثلثة الأضلاع مع الاتحاد السوفييتي ، إذ ‏سرعان ما أدت (( دبلوماسية البنغ بونغ )) إلى زيارة الرئيس نيكسون للصين الشعبية ونمو العلاقات الصينية الأمير كية بما يخدم الأهداف الأميركية و الصينية إزاء تعاظم النفوذ السوفييتي في العالم.

المصدر: موسوعة الدبلوماسية - الجزء الثاني - د.عبد الوهاب الكيالي - ص :662-658