الدبلوماسية المثلثة الأطراف

 

 

Triangular Diplomacy

Diplomatie Triangulaire

 

 

مصطلح مستجد في العلاقات الدولية ، يصف التوازن الدقيق في علاقات الولايات المتحدة الاميركية بالصين و الاتحاد السوفييتي منذ اواخر الستينات .

و قد أمكن التوصل إلى هذا التوازن في ضوء تفاقم الصراع الصيني - السوفييتي و حاجة الولايات المتحدة المتزايدة لإقامة أسس جديدة للتحالفات الدولية لتعديل ميزان القوى الدولي .

الذي أخذ يميل لصالح السوفييت و لا سيما في ضوء الوضع الاميركي المتدهور في فيتنام. اما دقة الموقف فكانت تتمثل آنذاك في عدم اعتراف الولايات المتحدة بالصين الشعبية في الوقت الذي أخذت تتحسس فيه حاجتها لإقامة علاقات قوية معها من جهة . دون أن تستفز الاتحاد السوفييتي للاصطدام المسلح بها أو بالصين من جهة أخرى . اما بداية التحرك الاميركي في هذا الاتجاه .

فتعود إلى دعوة ريتشارد نيكسون في مقال هام له عام 1967 نشره في مجلة فورين أفيرز الذائعة الصيت في الاوساط الاميركية الحاكمة إلى الانفتاح على الصين ، على الرغم من أن سلفه في التشريح للرئاسة الاميركية عن الحزب الجمهوري باري غولد ووتر كان قد طالب قبل ذلك بثلاث سنوات فقط بقصف الصين بالأسلحة الذرية .

و في غضون عام واحد من نشر هذا المقال دعا نيلسون روكفلر نائب الرئيس نيكسون إلى (( إقامة علاقات ذكية ثلاثية الأطراف بين واشنطن و بكين و موسكو لتحسين امكانيات التفاهم – عن طريق تلبية المطالب المتبادلة – مع كل منهما في الوقت الذي نزيد فيه من خياراتنا إزاء الطرفين ))اما القاعدة التي انطلقت منها هذه الدبلوماسية الثلاثية الاطراف . فهي ان علاقات طرف ثالث مع كل من طرفين متعارضين بالامكان يجب أن تفسح خيارات إقامة صلات مع كل منهما افضل من صلات هذين الطرفين ببعضهما البعض .

و هكذا بدأت الولايات المتحدة في التحرك الدبلوماسي الهادىء الدؤوب نحو الصين في عهد نيكسون . و لكنها كانت حريصة على أن تفسر توجهها للسوفييت لتحقق أهدافها تجاه الصين دون إحداث توتر رئيسي في نهجها الوفاقي الدولي مع السوفييت  و في نهايت عام 1969 ، أوضح الاميركيون للسوفييت ان سياستهم تجاه الصين مبنية على الأسس التالية :

1- إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تقبل أن يكون العداء هو القانون الحديدي للعلاقات الاميركية – الصينية .

2- ان سياستنا إزاء الصين ليست موجّهة ضد السوفييت .

3- لا ترغب الولايات المتحدة في التحيز لأي من الطرفين في النزاع الصيني - السوفييتي .

و هكذا نرى أن الاميركيين حاولوا تطبيق القواعد التي تؤمن فعالية البلوماسية الثلاثية الاطراف  و هي الاعتماد على الحوافز الطبيعية ، و مراعاة ميول اطراف اللعبة ، و تجنب توليد الانطباع بأنها مُصمّمة لكي تستخدم من قبل طرف من اطراف المثلث ضد طرف آخر ، و الا تعرّض الطرف المعني بهندسة مثل هذه الدبلوماسية للانتقام أو للابتزاز .

و من جهتها ، بادرت الصين آنذاك و عند اتخاذها قرارها الاستراتيجي بالتقارب مع الولايات المتحدة إلى محاولة تهدئة الموقف مع السوفييت عن طريق فتح حوار متقطع مع السوفييت حول مشاكل الحدود .

و مع تقدم المسيرة الاميركية الصينية نحو التقارب ، قام الاميركيون بفتح أقنية الاتصال مع بريجنيف عن طريق رسالة من نيكسون في آب - أغسطس 1971 إلى الزعيم السوفييتي ، حددت العوامل الاساسية في الموقف الاميركي من العلاقات مع السوفييت و اشارت إلى ان المشاكل المعلقة تحتاج إلى حلول محددة اهمها ، اتفاقية تحديد انتشار الاسلحة النووية (( سالت )) ، و ان الاميركيين سوف يتابعون جهودهم لتطبيع العلاقات مع الصين ، لا كسياسة موجهة ضد السوفييت ، بل سعياً وراء نظام دولي مستقر ، و كان الجواب السوفييتي عن ذلك هو توجيه دعوة لنيكسون لزيارة موسكو في حزيران - يونيو 1972 و الترحيب بظاهرة  إقامة علاقات طبيعية بين بكين و واشنطن ، مع التحفظ بأن الحكم النهائي على هذه المسألة يتوقف على طبيعة تطور هذه العلاقات .

و عندما تمت زيارة نيكسون لموسكو ، كانت العلاقات الصينية الاميركية قد حققت تقدما نوعياً ، بما في ذلك زيارة نيكسون التاريخية لبكين ، و مع هذا اعلن السوفييت وجهة نظرهم كالتالي : ان نيكسون يذهب لبكين لحضور الولائم ، بينما يحضر لموسكو لأغراض العمل الحقيقي ، و في الوقت نفسه ، حاولت موسكو البرهنة لبكين بأن الخيار الاميركي امامها غير قائم ، فقامت بحشد القوات على الحدود و أقدمت على المزيد من التقارب مع واشنطن .

الدبلوماسية المثلثة الأطراف (Triangular  Diplomacy )  التي أخترعت بداية الستينات مع تدهور الوضع الاميركي في فيتنام والذي بدأ دعا اليها ريتشارد نيكسون في مقال هام له عام 1967 نشره في مجلة فورين أفيرز الى الإنفتاح على الصين الشعبية التي لم تكن تعترف بها بعد وذلك بالرغم من أن سلفه في الترشيح للرئاسة الأميركية عن الحزب الجمهوري باري غولد روتر كان قد طالب قبل ذلك بثلاث سنوات فقط بقصف الصين بالأسلحة النووية ، وخلال سنة واحدة من نشر هذا المقال دعا نيلسون روكفلر نائب الرئيس نيكسون (( الى إقامة علاقات ذكية ثلاثية الأطراف بين واشنطن وبكين وموسكو لتحسين إمكانيات التفاهم - عن طريق تلبية المطالب المتبادلة - مع كل منهما في الوقت الذي نزيد فيه من خياراتنا إزاء الطرفين )) طبعاً في ذلك الوقت كان ميزان القوى بدأ يتحول لصالح السوفيت وكان هناك تفاقم للصراع الصيني والسوفيتي وكانت الاخيرة حساسة جدا لتحسين واشنطن العلاقات مع الصين وكانت تعتبر ذلك موجهاً ضدها وكانت ايضا سياسة الوفاق بين موسكو وواشنطن لم تكن تروق لبكين وان السوفيت قامت وقتها بحشد القوات على الحدود مع الصين والمزيد من التقارب مع واشنطن .

وبالطبع فان ذلك استوجب الكثير من المحادثات و الشرح في سياق العلاقات الاميركية - الصينية ، اذ إن سياسة الوفاق بين موسكو و واشنطن لم تكن ترووق لبكين .

لقد اوضح الاميركيون أن لهم مصلحة مشتركة مع الصين في منع الاتحاد السوفييتي من الإخلال بالتوازن الدولي عن أي طريق ، بما في ذلك هجوم سوفييتي على الصين و بالمقابل ، ليس للأميركيين مصلحة في عداء دائم مع موسكو ما لم تخل بالتوازن الدولي ، على اعتبار أن على الدولتين العظميين التخفيف من احتمالات الصدام النووي .

و يقول هنري كيسنجر في مذاكرته عن الموقف آنذاك ، (( ربما كانت بكين تفضل وجود نمط مبسّط من الخصومة بين واشنطن و موسكو ، إذ ان في ذلك تقوية لوضعها التفاوضي ، اما بالنسبة لنا فقد كان الوضع أكثر تعقيداً ، فقد كان علينا أن نبرهن للكونغرس و للحلفاء بأننا لسنا سبب الصدام ( بين موسكو و بكين ) .

و أن ظهورنا بمظهر الراغب في التهدئة يقّوي من قدرتنا على جذب المساندة لعمل فعال خلال الازمات  لقد كنا على استعداد لمجابهة التوسع السوفييتي ( على حسب الصين ) ، إلا أنه لم يكن بمقدورنا إغلاق خيار تحقيق انفراج دولي مع موسكو .

و من هنا كنا حريصين على اطلاع بكين على أهدافنا ، و كنا نطلعها بالتفصيل على خطواتنا منعاً لخلق انطباع بوجود شراكة لتقاسم النفوذ ( العالمي ) بيننا و بين السوفييت ، و لكن دون أن نعطي للصين الحق في نقض قراراتنا بالنسبة للتقارب مع موسكو ، تماماً كما كنا نرفض إعطاء أي حق لموسكو بالاعتراض على علاقاتنا مع الصين .

و لو ظهرنا بمظهر المتردد أو الميال للسوفييت لكنا قد دفعنا بكين في اتجاه التقرب من الاتحاد السوفييتي ، و لو أبدينا انحيازاً لبكين ، لكنا قد زدنا من إغراء السوفييت بشن هجوم استباقي على الصين و لواجهنا وضعاً دولياً خطيراً )) .

و من الواضح أن الاعتبارات الاساسية لاستحداث الدبلوماسية الثلاثية الاطراف ، و كذلك ارتكازاتها ، ما زالت قائمة منذ ابتداعها في عهد ولاية نيكسون الأولى ، الا أنه بقدر ما يميل التوازن الدولي في اتجاه السوفييت ، فإن الولايات المتحدة سوف تزيد من ميلها نحو تقوية الصين عسكرياً و إدخالها كعامل أكثر أهمية و تأثيراً في المعادلات الدولية التي من شأنها أن تؤمّن ما تسميه الدول الكبرى بالاستقرار الدولي ، و الذي يعني حقيقة توازن مجموع القوى المتقابلة دولياً .

و مع أن الدبلوماسية  الثلاثية الاطراف أخذت معنى دقيقاً و محدداً عندما قرنت منذ البدء بالعلاقة بين واشنطن و موسكو و بكين ، الا أنه بمقدورنا أن نتصور كيف يمكن تطبيق المبادىء و الاساليب التي اقترنت بقيام هذا المثلث المتوازن بدقة و براعة و عن طريق البناء المتدرج ، على حالات أخرى ، و ربما لأهداف مختلفة ، و لكن انطلاقاً من أسس مشتركة و أساليب متشابهة .

و في عام 1978 خطت العلاقات الأميركية – الصينية خطوة كبيرة نحو (( التطبيع )) ، عند ما عقدت اتفاقيات تجارية فتحت مجالات استيراد التكنولوجيا الأميركية المتقدمة الضرورية لتحديث الصين و كذلك تصدير المنتجات الصينية إلى الولايات المتحدة ، و تبع ذلك منح تسهيلات و اذون تصدير خاصة لبعض المنتجات الاكترونية المتقدمة التي تشكل عملياً تخلياً أميركياً عن (( المعاملة المتماثلة )) في العلاقات مع بكين و موسكو ، إلا أن الحديث الذي أثّر بشكل جذري على الدبلوماسية المثلثة الأطراف كان التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان ، الأمر الذي اعتبرته واشنطن بمثابة إخلال خطير في موازين القوى الدولية يستوجب تعديلاً في التحالفات الدولية لاحتوائه و حصاره آثاره المستقبلية ، و قد قام وزير الدفاع الأميركي هارولد براون برحلة إلى بكين في مطلع 1980 ، أي بعد أسابيع من المبادرة العسكرية السوفييتية في أفغانستان حيث أعلن عزم الولايات المتحدة على (( إتخاذ إجراءات موازية )) للتدخل السوفييتي ، و عندما زار وزير الدفاع الصيني واشنطن استقبله الرئيس كارتر بحفاوة في البيت الأبيض و أعلن فيما بعد عن قرار الولايات المتحدة تزويد الصين بأسلحة و معدات تكنولوجية حديثة و تم تسريب أخبار عن احتمالات إعطاء الصين في المستقبل طائرات ف – 15 و ف- 16 ، بل و حتى صواريخ كروز (( الجوالة )) ، و هي من أشد الأسلحة الأميركية الاستراتيجية فتكاً .

و من هنا جاء إعلان ريتشارد هولبروك مساعد وزير الخارجية الأميركية لنهاية الدبلوماسية المثلثة الأطراف بمثابة تحصيل حاصل . (( إن الدبلوماسية الثلاثية الأطراف ، التي سادت السبعينات ، لم تعد تشكل إطاراً مناسباً للعلاقات مع الصين )) .

و مع أن الكثير من السياسيين الأميركيين سوف ينصحون بالتحول التدريجي الحذر عن تلك الدبلوماسية ، فإن تغيراً جذرياً و دائماً قد طرأ على العلاقات بين واشنطن و بكين ، فعداء الخمسينات تحول إلى قطيعة في الستينات ، فالتطبيع في السبعينات ، فالصداقة عام 1980 التي تتجه نحو التحالف التدريجي و الحذر وسط جهد الأطراف المعنية لنفي ذلك إلى حين إحكام حلقاته .

و من شأن ذلك التطور أن يقيم دبلوماسية مثلثة بين أطراف جديدة مثل واشنطن و بكين و طوكيو و لكن بآفاق و أهداف جديدة تأخذ في عين الاعتبار واقع التغير في القوة العسكرية و الاقتصادية الأميركية ، و نمو مراكز قوة  جديدة في اليابان و أوروبا الغربية و دول اوبيك إضافة إلى الصين .

المصدر : موسوعة السياسة – الجزء الثاني – ص : 672- 669