إدارة الأزمات.... العراق نموذجاً

الحلقة الاولى

 

عبد الاله البـلداوي    

 

1- المقدمة:

إن جذور المخاطر الأمنية تقبع في الأزمات السياسية التي لم تحل بعد والتي تقع على عاتق الكتل السياسية في العراق،

واحدة من هذه المخاطر تآكل بنية الدولة، وبالتالي إنهيارها بأكملها، والأقتتال الطائفي يفتح المجال أمام الجماعات المسلحة والجهات الفاعلة من غير الدولة بدعم الإرهاب والجريمة المنظمة والفساد وتجارة البشر والمخدرات،  وبذلك فإنها لا تزعزع الاستقرار في محيطها المباشر وحسب وإنما تتعدد أوجه مساسها أمن الشعوب في الدول المجاورة للعراق ومن ثم أمن المجتمع الدولي

الفقر والتخلف والجهل والعوز والفتنة والأمراض والتعليم المحدود وندرة الموارد وتدهور البيئة والكوارث الطبيعية والنمو السكاني والتطرف والجريمة المنظمة والبطالة، كل هذه الأمور تشكل أرضاً خصبة لنشوء الأزمات، كما تمثل بذرة النزاعات وعدم الاستقرار في كثير من الأحيان.

إذا مانظرنا للمخاطر التي تحيط بالشعب العراقي حالياً لوجدنا أنه يتعين على الحكومة العراقية والولايات المتحدة الأمريكية أن تفكرا بجدية في الأمن في العراق

إن أغلب الأزمات والنزاعات المعاصرة لها من الأسباب ما لا يمكن احتواءه  عن طريق مفاهيم الأمن العسكري التي تكفل الأمن في البلاد، فالخطوط الفاصلة بين مفاهيم الحرب والسلم، السياسة الداخلية والخارجية، ما هو عسكري وما هو مدني، السياسة والاقتصاد تفقد وضوحها حتى على الصعيد الجغرافي، فالأمن يتخطى مرجعياته المحلية والإقليمية المعهودة، والحدود لم تعد قادرة على أن تكفل الحماية، فالتهديدات أصبحت متداخلة.

انهيار الدولة والتخلف والفقر والتشريد أو تدمير مقومات الحياة هي أمور لهل أثر يحاكي أثر التوترات الجيولوجية التي تسبق وقوع الكارثة. إنها تتكون تحت السطح ثم تتفجر في صورة موجات عنف تخرج عن نطاق السيطرة  فتضرب مناطق من العراق بطريقة مخيفة، لقد ظهر طفح العنف الإرهابي الذي يحتقر الإنسانية في العراق على ايدي أزلام النظام السابق والتكفيرين، بينما تكمن أسبابه في التخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وكذلك في النعرات الدينية والمذهبية.

إن المهمة المحورية على صعيد السياسة الأمنية في العراق هي إعادة صياغة إدارة الأزمات.

لن يمكننا مواجهة المخاطر الأمنية بشكل كامل ومستمر إلا إذا تعاملنا مع مسبباتها بشكل وقائي وبصورة شاملة، كذلك فإن مقاومة الإرهاب لا يجب أن تقتصر على أعمال الاحتواء العسكري، بل الأهم هو أن تضرب منابع الدعم المادي والبشري واللوجستي للأرهابيين.

إن الهدف الرئيس من سياسة أمنية شاملة هو منع نشوب أو الحد من شدة النزاعات العنفية وخلق استقرار مستدام في البنى الاجتماعية عقب الأزمات عبر اجراءات وقائية، وهنا يكون للتغلب على الأزمات والنزاعات بالوسائل المدنية دوراً هاماً، والمطلوب هو استراتيجيات كلية يتم تنسيقها على المستوى المحلي والأقليمي والدولي ويتم وضعها بما يتناسب مع كل موقف، على أن تقوم هذه الاستريجيات بالربط بين الوسائل المختلفة وبالأخص السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية والأعلامية والتنموية والمالية والاقتصادية والبيئية والثقافية والقانونية.

كما أننا في حاجة إلى أطروحات حلول سواء كانت فردية أو مؤسساتية أو جهوية وتنسيق يتم بعناية بين الوسائل العسكرية والمدنية، غير أن الوسائل العسكرية يبقى لها أهمية كبيرة في خلق وحفظ السلام، ولكنها تبقى كشرط ضروري لا يكفي وحده أبداً لتحقيق أمن شامل.

فالمزج بين القدرات المدنية والعسكرية في السياسة الأمنية العراقية مطلوبة وبحاجة ماسة، وبذلك يتمتع بآلية شاملة ويغطي نقصاً في عمل وفي قدرات إدارة الأزمات العراقية.

ينبغي الاعتراف بأن عالم اليوم هو عالم الأزمات لأسباب تتعلق بالتغييرات الكثيرة التي حدثت في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والسكانية والبيئية والتي أثرت في حياة الإنسان داخل الكيان الاجتماعي والتنظيمي، فقد أصبح من المعروف بأن التحدي الكبير الذي يواجه الحكومة العراقية يتحدد بسلسلة من الأزمات التي تختلف في طبيعتها وحجمها وعوامل تحريكها مؤدية إلى خلق الصعوبات والمشكلات وإحداث الانهيارات في القيم والمعتقدات والممتلكات، لذا فإن مواجهة الأزمات والوعي بها يعد أمراً ضرورياً لتفادي المزيد من الخسائر المادية والمعنوية.

أن إدارة الأزمات يحتاج الى إدارة أخلاقية وأن فريق عمليات الأزمات عليه ان يلتزم في جميع أعماله بالأخلاق والقيم والمثل العليا للمجتمع، وهو بعكس الفرق الخاصة بصنع الأزمات التي لا تلتزم بهذه القيم والمثل، وتمارس أعمال قذرة وبشعة من اغتيالات وخطف وسرقات وفضائح مالية وغيرها.

تُعتبر الأزمة لحظة حرجة وحاسمة تتعلق بمصير الحكومة الذي تُصاب بها، ومشكلة تمثل صعوبة حادة أمام صاحب القرار في الحكومة التي تجعله في حيرة بالغة، فيصبح أي قرار يتخذه داخل الحكومة مضطرباً وغير مدروس إذا لم يخرج عن طريق غرفة عمليات الأزمات.

كما أن الأزمة تعبر عن موقف وحالة يواجهها صاحب القرار في الدولة تتلاحق فيها الأحداث وتتشابك معها الأسباب بالنتائج، ويفقد معها صاحب القرار قدرته على السيطرة عليها أو على اتجاهاتها المستقبلية، إذ تعتبر الأزمة تحدياً وصراعاً بين صاحب القرار وبين القوى الصانعة للأزمة مرافقة لقلق أو قوى ضاغطة وتهديد أمن كيان الدولة.

نحن نسمع و نقرأ  يومياً في وسائل الإعلام كلمة  أزمة،  ذلك لا يعود إلى رغبة الصحافة في اكتشاف الأمور غير العادية بل يظهر أن الوقائع التي يعيشها العالم اليوم والعراق على وجه الخصوص فاخرة بأزمات شتى،  وتلتقي الأزمات في جميع المجالات.

فعلينا ان نتساءل ماهو الميدان الذي لم يواجه أزمة ؟ ثمة أزمات سياسية و اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية و سكانية و....... تحدثنا وسائل الإعلام كل يوم عن أزمات المشتقات النفطية في العراق وأزمات الرهائن أو أزمات الأدوية ونظام الصحة أو أزمات الخدمات و..... والحقيقة أننا نعيش في عالم تقوده الأزمات والأوضاع الخطيرة التي تتطلب من الحكومة العراقية ودول الجوار وقوات التحالف التوجه نحوها والأهتمام بها وحلها.

ما هو نوع الأزمات التي تعصف في العراق ؟ هل هي أزمات سياسية، دينية، إقتصادية، أمنية، مالية، بيئية، أخلاقية ؟ والجواب ان لم نقل كلها فأغلبها.

اذن ما هي الأزمة الكبرى في شبكة الأزمات التي تعصف بالعراق كل يوم، إن حاولنا رسم ترتيب حجم وخطورة الأزمات في هذا الاتجاه ؟

أعتقد أن أخطر الأزمات في أيامنا هذه، هي التي يواجهها العالم في العراق، هي أزمة تدهور الأمن فيه، لأنها أطول أزمة لطول وقتها وأصعبها نظراً لغياب الحلول الملموسة.

هل يمكننا أن نتساءل عما سيحدث في العراق بعد انسحاب قوات التحالف من هناك ؟ هل توجد خطة لفترة ما بعد الانسحاب ؟ هل يوجد حلّ بوسعنا اللجوء إليه ؟

بطبيعة الحال، لا ينكر أحد الدور الذي يلعبه الحظ في الأحداث التاريخية، ومن ناحية أخرى، إن تقدم العراق مرهون بحل الأزمات التي يتعرض لها اليوم، وإلا فسوف يتحول الى غابة.

اذن كيف تنجح الحكومة العراقية في حل هذه الأزمات، والحكومة مقيدة اليدين من قبل قوات التحالف وعدم تعاون وانسجام من قبل الكتل السياسية الداخلة في العملية السياسية معها، بالإضافة الى ضعف في كفاءة أغلب وزرائها وفي مستشاريها، والنقطة المهمة فقدان ثقة الشارع العراقي بها، حيث وصل الانسان العراقي الى حالة من اليأس والأحباط تجاه الوعودات التي قطعتها الحكومة على نفسها.

ان فشل قوات التحالف وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا في حل أزمة الأمن في العراق، التجأت الدول الأقليمية وخصوصاً دول الجوار للعراق للتدخل في مساعدة العراق في حل أزماته، لكن لسوء الحظ، لا توجد في هذا الوقت دولة إقليمية قوية بوسعها التدخل في حل الأزمات، أما ماموجود حالياً فتزيد في الطين بله.  

لو كان الانسان العراقي على مقدرة من الوعي ويحب وطنه ويخاف الله ولاتأخذه في الله لومة لائم لما تركنا حل أزماتنا بيد غيرنا.

*باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:المثقف السياسي