الحزب "الديمقراطي" الأميركي... أجندة مختطفة وخطة جديدة

 

جاكسون ديل

 

الحزب "الديمقراطي" الأميركي حافل بمجموعة متميزة من السياسيين الذين يؤمنون بأن مهمة الولايات المتحدة في العراق يجب أن تستمر وتنجح، ويريدون تكثيف الجهود الأميركية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير، فضلاً عن اقتناعهم بضرورة زيادة حجم الجيش وتطويره لخوض حربه الطويلة ضد التطرف الإسلامي. وليست مشكلة هؤلاء "الديمقراطيين" الوحيدة أن العديد من الناس لا يعرفون شيئاً عن وجودهم، بما في ذلك "الجمهوريون" والمستقلون، أو أن المتشددين داخل الحزب "الديمقراطي" سيعملون على طردهم إذا علموا بوجودهم، بل تتمثل مشكلتهم الأساسية في كيفية استرجاع ما يعتقدون أنه أجندة "ديمقراطية" بالأساس وإنقاذها من الخراب الذي تسببت فيه إدارة الرئيس بوش حتى يتمكن الرئيس المقبل للولايات المتحدة من استخدامها أحسن استخدام.

وبالطبع عندما أتحدث عن هؤلاء السياسيين في الحزب "الديمقراطي"، فإنني لا أقصد بعض الأصوات المتشددة مثل عضو الكونجرس "نانسي بيلوسي" التي تطالب بالانسحاب الفوري من العراق بصرف النظر عن النتائج، أو "هاري ريد" عضو مجلس "الشيوخ" الذي نشر مؤخراً بياناً تحت عنوان "خطة ديمقراطية لحماية أميركا واسترجاع قيادتها للعالم"، لم تشر قط إلى كلمة ديمقراطية. إن ما أعنيه هو ذلك التحالف الذي يتشكل في معظمه من خبراء في الشؤون الخارجية الذين تقلدوا مناصب متوسطة في وزارة الخارجية، أو مجلس الأمن القومي خلال فترة الرئيس كلينتون، والذين أمضوا السنوات الأخيرة منهمكين في بلورة رد فعل يعكس مبادئ الحزب "الديمقراطي" لحقبة ما بعد 11 سبتمبر، وعدم الاكتفاء بإمطار إدارة بوش بالانتقادات حول سياسته في العراق. وقد شرع هؤلاء السياسيون في الانجذاب إلى بعض أعضاء الحزب "الديمقراطي" الذين ينتمون إلى تيار "الوسط"، لاسيما المرشحون الأوفر حظاً لخوض الانتخابات الرئاسية لسنة 2008 مثل الحاكم السابق لولاية فيرجينيا "مارك وورنر"، والسيناتور "إيفان راين" من إنديانا، أو حاكم آيوا "توم فيلساك".

ولبسط وجهة نظرهم قاموا خلال الشهر الجاري بنشر كتاب مهم يوضح الخطوط العريضة للسياسة الخارجية التي يتعين أن تتسم بها الحملات الانتخابية للمتنافسين "الديمقراطيين" في الانتخابات الرئاسية المقبلة. والكتاب الذي رعاه "معهد السياسات التقدمية" الذي انبثق بدوره عن المجلس "الديمقراطي" للقيادة يحمل عنوان "بكل قوتنا: استراتيجية تقدمية لدحر الجهادية والدفاع عن الحرية". وعلى غرار أغلب مؤلفي الكتاب يرى المحرر "ويل مارشال"، أحد مؤسسي "المجلس الديمقراطي للقيادة" ومدير معهد السياسات التقدمية أن مهمته هي بعث الحياة من جديد في السياسة الخارجية للرئيسين السابقين "هاري ترومان" و"جون كنيدي" اللذين صاغا سياسة الحزب "الديمقراطي" إزاء التهديد الشمولي للشيوعية. وبالنسبة لـ"مارشال"، لا تختلف "الجهادية الإسلامية" كثيراً عن الشيوعية، لذا فهي تستدعي ممارسة الجهد الفكري ذاته، معتبراً أن "الديمقراطيين كانوا دائماً في أفضل أحوالهم عندما دافعوا عن القيم الديمقراطية في وجه الأيديولوجيات غير الليبرالية"، كما أخبرني مارشال نفسه الأسبوع المنصرم، مضيفاً "وعندما نشرع في القيام بذلك، فإننا سنستقطب الرأي العام ليس في الداخل فقط، بل حتى في العالم".

وحسب "مارشال"، تشكل الشعبية المتدنية للرئيس بوش والحزب "الجمهوري" الفرصة الأولى لـ"الديمقراطيين" منذ 11 سبتمبر "لعرض وجهة نظرهم في مجال الأمن القومي". بيد أن المفارقة تكمن في توظيف بوش وأركان إدارته للمبادئ الأساسية ذاتها التي تضمنتها السياسة الخارجية للرئيسين ترومان وكنيدي، لاسيما فيما يتعلق بالترويج للحرية في العالم. ويبدو أن بوش اختطف من الحزب "الديمقراطي" مبدأ نشر الديمقراطية الذي كان سائداً بين صفوف قاعدة الحزب، حيث أظهر استطلاع للرأي أجري مؤخراً أن الديمقراطيين أصبحوا يعارضون دعم الديمقراطية في العالم بنسبة 50 إلى 43%، في حين يؤيدها "الج التجنس.. مجرد خطوة نحو الاندماج مهوريون" بهامش يتراوح ما بين 76 و19.

وفي هذا السياق يدعو مارشال "الديمقراطيين" إلى البدء باسترجاع أرضية الحزب مقترحاً بهذا الخصوص سلوك طريقين أساسيين أولاً: فضح الجرائم التي ارتكبتها إدارة بوش في جوانتانامو و"أبوغريب"، فضلاً عن السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية، ثم استعادة سمعة أميركا كراعية لحقوق الإنسان في العالم وكمدافعة أولى عنها. وثانياً عبر الكف عن ممارسة الازدواجية في التعامل مع الديمقراطية كمحاولة فرضها على بعض الأنظمة في الشرق الأوسط مثل سوريا وإيران، في مقابل التغاضي عن غيابها في دول شرق أوسطية أخرى. وعلى سبيل المثال اقترح "كينيث بولاك"، وهو أحد المشاركين في تأليف الكتاب المذكور سلفاً، وكان مسؤولاً سابقاً في "مجلس الأمن القومي" ضرورة قيام الإدارة "الديمقراطية" المقبلة بربط المعونات السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى مصر والمقدرة بملياري دولار بتبنيها "لخطة على المدى الطويل تجري خلالها التغييرات السياسية والاقتصادية المطلوبة". غير أن "بولاك" وزملاءه "الديمقراطيين" يقرون، مع الأسف، بأنه لن يكتب النجاح للسياسات الليبرالية في الشرق الأوسط إذا ما فشلت المهمة الأميركية في العراق. وبينما يختلف "الديمقراطيون" فيما بينهم حول غزو العراق وما إذا كان خطأً أم لا، يتفق مؤلفو الكتاب على أن المصلحة الوطنية والشرف القومي يحتمان "عدم التخلي عن الشعب العراقي وتركه نهباً للفوضى والعنف الطائفي".

وأخيراً يقول المؤلفون الديمقراطيون في كتابهم: "لا تبرر إساءة تصرف الرئيس بوش وأركان إدارته في مختلف جوانب إعادة إعمار العراق بعد الحرب التعجيل بالانسحاب، بل علينا أن نعبئ الرأي العام الأميركي للبقاء فترة أطول وتعزيز وجودنا، فضلاً عن مواصلة جهود إعادة الإعمار". والأكثر من ذلك يقترح المؤلفون بناء علاقات قوية مع مؤسسة الجيش الذي يهيمن عليه "الجمهوريون"، وإعادة إحياء حلف شمال الأطلسي وتجديد دور الأمم المتحدة، علاوة على وقف سياسة خفض الضرائب التي سنها بوش من أجل تحديث الجيش. لذا لا تستغربوا إذا سمعتهم بهذه الأفكار تتردد في الانتخابات الرئاسية المقبلة ضمن البرامج الانتخابية للمرشحين "الديمقراطيين".

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-24-5-2006