رؤية مجموعة الأزمات الدولية للخروج من المأزق النووي الإيراني

 

بقلم علي حسين باكير

 

يعترف التقرير أنه ليس ثمّة مخرج سهل للمعضلة النووية الإيرانية. فإيران مصرة على تطوير قدراتها لتحقيق دورة الوقود النووي كاملة بما فيها القدرة على تخصيب اليورانيوم مستندة إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، من بينها عدم شعورها بالأمان من جهة، بالإضافة إلى حسها القومي العالي من جهة أخرى .

أصدرت مجموعة الأزمات الدولية ICG، وهي ـ كما تعرف عن نفسها ـ منظمة مستقلة غير ربحية، ومتعددة الجنسية يعمل فيها مائة باحث من القارات الخمس، ومقرها الرئيس في بروكسل، ولها مكتب إقليمي في عمان، وتتلقى تبرعات وهبات من الحكومات والمؤسسات الخيرية والشركات والأفراد، والحكومات الغربية، أصدرت تقريرا جديدا لها عن الملف النووي الإيراني مؤخرا بعنوان:

"إيران: هل من مخرج للمعضلة النووية"، ويحمل الرقم 51 في قسم الشرق الأوسط.

يتألف التقرير من 37 صفحة موزعة على ملخص تنفيذي و7 فصول، ويحاول أن يعرض مخرجا لمأزق الملف النووي الإيراني، ويطرح خيارين دبلوماسيين، يأمل أن يتم الاتفاق بين الأطراف على أحدهما، عارضا لمتطلبات ونتائج كل خيار. وأهم ما جاء فيه:

يعترف التقرير أنه ليس ثمّة مخرج سهل للمعضلة النووية الإيرانية. فإيران مصرة على تطوير قدراتها لتحقيق دورة الوقود النووي كاملة بما فيها القدرة على تخصيب اليورانيوم مستندة إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، من بينها عدم شعورها بالأمان من جهة، بالإضافة إلى حسها القومي العالي من جهة أخرى. ويشجعها الوضع في العراق وأسعار النفط المرتفعة على المضي قدما في مشروعها دون خوف.

تعترف معظم الدول في حدود معينة بحق إيران في تطوير الطاقة النووية السلمية في إطار معاهدة منع الانتشار النووي، لكن هذه الدول لديها مخاوف و هواجس من إمكانية قيام إيران فور تحقيقها القدرة على تخصيب اليورانيوم بإنتاج أسلحة نووية، خاصة أن نقص الشفافية لدى الجانب الإيراني في السابق ودعم إيران للمجموعات المسلحة في الشرق الأوسط وتصريحات الرئيس الإيراني النارية، تعزز هذه المخاوف والهواجس.

لقد أخفقت الدبلوماسية الأوروبية حتى الآن في إقناع إيران بالتخلي عن طموحها فيما يخص دورة الوقود الكاملة. مجلس الأمن من جهته أيضا لا يبدو مستعدا بما فيه كفاية لاتخاذ عقوبات قاسية ضد إيران من شأنها أن تثنيها عن طموحها، بالإضافة إلى أن خيار الهجمات الوقائية خيار خطير وغير مثمر أيضا.

يبقى في هذه الحال سيناريوهان غير المفاوضات، السيناريو الأول، وهو بلا شك مغر أكثر للمجتمع الدولي، خيار "اللاتخصيب نهائيا": لكي تقبل إيران بالتخلي عن حقها في تخصيب اليورانيوم، يجب أن يتم تزويدها عبر مصدر دائم ومضمون، وهنا يأتي دور المقترح الروسي. ويبدو أن طهران يبدو أنها لا ترفض هكذا حل لكن شريطة أن لا يكون هذا الطرح تقييدا لها على المدى الطويل، وبطبيعة الحال لكي تقبل فانه يجب على الولايات المتحدة أن تقدم المزيد من الحوافز في الوقت الحاضر.

أما إذا ثبت أن هذا الخيار لا يمكن التوصل إلى اتفاق بشأنه "كما يبدو حتى الآن"، فإن الخيار الدبلوماسي الواقعي الوحيد المتقي، هو خيار "تخصيب محدود ومقيد"، يتم الاتفاق على ضرورة تأخير البدء فيه. وضمن هذا العرض يوافق المجتمع الدولي بشكل عام والغرب بشكل خاص على حق إيران في الطاقة النووية السلمية وحتى بتخصيب اليورانيوم داخليا، لكن شرط أن يكون هذا التخصيب مقيدا ومحدودا وأن لا يتم البدء فيه إلا في وقت لاحق، وفي المقابل يجب على إيران أن توافق على تأخير مدته عدة سنوات، وقبول قيود كبيرة على الحجم والمحال، وكذا نظام تفتيش داخلي صارم ومفاجئ وتدخلي.

بالتأكيد، سيكون هناك اعتراض متبادل من كل الأطراف على هذا الخيار وهذه الخطة. إذ سيعتبر الغرب أن هذه الخطة ستتيح لإيران تخصيب اليورانيوم على أراضيها، والوصول الى دورة كاملة للوقود النووي مع ما يحمله ذلك من إمكانية أن تقوم إيران بخرق معاهدة الحد من الانتشار النووي وامتلاكها للأسلحة النووية. فيما ستعتبر إيران أن هذه الخطة ستحد من حريتها وخياراتها، وستفرض شروطا عليها فيما يتعلق بالتخصيب والتفتيش، وهو ما لا يناسبها على الإطلاق.

لكن وعبر الإغراءات المعتبرة "سياسة الجزرة" خاصة الأمريكية، وعبر التهديدات القوية "سياسة العصا" الأوروبية، من المتوقع نجاح مثل هذا الخيار، سيما إذا تم تطبيقه بشكل سليم على أن يتم إعطاء الحوافز الملائمة في حال التجاوب الإيراني، وتطبيق العقوبات الذكية في حال التعنت أو الرفض.

هذه التسوية المقترحة لا تأتي كحل وسط بين الوضع الهش الحاصل حاليا وبين ما تتمناه الدول من أن تكون مرتاحة كليا، ولا يجب مقارنتها لا بالحالة الأولى ولا بالثانية، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن السيناريو الأرجح في حال فشل الخطوات الدبلوماسية، هو السيناريو المطابق لحالة كوريا الشمالية، وهي بالتأكيد حالة غير صحية على الإطلاق مع إمكانية إنتاج أسلحة نووية دون إشراف دولي على الإطلاق، مع توقع حصول هجمات وقائية على إيران، كما حصل في الحالة العراقية، وهو ما سيكون له آثار ونتائج على الصعيد العالمي متجاوزا التداعيات الإقليمية بشكل كبير.

وقد أصدر التقرير عددا من التوصيات فيما يخص الخيارين المطروحين، على أمل أن يؤدي ذلك للوصول إلى حل، وقد جاء أبرزها على الشكل التالي:

- فيما يتعلق بخيار "اللاتخصيب نهائيا":

1- على إيران، الاتحاد الأوروبي وروسيا، بدعم من الولايات المتحدة، الموافقة على الاقتراح الذي تلتزم إيران بموجبه منع أية عمليات تخصيب لليورانيوم على الصعيد الداخلي، والخضوع لنظام تفتيش صارم وقوي، وتحصل بالمقابل على ضمانات دولية أكيدة بتزويدها بما تحتاجه من الوقود، ويسمح لها بالدخول الى التكنولوجيا النووية المتطورة والاطلاع على المعلومات المتعلقة بها، كل ذلك مدعوم بضمانات أمنية أمريكية وعمل على رفع تدريجي للعقوبات الأمريكية واستئناف العلاقات الدبلوماسية الطبيعية مع أمريكا.

2- في المقابل، تقوم الولايات المتحدة على ضوء قبول إيران لهذا المقترح بالإعراب عن استعداداها لـ:

أ‌ـ أن تلتزم بعدم استعمال أو التهديد باستعمال القوة ضد إيران.

ب ـ أن تمتنع عن التدخل في ما تستورده إيران من التقنيات والمواد النووية للأغراض السلمية، طالما أنها تبقى تحت قيود معاهدة الحد من الانتشار النووي.

ت‌ ـ دعم أية حوافز اقتصادية أوروبية إذا اقتضت الحاجة، وتأييد انضمام إيران إلى منظمة التجارة العالمية خاصة.

ث‌ ـ الإقرار والاعتراف بدور إيران الإقليمي، والانخراط في محادثات مع طهران حول إعادة إعمار العراق ومستقبله السياسي.

3- على الولايات المتحدة، وفي حال قيام إيران بالخطوات المطلوبة فيما يخص مخاوف أمريكا (بما فيها دعم المجموعات المسلحة والميليشيات)، أن تقوم بـ:

أ‌. الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة الأمريكية.

ب‌. رفع العقوبات.

ت‌. استئناف العلاقات الدبلوماسية.

- فيما يتعلق بخيار "التخصيب المحدود والمقيد والمؤجل":

1- على الاتحاد الأوروبي أن يبلغ إيران أنه مستعد للاعتراف بحقها في الحصول على دورة الوقود الكاملة، استنادا إلى البند الرابع من معاهدة منع الانتشار النووي إذا التزمت إيران بوقف استئناف التخصيب حاليا، والتزمت بما ينص عليه البروتوكول الإضافي الموقع من قبلها، واستأنفت المفوضات فيما يخص التطبيق المرحلي لقدرات التخصيب، وفق قواعد المجتمع الدولي وتحت إشرافه.

2- تقوم إيران والاتحاد الأوروبي بدعم من الولايات المتحدة، روسيا، الصين بالموافقة على خطة من ثلاث مراحل فيما يتعلق بالتخصيب المقيد والمحدود، تنص على :

أ‌- المرحلة الأولى (مدّتها سنتين الى ثلاث سنوات) يتم خلالها :

• تستمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالمراقبة الكاملة والشاملة لجميع نشاطات إيران ذات الصلة، للتأكد من أنها تتطابق مع الشروط التي تؤدي إلى نشاطات نووية سلمية ومسموح بها.

• تعلّق إيران جميع عمليات التخصيب على أراضيها، وتجمد المصانع ذات الصلة وأجهزة الطرد المركزي و التي ستختم بأجمعها بختم الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوضع تحت إشرافها، وتصدق على البروتوكول الإضافي وتعلق المنشآت المتعلقة بالمياه الثقيلة وأنشطة فصل البلوتونيوم.

• يعترف الاتحاد الأوروبي بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، ويبدأ بالتعاون معها وفق هذا الأساس في القضايا التجارية ذات الطابع غير العسكري، ويتوصل معها الى اتفاقات تجارة وتعاون يشجع بموجبها الاستثمار في إيران في قطاع الغاز، ويتم السماح للمزودين الأوروبيين بالمشاركة في بناء و/أو اقتناء محطّات الطاقة النووية الإيرانية.

ب‌- المرحلة الثانية (مدّتها ثلاث الى أربع سنوات) يتم خلالها:

• تواصل الوكالة الدولية للطاقة الذريّة متابعة عملها وإشرافها المباشر وفقا للاتفاقيات وللبروتوكول الإضافي، حتى تصل إلى قناعة مفادها أن ليس هناك أية مواد أو نشاطات غير مصرح بها.

• تباشر إيران إجراءات تخصيب يورانيوم على مستوى منخفض وتحت مراقبة مباشرة على أراضيها وعبر أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول القديم على الأرجح، على أن لا تزيد نسبة التخصيب عن 5% بجميع الأحوال، وهي كافية لأغراض البحث والتطوير، ويتم تخزين اليورانيوم المخصب إما خارج البلاد وإما أن يتم تحويله إلى قضبان وقود، في حين سيتم لف جميع أجهزة الطرد المركزي غير المستخدمة وختمها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

• يقوم الاتحاد الأوروبي بتوسيع تعانه الاقتصادي مع إيران.

ج- المرحلة الثالثة (يتم تحديد مدتها فيما بعد) وفيها :

• يبقى دور الوكالة محوريا، ولكن يتم تطبيع العلاقات بين جميع الأطراف.

• تعهد منشآت و وسائل دورة الوقود من الناحية والمقياس الصناعي، خاصة فيما تعلق بتخصيب اليورانيوم على أساس الملكية المشتركة المتعددة الأطراف.

• تتخلى إيران عن إعادة الوقود المستهلك بشكل غير محدد (الفصل الكيميائي للبلوتونيوم) ويحق لها تأسيس البينة التحتية اللازمة لموضوع المياه الثقيلة.

3- تبدأ الولايات المتحدة في سياق التزام إيران بهذا الخيار، وبعد قبولها له وخضوعها له والموافقة على تطبيقه كاملا، تبدأ بتطبيق نظام الحوافز المنصوص عليه في النقطتين (2) و(3) في الخيار السابق لهذا الخيار، على أن يتم ذلك في مفاوضات مرحلية لكل حافز يتم الاتفاق عليها.

4- تقوم روسيا أيضا في إطار موافقة إيران على هذا الاقتراح بـ:

أ‌- ضمان عودة عاجلة لكل الوقود الروسي الذي يتم تزويد مفاعل بوشهر به، وذلك عند استهلاكه.

ب‌- تخزين المواد النووية في مصنع أصفهان للتحويل، وذلك خلال المرحلة الأولى من هذا الخيار.

ت‌- تخزين اليورانيوم المنخفض التخصيب من منشآت الطرد المركزي التجريبية أو تحويلها إلى قضبان وقود، وذلك في المرحلة الثانية من هذا الخيار.

5- أن توافق كل من روسيا، الصين، الاتحاد الأوروبي على دعم قرار مجلس الأمن في حال رفض إيران لهذا الخيار أو عدم الالتزام به، على أن تيم تأسيس نظام عقوبات تدريجي، ويتضمن:

منع بيع أو نقل لكل تكنولوجيا الصواريخ أو النووية، التكنولوجيا الثنائية الاستعمال، أو الأسلحة التقليدية.

تعليق أي اتفاقيات اقتصادية جديدة، ومنع الاستثمار الجديد في قطاع النفط والغاز الإيراني، وحتى في البنى التحتية.

حظر استيراد المنتجات النفطية المصفاة في إيران، أو تلك الغير نفطية أو منتجات الغاز.

فرض نظام حظر أرضي، جوي، بحري لمنع إيران من استيراد أي تكنولوجيا نووية أو تكنولوجيا ثنائية الاستخدام.

وكل ذلك نصا وبحسب المصدر : http://www.alasr.ws/index