قراءة في كتاب فقه العولمة لآية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي(رحمة الله عليه)

 

 

إسم الكتاب: فقه العولمة

إسم المؤلف: المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى الإمام السيد محمد الشيرازي(رحمة الله عليه)

قراءه: عبدالله موسى

 

بعد رحيله، ومن بين مجموعة من المخطوطات التي خلفها المرجع الرباني الكبير آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) كان لآخر مشاغل العالم مساحة في فكر هذا العالم الذي رصد كل جوانب الحياة وبلا مبالغة، ومن يطلع على تراث هذا المرجع الكبير لا يجد بداً من التسليم بأنه (قدس سره) من الرواد الذين يشهد لهم التاريخ بفتح هذه المجالات وتسليط الضوء عليها من الاقتصاد والسياسة، والاجتماع إلى آخر تفاصيل الحياة اليومية للمسلم.

ولما كانت قضية (العولمة) هي السمة التي صبغت نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين والذي سمي بقرن العولمة كان ليراع الإمام الشيرازي (قدس سره) هذا الكتاب والذي صدر مؤخراً عن (مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات ـ بيروت).

هذه هي العولمة

يبدأ المؤلف (قدس سره) بالتقديم لكتابه ويؤكد على المقارنة بين مراعاة الإسلام للروح والجسد معاً واهمال الغرب لجانب الروح على حساب سعادة الإنسان وحياته وكيف أن الغرب الذي يريد أن يفصّل العالم على مقاييسه، لا يأتي إلا بعولمة ناقصة لأن تجربته لا تصلح لأن تكون نموذجاً عالمياً مقبولاً و (على أثر ذلك نتج الفقر والحرمان، والجهل والمرض، والحرب والدمار، فملايين الجائعين وملايين المرضى، وملايين الأميين، وملايين المعوقين وملايين المشردين والمهجرين، وإلى ذلك المآسي والويلات المترتبة على مادية الغرب ومادية عولمته).

ويرى الإمام الشيرازي (قدس سره) في مقدمة كتابه أن العولمة (الإسلامية) هي المثال الصالح لأن يسود العالم بأخلاقه، وآدابه وروحيته ويوطئ الإمام الشيرازي لكتابه بإيراد أهم التعريفات التي وردت للعولمة فيبدأ من التعريف اللغوي واشتقاقاته اللغوية.

ومن ثم يعرض للتعريف أو المعنى الاصطلاحي للعولمة، ويخلص المؤلف ويورد (قدس سره) مجموعة التعريفات التي اطلقها أرباب العولمة أو بمعنى آخر الأهداف الرئيسية المعلنة وغير المعلنة لهذا المشروع العالمي.

ويلتفت الإمام الشيرازي (قدس سره) إلى الجانب الذي تحاول القوى الرأسمالية تطبيقه كنموذج للعالم الجديد فيقول (أن هذا المعنى يتلخص في عودة الهيمنة الغربية من جديد، محملة على أجنحة المعلوماتية والعالم المفتوح، ومدججة بالعلم والثقافة وان كانت غير إنسانية وبذلك تقلب القاعدة القديمة القائلة: أن القوي يأكل الضعيف، إلى قاعدة جديدة عصرية عولمية تقول: السريع يأكل البطيء، علماً بأن القاعدة الجديدة، لا تختلف عن القاعدة القديمة، من حيث النتيجة، بل تكون هذه الجديدة أشد بأساً وأعظم ظلماً من تلك القديمة، لأن أصحاب السرعة يعملون على تثبيط حركة الآخرين بكل وسعهم وجميع إمكانياتهم).

وفي إشارة مختصرة يوضح الإمام الشيرازي (قدس سره) الأهداف الاحتكارية للقوى الرأسمالية الكبيرة ونيتها في ابتلاع العالم الآخر وضمه اقتصادياً إليه وقد أورد (قدس سره) عدة أحاديث واردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) تنهى عن الاحتكار في تمهيد أولي لطرح المشروع الإسلامي للعولمة أو ما يسميها المؤلف بـ (العولمة الإسلامية).

ويستنتج المؤلف (قدس سره) أنه وعلى الرغم من انتشار الاقتصاد الرأسمالي ومشاريعه عالمياً إلا (أن الرأسمالية بمعناها كالشيوعية والاشتراكية مخالفة للفطرة والعقلانية، فإن مصيرها سيكون نفس مصير الشيوعية والاشتراكية من السقوط والزوال، ولا يبقى على وجه الأرض إلا العولمة الصحيحة التي دعا إليها الإسلام.

(العولمة الإسلامية) نظام جاهز للتطبيق

تبدأ أولى فصول هذا الكتاب بعنوان لافت للنظر وهو (العولمة الإسلامية) والتي أشرنا لها في بداية القراءة من أن سماحة الإمام الشيرازي يحاول أن يؤسس لهذا المبدأ استباقاً واستشرافاً من سماحته (قدس سره) لما ستؤول له الأحوال في عالم القرية الصغيرة ـ المستغربة - ويحاول أيضاً أن يدافع عن النظرية الإسلامية كمشروع حضاري قابل للتطبيق لضمان تحقيق العدالة الإنسانية التي لن تتمكن العولمة الحديثة بأي شكل من الأشكال الوصول إليها أو جعلها أحد اهتماماتها، حيث أن المعادلة الرئيسية فيها هي منطق الغالب والمغلوب في القوة الاقتصادية، وإذا كان المسلمون قد غفلوا أو ركنوا إلى الهنة والاستسلام أيام الغزو والاحتلال المباشر ووضعهم تحت مطرقة التجهيل والإلغاء لمدة تزيد على القرنين من الزمن فإن المرحلة الحالية لا تقبل احتمالين إيجابيين مطلقاً فإما الذوبان الكامل في العولمة الرأسمالية، وأما طرح بدائل عملية تأخذ بالحسبان وجود نماذج حضارية صالحة لحكم وتسيير شؤون العالم.

ويبدأ سماحة الإمام الشيرازي (قدس سره) بتأييد هذه الفكرة وتدعيمها بالأدلة العقلية والنقلية التي تثبت ذلك ومنها الفطرة الاجتماعية ويفسر الآية الكريمة (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) بأن الإنسان بفطرته الاجتماعية جُبل على التعولم بما يعني سعيه الدائم لإيجاد الوحدة، وما موجود من اختلاف إنما هو صنيعة أعداء الإنسان في هذه الأرض، وهو ميال إلى جهة التعارف والتآلف ويقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في هذا الصدد (خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف).

وان جعل هذه القاعدة النبوية أصل لكل مجتمعات العالم هو العولمة الصالحة والتي تأخذ المعيار الأخلاقي كأحد أهم الأسس التي ترتكز عليها النظرية الإسلامية العالمية، وأن أي تعميم لمشروع ناتج عن تجربة مجتمع معين، لا يمكن أن ينجح في مقبوليته لدى كل المجتمعات البشرية، وهو ما تسعى له العولمة التي طرحها الأميركان لحكم العالم.

وان فرضية نجاح المشروع الإسلامي ليست ناتجة عن غنى هذه النظرية وتطبيقاتها فحسب، بل وبالحتمية التي أكدت عليها هذه الشريعة من خروج المصلح الأكبر لهذا العالم وحكم العالم وإدارته وهو الإمام الحجة (عج) ودولته النموذجية.

ويرد الإمام المؤلف (قدس سره) على إشكالية يطرحها الغربيون وهي الجانب الاقتصادي للعولمة وهل أن الإسلام يمتلك نظرية اقتصادية عالمية فيقول (قدس سره):

(الإسلام هو أول من طرح فكرة العولمة الصحيحة، وأول من أقام صلبها بنظام اقتصادي سليم، وأول من جاء بمستلزماتها ومقوماتها، وأول من رصّ أسسها وأحكم قواعدها، وقد طبّق الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) العولمة الصحيحة التي جاء بها الإسلام، وحقق نظام اقتصادها السليم، وسعى لتبيينها وتحديد مسارها ومعالمها) ثم يسرد المؤلف الشواهد التاريخية التي أثبت فيها الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) أسس قيام الدولة العالمية وكيف أن الدول والحكام الذين خلفوا دولة الإسلام الأولى حرفوها عن مسارها الصحيح فحرموا العالم من هذه التجربة الغنية وعطلوا هذه الأحكام التي كاد العالم أن يسكن ويتفيأ تحت ظلالها لولا الانحراف الذي أحدثه خلفاء الشهوة والسلطان الذين فرّطوا بالممالك الإسلامية، والقوانين معاً.

وأورد السيد المؤلف (قدس سره) مجموعة من الأحاديث الشريفة الواردة في هذا المجال وجلها حول عالمية الإسلام وأخلاقيته.

ويؤكد (قدس سره) على أن واجب المسلمين هو العمل على صياغة هذه النظرية وتحويلها إلى واقع يحسه جميع أبناء البشر، وعدم الاكتفاء بالطرح النظري فقط.

وفي عناوين لافتة يركز المؤلف (قدس سره) على الرسالة العالمية والعولمة الإسلامية وتعزيز ذلك بالأحاديث الشريف الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وكذلك العولمة وحقوق الإنسان وكيف أن هذا المطلب أصبح شعاراً عالمياً في حين أن الإسلام كفل هذه الحريات غير أن الموجود الآن هو أن أبناء الإسلام يستغيثون بالغربيين لحمايتهم من المسلمين.

وقد استبق الإمام الشيرازي (قدس سره) بعض الأحداث ببصيرته الثاقبة فاستعرض الوضع العالمي وكيف أن بعض الخبراء الغربيين يحذرون من المسلمين، وانهم ـ أي الغربيين ـ سوف يلتمسون الأعذار لضرب المسلمين وهو ما حصل بالفعل من هجمة استعمارية جديدة تتسم بالشراسة والصرامة، بعد افتعال أزمات هنا وهناك، لتأليب الرأي العام الغربي والعالمي على المسلمين.

البلدان الإسلامية والعولمة الاقتصادية

وتحت هذا العنوان يورد سماحة الإمام الشيرازي (قدس سره) أهم تأثيرات النظام العالمي الجديد بعولمته والأخطار التي تهدد كيان العالم الإسلامي حيث يقول (قدس سره):

(وعليه: فالعالم الإسلامي مهدد كله بأخطار العولمة الاقتصادية، ولكنه في نفس الوقت نراه يعيش حياة التناحر والتآكل، والترهل والتهميش، فاقداً لأي موقف صحيح وهادف للدفاع أو للهجوم).

ويضيف (قدس سره):

(إن محاولات الضغط والكبت، والاستضعاف والاستثمار التي تحاك ضد البلدان الإسلامية إنما هي من أجل زلزلة أمنها، وزعزعة استقرارها، وتعطيل مؤهلاتها، وسحق كفاءاتها، كي يُلجئوها إلى الدخول في تيار العولمة الغربية بأضرارها، وبالسباحة القهرية وفقها، والانتماء إلى التدويل الشامل للاقتصاد، أو العولمة الاقتصادية بعبارة أخرى)ثم يذكر سماحته (قدس سره) ثلاثة آراء حول الأثر الاقتصادي للعولمة بين مؤيد لها وداعم وبين القائل بأنها تطور طبيعي للتطور العلمي والتطور الاقتصادي وآخر يقول إنها من مضار وتبعات النظام الرأسمالي العالمي ويخلص سماحته (قدس سره) أن أتباع هذا الرأي هم معظم اقتصاديي الدول النامية، وذلك لضعف اقتصاديات هذه الدول وعدم تمكنها من المنافسة الجديرة ويضعنا سماحة السيد المؤلف (قدس سره) أمام القضية الأساسية وهي موقفنا تجاه العولمة فيقول (قدس سره):

(من المهم أن نعرف نحن المسلمين مخاطر العولمة الحديثة وأضرار سيطرة أمريكا وغيرها من الدول الغربية على العولمة الجديدة، فإن هذه العولمة لا تفكّر إلاّ في نفسها، ولا تبصر الأمور إلاّ بالمنظار المادي البحت، وتخطط للقضاء على الإسلام والمسلمين، لأنها تراهما يدعوان إلى عولمة صحيحة، لا تبتني على الهيمنة والاستثمار، والاستبداد والاستضعاف، وإنما تبتني إلى جانب النمو والازدهار على المُثل والقيَم، وعلى العدل والقسط، وعلى الرحمة والرأفة، وعلى التعاون والتوادد، وعلى التباذل والتواصل).

ويعرض الكتاب مجموعة من الحلول الإسلامية في مواجهة هذا التيار لخصها (قدس سره) في عشرة اجراءات عملية، ثم ضم الكتاب مقارنات بين (العولمة الغربية) وبين (العولمة الإسلامية) ومجموعة المشتركات الموجودة بينهما، وأكدت بحوث الكتاب على أهمية أن توضّح النظرة الإسلامية للعولمة الصحيحة من خلال وسائل الإعلام من الاتصالات.

كما طرح الكتاب مجموعة من الإجراءات التي يمكن من خلالها تسويق هذه النظرية الإسلامية ومنها السوق الإسلامية المشتركة ورفع المستوى العلمي للمسلمين ليواكبوا حركة التطور العلمي.

ينتقل المؤلف (أعلى الله درجاته) إلى فصل العولمة والمسائل الشرعية ويركز (قدس سره) في هذا الفصل على الجوانب الاجتماعية التي طالب بها الإسلام بالإضافة إلى القوانين التي سنها هذا الدين الحنيف والتي لا تضاهيها قوانين في الأديان والشرائع الأخرى ومن ثم تنتقل فصول الكتاب بنا إلى مسائل حول العولمة الاقتصادية والرؤية الاقتصادية الإسلامية وفقه المعاملات.

ويخصص (قدس سره) الفصل الأخير لنقد العولمة الغربية وتطبيقاتها الخاطئة والسلبيات التي رافقت مسيرتها ومنها أن بعض الدول الغربية الأوروبية تعتبر العولمة خطراً كبيراً يهدد هويتها الثقافية وينذرها بالذوبان والنسيان.

كما خصص الفصل الأخير كاستنتاجات أو ما يمكن أن نعتبره كخلاصة لمباحث الكتاب بالإضافة إلى الأرقام التي جاءت كنتيجة لسلبيات العولمة الغربية وفي كل الأحوال يشكل الكتاب مصدراً إسلامياً مهماً في هذا المجال لعدم وجود دراسات إسلامية حديثة في هذا المضمار.

المصدر: alshirazi.com