مستقبل الحركات الإسلامية السياسية

 

 

إسم الكتاب: مستقبل الحركات الإسلامية السياسية

إسم المؤلف: د. بسطامي محمد خير

مقدمة :

ومن الكتب التى شاعت وأحدثت ضجيجا عاليا، كتاب عنوانه (مستقبل الإسلام السياسى) للباحث جراهام فولر، درس فيه الجانب السياسي للحركات الإسلامية في العالم الإسلامي، وحاول استقراء مستقبلها وتقويم عوامل نجاحها وفشلها. وقد تميز الكتاب من بين الكتب الغربية المماثلة، بسعة الإطلاع وجرأة الطرح ومحاولة الإنصاف. وتقدم السطور التالية مراجعة له وخلاصة لأهم فصوله، مع تعليق على بعض آرائه ونقدها واستجلاء ما له وما عليه، واستخراج ما يمكن أن يستفاد منها من موجهات لمخططات الغرب تجاه مستقبل مسيرة الإسلام.

ولمؤلف الكتاب جراهام فولر خبرة واسعة عن كثب بأوضاع العالم الإسلامي، تظهر بوضوح في ثنايا الكتاب، فقد عمل لمدة عشرين سنة في وزارة الخارجية الأمريكية، وشغل منصب نائب رئيس جهاز المخابرات الأمريكية سي آي إيه، وكان مسئولا عن قسم دراسات المستقبل الاستراتيجية للسياسة الأمريكية. ويعمل الآن في مؤسسة راند للبحوث، وله عناية خاصة بشئون العالم الإسلامي. وله عدد من الكتب والبحوث بالمجلات، وهو مساهم نشط في الجرائد والمجلات وقنوات التلفزيون.

الأسئلة الأساسية

يطرح الكتاب أسئلة أساسية ويحاول الإجابة عليها من خلال فصول الكتاب. ما الإسلام السياسي؟

وكيف يعمل لتحقيق الأهداف والغايات التى يسعى إليها ؟

وما التحديات التى يواجهها وما المخاطر التي يهدد بها العالم؟

وأخيرا ما مستقبله؟

وبالتحديد :

هل الإسلام السياسي تطور مرحلي مؤقت يمر به العالم الإسلامي للخروج من الأزمات والمشكلات التى يعيشها؟ أم أنه بداية جادة لمشروع حضاري ينقل به الإسلام نفسه من ظلمات الماضي إلى العصر الحديث؟

يستعمل الكاتب مصطلح الإسلام السياسي مرادفا لمصطلح الإسلاميين، الذين يعرفهم بأنهم كل من يؤمن بأن الإسلام ليس دينا فحسب بل نظاما سياسيا واجتماعيا صالحا لإصلاح العالم الإسلامي المعاصر، ويسعى لتطبيق ذلك في مجتمعه بالطريقة المتاحة. ويشمل تيار الإسلام السياسي جماعات كثيرة يفصل الكتاب القول عنها في الفصل الثالث من فصول الكتاب. ولكن محاولة الكاتب لتصنيف هذه الجماعات لا تأتي بجديد، بل تعيد نفس التصنيف والوصف الغربي لهذه الجماعات، وتستعمل نفس المصطلحات. وحسب رأيه أن الجماعات الإسلامية فئات كثيرة، فهناك التقليدون والأصوليون والإصلاحيون والعصرانيون والمتطرفون. ويعترف ابتداء أن هذه مصطلحات عامة وغير محددة، والسبب في ذلك في نظره أن الجماعات الإسلامية متعددة ومتشابكة ومن الصعب التمييز الدقيق بينها. ولكنه يخلص إلى أنه من الممكن القول عموما أنها تمثل قوس قزح، تتوزع ألوانه بين المحافظة والتقليد للماضي في طرف، وبين الإنعتاق والتحرر والحداثة في الطرف الأخر.

سر صعود الإسلاميين

لقد خرج الإسلاميون من رحم العالم الإسلامي، في ظروف صعبة وأزمات كبيرة تعصف به. فقد هوى من حضارة عالمية راقية كانت بيدها سيادة وقيادة الدنيا علميا وثقافيا وتقنيا لأكثر من ألف سنة، والتهمه وسلب خيراته الإستعمار الغربي، وقسمته وتنازعته الاختلافات المذهبية والعرقية والقومية، وسقط في حضيض الفقر والجهل والمرض. ومع كل هذه السيئات فقد حدثت تغيرات هائلة في العالم الإسلامي خلال القرن الأخير، يعرضها الكاتب ويسوقها في إشارات سريعة، منها سقوط الخلافة العثمانية، ونشأة الدول الإسلامية القومية العلمانية واستقلالها عن الاستعمار، وظهور الحركات الإسلامية وبلورتها لفكر سياسى واجتماعي على يد عدد من المفكرين المعاصرين، وقيام دولة اسرائيل، واكتشاف ثروة النفظ الهائلة وما ساقته من ثراء، ونجاح الثورة الإيرانية. وفي خضم هذه الأمواج المتلاطمة من الأحداث المتتالية، خرج الإسلاميون الذين استطاعوا أن يصبحوا في عقود قليلة أكثر التيارات تأثيرا ونموا في العالم الإسلامي، وقوة جعلت الدول الغربية تحسب لها ألف حساب.

فما السر الذي أتاح للإسلاميين هذا الصعود السريع للقمة؟

وهل هم قوة حقيقة أم فقاعة صابون وسحابة صيف سرعان ما تزول؟

يحاول الكاتب الإجابة على هذا السؤال الصعب، في فصل كامل من فصول الكتاب لعله أقيم وأمتع ما في الكتاب. ويسخر الكاتب بادئ ذي بدء من النظرة السطحية التى سيطرت على تفكير الغرب ردحا من الزمان، متهمة الحركات الإسلامية بالرجعية وعداء الحداثة الغربة والوقوف ضد الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والإرهاب. ويرى أن نظرية صدام الحضارات رؤية أعور للإسلام، ينقصها الإنصاف هدفها إعفاء الغرب من المسئولية عن ازمات النظام العالمي المعاصر، لكن هذه الإزمات ليست من صنع الإسلام بل للغرب ضلع كبير فيها. وينصح الغرب بأن يقوِّم الإسلاميين تقويما منصفا ينطلق من نظرة شاملة تقيس الأمور من وجهة نظرهم ومن وجهة نظر الغرب.

وانطلاقا من ذلك يرى الكاتب أن الإسلاميين قد استطاعوا أن يملأوا فراغا كبيرا في العالم الإسلامي، لأنهم قد استجابوا لحاجات ملحة وواجهوا واقعا معقدا، وطرحوا حلولا لمشكلات عويصة، وتحملوا وظائف وأعباء جسيمة جعلت أوطانهم ترى فيهم الخلاص والمنقذ والمستقبل. وهكذا أصبح الإسلام الحل الوحيد المطروح بعد فشل كثير من المبادئ والأفكار في العالم الإسلامي من تغريب وعلمانية وشيوعية وقومية. ومن أهم ما قام به الإسلاميون أنهم عرَّفوا الأمة بهويتها، التي تجمع بين المحلية والعالمية وبين القومية والعرقية وبين الأصالة والمعاصرة. وسعوا من الناحية الفكرية لتجديد الإسلام من تقاليد الماضي العتيقة، ولهذا طرحوا أنفسهم بديلا لطائفة العلماء التقليديين الجامدين، وصاروا حربا لهم وللحكومات الفاسدة التي ساندوها بفتاواهم وخطبهم. وسعى الإسلاميون لإعادة صياغة االفكر الغربي المعاصر ونظمه من وجهة نظر إسلامية، وآمنوا بالدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة لأنهم كأنوا أول ضحايا غيابها وأكثر من ذاق ويلات ضياعها. وطالبوا بحرية العمل السياسي وتكوين الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وطالبوا بأن تكون للمرأة حقوقها ومكانتها. ويخلص أنه ليمكن القول أن الإسلاميين ليسوا أعداء للفكر الغربي وما فيه من محاسن كالديمقراطية، بل لعلهم يكونون جسرا لتعديل النموذج الغربي للديقراطية وجعله أكثر ملاءمة لظروف العالم الإسلامي.

الإسلاميون والإرهاب

حتى تهمة الإرهاب التى يلصقها الغرب بالإسلاميين عموما، يرى الكاتب أن فيها إجحاف لأن الإرهاب والعنف محصور في فئات قليلة من بين الإسلاميين، ولا يصح تعميم وصف تياراتهم العريضة به. بل ويرى أن كثيرا من الإسلاميين قد عبروا عن سخطهم واستائهم لحوادث الحادي عشر من سبتمبر، ووقفوا موقفا معتدلا من استعمال العنف الذي لا يجيزونه ضد المدنيين والأبرياء. ويقول حتى لو لم يكن الشرق مسلما بل كان نصرانيا، لوقعت المواجهة بينه وبين الغرب لتضارب المصالح بين الطرفين. وينتقد الكاتب اتخاذ أمريكا الإرهاب عذرا لغزو أفغانستان والعراق، ويرى أن ذلك قد كان سببا لزيادة العداء ضد أمريكا ولزيادة الإرهاب وليس حربه وأضعافه.

محاولة للإنصاف

ولا شك أن هذا التحليل المسهب لأسباب نجاح خطاب الإسلاميين، ومقدرتهم على تجميع الجماهير وتحريكها، فيه كثير من الإنصاف لم يتصف به إلا قلة من الباحثين الغربيين. ويمثل ذلك اتجاها بدأ يقوى ويزداد، ولعل من أكبر دوافعه وأسبابه النقد الذاتي، الذي يوجهه كثير من المفكريين الغربيين لحكوماتهم وسياستها في المشكلات العالمية، بعد انهيار العالم الشيوعى وانفراد أمريكا وأوربا بالهيمنة على العالم. هذه الهيمنة التي بشر بعض المفكرين بأنها فاتحة خير للبشرية ونهاية مسيرة تارخها نحو العدل والسلام، لكن سرعان ما زال السراب واصطدمت الأحلام بالواقع وانكشف الغبار عن الحمار. ودفع هذا بعدد من الغربيين من ذوي االنظر الثاقب إلى التبصر والتفكر ومحاولة قراءة الواقع من وجهة نظر مختلفة. ولا يقتصر هذا الاتجاه على النخبة المفكرة وحدها بل تعداها الى بعض عوام الجماهير، التي شاركت في المظاهرات ضد حرب العراق وإدانة الكذب الصريح لتسويغ الحرب، وأصبحت صيحات الاحتجاج والنقد تتعالى حتى ضد إسرائيل التى كانت تتمتع بحصانة وقداسة لا تمس. ومن المؤسف أن العالم الإسلامي لم يستثمر مثل هذا الاتجاه المناصر لقضاياه والاستفادة منه وتوظيفه ودعمه، لكن ليس على الأعمى والأعرج حرج!!

الإسلاميون والسلطة

ويتناول الكتاب في فصل مستقل دور الإسلامين وبرامجهم السياسية في ظل ما تتيحه لهم الحريات في بعض بلدان العالم الإسلامي. ويقول أن الإستعمار والحكومات التى أعقبته حاولت إقصاء الإسلاميين عن العمل السياسي، واستعمال القوة والبطش لمنعهم من التأثير في القرار السياسي. ولكن مع هذه الصعاب والحواجز فقد قام الإسلاميون بجهد واضح وتحملوا أعباء ضخمة لإصلاح المجتمع من وجهة نظرهم. ويعدد الكتاب بعض إنجازاتهم منها التوعية الدينية والدعوة، ومنها إقامة مؤسسات طوعية تعليمية وخدمية واقتصادية، ومنها تكوين جبهات وتحالفات مع الأحزاب الأخرى لتكون جماعات ضغط تؤثر في القرار السياسي، ومنها خوض الانتخابات ودخول المجالس التشريعية والمحلية والمشاركة في الحكومة والسلطة في بعض الدول. ويكاد يجمع كل الإسلاميين على أن السلطة هي مفتاح التغيير للمجتمع وبوابة الإصلاح، لهذا يجدُّون في السعي للوصول إليها والتمكن منها. وإن كانوا يختلفون فيما بينهم في وسيلة الوصول، ففي حين يرى البعض أن الدعوة والتربية هي الطريق لأن الإصلاح يأتي من القاعدة، يرى فريق آخر أن الإصلاح يكون من القمة ومن أعلى إلى أسفل، فإذا صلح الرأس صلح الجسد. ولا يبدي الكاتب رأيا خاصا إزاء هذا الجدل، ولا يتوقع منه ذلك. ولا شك أن الأمران متلازمان ويقوى كل منهما الآخر، ولا يمكن الأخذ بطريقة واحدة واهمال الأخرى، سواء قبل التمكين والوصول للسلطة أو بعد ذلك.

وإذا استطاع الإسلاميون أن يقدموا كل هذا الطرح، وأن يخاطبوا الجماهير بما يدغدغ أشواقها ويبعث طموحاتها، فهل سينجح الإسلاميون في تطبيق شعاراتهم ونظرياتهم؟ يتوجه الكاتب بنظره إلى تقويم تجربة الإسلاميين في السلطة، ويختار لذلك تجربة البلدان الثلاثه التى نجح فيها الإسلاميون في الوصول للسلطة، وهي أفغانستان وإيران والسودان. ومن العجيب أنه يتجاهل تماما تجربة تركيا ولا يتعرض لذكرها. ويتساءل الكاتب عن المنطلق الذي تقوم به هذه التجارب، فيقول أن الغرب عامة وأمريكا خاصة، تخطئ حين تقوِّم هذه التجارب من زاوية مصالحها الخاصة، ويؤكد أنه ينبغي الحكم عليها من وجهة نظر شعوبها ومن معايير وأسس الحكم الصالح، وما تقدمه من خير وما تجلبه من شرور. وابتدأء يرى أن ثلاث تجارب فقط غير كافيه للحكم على القطاع العريض من الإسلاميين، الذين تتعدد حركاتهم وتتفاوت، ولكنها تعطي مؤشرات. كما أن عمر هذه التجارب قصير ولا يمكن الحكم من خلال فترة وجيزة على مشروع الإسلام السياسى بجوانبه الكثيرة وطموحاته الكبيرة، إذ أن بناء الدول والأمم والحضارات يحتاج لوقت ولا تظهر معالمه في زمان وجيز. ويرى الكاتب أن مجرد وصول الإسلاميين إلى السلطة إنجاز لعملهم وسعيهم المتواصل نحوها، ولكنه يعيب على الإسلاميين في هذه الدول الثلاثه، أن وصولهم للسلطة لم يكن عن اختيار ديمقراطي، بل كان عن طريق القوة، نتيجة حرب أهلية في افغانستان وثورة شعبية في إيران وانقلاب عسكري في السودان. ورغم اعترافه بأن هناك انفتاح في السنين الأخيرة في إيران والسودان، لكن لا زالت آثار النشأة تصبغ النظام بنوع من الشمولية والاستبداد. ويمدح الكاتب الذي جعل الديمقراطية مثله الأعلى للحكم، آخذ السودان وإيران بنموذج الحكومة الغربية، ويمدح ما تتمتع به من فصل بين السلطات ومن قيام انتخابات ومجالس تشريعية. ورغم أن النظامين قد مرا بتجارب من الإخفاقات ناتجة أساسا عن قلة الخبرة، إلا أنهما قد تمكنا من تعديل سيرهما حسب نظر الكاتب، ويوصي الكاتب المجتمع الدولي وأمريكا خاصة بمساعدتهما على التطور والإصلاح بدلا من شن الحرب عليهما. وهي نصيحة غالية من خبير ببواطن الأمور ولكن ينبغى الوقوف وإمعان النظر في نوع الإصلاح والتطور الذي تطالب به أمريكا، وبين الإصلاح الذي ينبع من داخل النظام وتمليه الخطط والأهداف النابعة من قلب النظام نفسه.

ولا ينبغى أن يغيب عن البال أن الكاتب رغم محاولته التزام الإنصاف والنظر من زاوية الإسلاميين ورؤيتهم للأمور، إلا أنه من الطبيعي أن يرى النموذج الغربي للدولة والديمقراطية، المثال الذي ينبغي للعالم أجمع الأخذ به واقتفاء آثاره. ولهذا فهو يمدح الإسلاميين حين جعلوا النموذج الغربي مثالهم، وهو مدح لا يغيب عن فطنة الذكي أنه توجيه خفي، والكتاب ملئ بمثل هذه الإيحاءات الخفية. ولكن نظرة فاحصة تبين أن فكر الإسلاميين السياسى لم يتجاوز هذه العقبة، وأن تقمصه للنموذج الغربي للحكم دون روية ودون نقد، وإلباسه هذا الجسم الغريب عن الإسلام لباس الإسلام، أمر يحتاج لمراجعة. إذ أن الحكومة المعاصرة وحش ضخم يسيطر على كل شئون المجتمع، ولا شك أن الحكومة الإسلامية في عصور الإسلام السابقة لم تكن تتحمل هذه الأعباء الجسام كلها، بل كانت تقوم ببعص الوظائف، وتترك للمجتمع الاستقلال بتدبير كثير من الخدمات من تعليم وصحة ومواصلات وطرق عن طريق مؤسسات وقفية، أوما أسمى اليوم يمؤسسات المجتمع المدنى. وليس هذا محل بسط هذه القضية.

المستقبل

وأخيرا يختم الكاتب بحوثه باستطلاع لآفاف مستقبل الإسلام السياسي. ويوطئ لذلك بنظرة سريعة للخريطة العالمية والقوى العاملة فيها، التى ستؤثر بثقلها على رسم مستقبل الإسلاميين. فمما لا شك فيه أن العالم يموج بعوامل كثيرة وتيارات متلاطمة، يسوق الكتاب عددا منها. ولعل أقواها تأثير الأفكار الغربية من انحسار الدين عن الحياة العامة وحصره في الحياة الخاصة، واتساع دائرة الحريات الشخصية، وسيطرة العلمانية والمادية الغربية ومذهب المتعة واللذه على شعب الحياة، وتعالي أصوات الأقليات والصراع بين حقوقها وحقوق الأغلبية، وازدياد مشاعر العرقية واالطائفية والمطالبة بحقوقها، وتضخم العولمة وهيمنة الدول العظمى على الأمور صغيرها وكبيرها. وتبحر سفينة الحركات الإسلامية في هذا الخضم الهائل، ولا تستطيع أن تنفرد بتقرير مستقبلها.

ومع هذا فإن الكاتب يرى أن الإسلاميين سيفرضون أنفسهم في المدى القريب، ويتنبأ بوصول الإسلاميين للسلطة في عدد من البلدان مثل مصر واليمن وباكستان، وسيحققون عددا من المكاسب رغم التحديات الكبيرة والعقبات التى تواجههم، خاصة في مجال الاقتصاد والتنمية. ولكنه يخشى أن ينشغل الإسلاميون بردود الفعل الوقتية، والمعارك الجانبية التى قد تستنزف كثيرا من جهودهم ومواردهم، وتصرفهم عن غاياتهم الكبرى ومشاريعهم الرئيسية. وهو خوف يعبر عنه بطريقة ذكية، فيها من التوجيه والإيحاء لإحدى طرق محاربة الإسلاميين، فهل يعى الإسلاميون النصيحة ويكونوا أكبر ممن يتشيطن عليهم بمثل هذه الطريقة الماكرة. ولا يفوت الكاتب أن يتنبأ أن المحك الأساسي لاختبار الإسلاميين هو فخ السلطة، التى إن فشلوا فيها كانت السم الترياق الذي يميتهم ويستأصلهم. وكأنه يحث أمريكا على دفع الإسلاميين إلى اعتلاء كرسي الحكم قبل أن يقوى عودهم وتكون لديهم المقدرة على تسيير دفة الحكم. ويقول "لا شئ يمكن أن يظهر الإسلاميين بأسوأ صورة من تجربة فاشلة في الحكم". وهو قول صريح لا ينقصه الصدق، إلا أنه لا يأخذ في الاعتبار أن الإسلاميين يمدهم دينهم بايمان راسخ، أن النصر والتمكين والهزيمة والفشل، لا تعتمد فقط على الأسبباب المادية الظاهرية، بل إنما تحركها يد الله الخفية التى لا يستطيع الغرب أن يحسب حسابها. ولا شك أن الإسلاميين بشر وتجاربهم في الحكم فيها الخطأ والصواب، ولا أظن أن أحدا عاقلا يمكن أن يدعي أن خطأ أي تجربة بشرية للحكم الإسلامي في أي زمان ومكان، يؤاخذ بها الإسلام ويذم بسببها، أو تكون شاهدا ودليلا على فشله وعدم ملاءمته لحل المشكلات العصرية. ومثل ما كانت هناك عدة محاولات فاشلة في التاريخ الغربي المعاصر، إلى أن استطاعت دوله الوقوف على رجليها وبناء نظمها السياسية على أسس مبادئها النظرية التى نادى بها فلاسفتها ومفكروها، فإن التجربة والصواب والخطأ والنجاح والفشل، هو الوسيلة البشرية الوحيدة المتاحة لبلوغ الغايات والأهداف. ومثلما تعددت الجمهوريات الفرنسية من جمهورية أولى وثانية وثالثة، فإذا فشلت تجربة الحكومة الإسلامية الأولى، فأمام الإسلاميين الحكومة الإسلامية الثانية، والحكومة الإسلامية الثالثة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

مراجعة لكتاب مستقبل الإسلام السياسي لجراهام فولر

* أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة بيرمنجهام

وكل ذلك بحسب قراءة الكاتب في المصدر نصا ودون تعليق .

www.meshkat.net