حياتي والسياسة

 

 

إسم الكتاب:حياتي والسياسة

تأليف :جيرهارد شرويدر 

الناشر: أوديل جاكوب - باريس 2006

الصفحات: 411 صفحة من القطع المتوسط

 

كان جيرهارد شرويدر، مؤلف هذا الكتاب، مستشاراً لألمانيا منذ عام 1998 وحتى عام 2005 حيث خلفته أنجيلا ميركل في منصب المستشارية.. هذا كتاب مذكراته. إن شرويدر يتحدث عن حياته كلها، وخاصة عن مسيرته التي يمكن لإحدى جمله أن تكون شعارا لها، وذلك عندما يقول: «لقد حاولت طيلة حياتي أن أدفع الحدود أبعد... فأبعد».

إنه يحكي كيف انطلق من الشريحة الشعبية الأكثر تواضعاً في ألمانيا حيث عاش طفولة قاسية إثر وفاة والده وهو لا يزال صغيرا ليعرف مرارة «اليتم»، ويشرح أنه حاول في بداية حياته أن يصبح لاعب كرة قدم محترفاً، لكنه تابع دراساته الجامعية وأصبح محاميا، ثم تدرّج في المناصب العليا في الدولة وصولا إلى منصب المستشارية عام 1998. لكن هذا الكتاب هو قبل كل شيء عن تجربة المستشار جيرهارد شرويدر على قمة السلطة في ألمانيا، وفي فترة عرفت فيها هذه البلاد الكثير من التبدلات وواجهت الكثير من التحديات. وكان على شرويدر، وهو اليساري، أن يتخذ من موقع المسؤولية في السلطة قرارات يصفها هو نفسه بأنها لم تكن تحظى بالشعبية، وخاصة إصلاح قانون الضرائب وقوانين العمل. وبالتالي هو كتاب عن كيفية ممارسة السلطة من قبل اليسار الأوروبي عامة وتعامله مع مفهوم الدولة المانحة. ويركز شرويدر في هذا الإطار على مفهومه الخاص بضرورة الجمع بين العدالة الاجتماعية والتحديث.

ويكرس جيرهارد شرويدر قسما كبيرا من كتابه للحديث عن رؤيته لدور بلاده، ألمانيا، في العالم ورؤيته هو شخصيا لما عاشه من أحداث على صعيد السياسة الدولية. ولا يتردد في هذا السياق عن توجيه أشكال من النقد الشديد للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ولطريقته في ممارسة السياسة واتخاذ القرارات حيال قضايا العالم المصيرية والتي يتخذها وكأنها «تكليف ربّاني»، حسب تعبير شرويدر الذي يرى أن هناك مشكلة كبيرة عندما يُراد أعضاء القرارات السياسية مثل هذا البعد. إذ يصبح من غير الممكن بعد ذلك إجراء أي نقاش حولها وأقل من ذلك بكثير «التشكيك بها».

ويعود شرويدر مطوّلا في مذكراته إلى الحديث عن موقفه حيال الأزمة ثم الحرب الأميركية-البريطانية ضد العراق في ربيع عام 2003. إنه يؤكد في هذا الإطار على أهمية الموقف الفرنسي آنذاك، وتحديدا موقف الرئيس جاك شيراك، من أجل قدرة المستشار الألماني آنذاك التمسك بموقفه.

يقول: «لقد تساءلت غالبا إذا كنت سوف أستطيع التمسك بالموقف الذي اتخذته باسم حكومتي الفيدرالية وباسم بلادي. وكان توافق الرأي المتنامي الذي قام مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك حاسما حيال ذلك، ولقد منحني الشجاعة المطلوبة من أجل الصمود أمام النيران التي تعرضت لها على صعيد الداخل كما على صعيد الخارج. لقد تبنّى شيراك موقفا صلبا لم يهتز أبدا حتى أمام هبوب أعتى العواصف التي هبّت على الأطلسي».

ويذهب المستشار طويلا في ثنائه على موقف الرئيس الفرنسي الذي كان يتماشى مع ما كان قاله هو نفسه بتاريخ 28 أغسطس 2002 وحدد فيه بوضوح موقف بلاده من الحرب في العراق حيث أكد يومذاك أن ألمانيا لن تشارك «تحت قيادته» بأية عملية عسكرية ضد العراق.

تجدر الإشارة هنا إلى أنه أعيد انتخاب شرويدر مستشارا للمرّة الثانية بتاريخ 22 أكتوبر من نفس السنة 2002 على خلفية موقفه من الحرب ضد العراق والتي عارضها بقوة لكنه أكّد بنفس الوقت تأييده، بقوة أيضا، لنزع أسلحة العراق بالوسائل السلمية. ويرى المستشار الألماني السابق أن احدى المسائل الجوهرية المطروحة أمام إدارة جورج دبليو بوش تتمثل في معرفة إذا كانت قادرة على وضع إستراتيجية تسمح بالخروج من العراق.

وما يؤكده شرويدر أيضا في كتابه هو أن موقفه حيال الحرب العراقية لم يكن قائما على الإطلاق على قاعدة أي نزعة عدائية للولايات المتحدة الأميركية. ويشير بنفس الوقت إلى أن أي انتقاد لقرار تتخذه الإدارة الأميركية، ومهما كان، أصبح يتم النظر إليه على أساس أنه موقف عدائي ضد أميركا، بينما أن مثل هذا الرأي ليس سوى نوع من «العبث» الذي لا يصمد أمام الواقع.

ويدل هذا الواقع أن أكثر الآراء انتقادا لسياسة جورج دبليو بوش حيال العراق قد صدرت من داخل الولايات المتحدة ذاتها. وبالتالي لا يمكن توجيه الاتهام لأصحابها أنهم «معادون لأميركا». ما يؤكده شرويدر هو أن التلويح ب«نزعة العداء لأميركا» أصبح يمنع أي نقاش.

ويشير شرويدر إلى أنه كان يعتقد عند وصوله إلى السلطة بإمكانية توسيع المحور الفرنسي ـ الألماني، الذي يشكل المحرّك الأساسي في مسيرة التوحيد الأوروبي، كي يشمل بريطانيا. ولا يتردد في القول أنه اكتشف بعد ذلك «خطأ» مثل ذلك التوجه. ذلك أن بريطانيا قد أقامت حساباتها دائما على أساس مصالحها مع مجموعة دول «الكومنولث» وأيضا على ضوء علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية. هذا فضلا عن محاولة البريطانيين نقل معاركهم السياسية «الداخلية» إلى الساحة الأوروبية.

 وفي المحصلة يخلص المؤلف إلى القول أنه لا بديل للمحور الفرنسي-الألماني إذا كان يُراد حقا تقدم مسيرة الاتحاد الأوروبي. ومع تأكيد شرويدر على أهمية التقارب الفرنسي-الألماني، فإنه يتحدث في كتابه عن العديد من اللحظات «الصعبة» في العلاقة بين البلدين في عهده. وكان هناك خلاف كبير في البداية حول عدد ممثلي كل بلد في البرلمان الأوروبي. وينقل شرويدر عن شيراك تصريحا له أثناء مؤتمر صحافي في برلين، في نهاية إحدى القمم الأوروبية،

حيث قال: «إنني لست موافقا على أن تتم معاملة ألمانيا بشكل مختلف حسب الأصوات. وهذا يعود لسبب محدد هو أن حروبا كثيرة جرت بيننا وبين ألمانيا وذهب ضحيتها الكثير من الضحايا الفرنسيين. وكان لا بد أن يقرر ذات يوم رجلان عظيمان -ديغول واديناور- أنه لا يمكن أن تستمر الأمور بهذا الشكل ووقعا ميثاقا بين شريكين متساويين». وبالتالي قصد شيراك أنه ينبغي أن يتساويا أيضا من حيث عدد الممثلين في البناء الأوروبي.

وهذا ما رفضه المستشار شرويدر الذي وجد أنه «من الصعب» عليه أن يفهم كيف يمكن لألمانيا التي يفوق عدد سكانها 20 مليون نسمة، بعد التوحيد، عدد سكان فرنسا، أن تقبل بنفس العدد من الأصوات. ويفتح شرويدر قوسين هما للحديث عما أسماه ب«اتفاق نيس» عام 2000، حيث توصل بعد «محادثات صعبة استمرت حتى ساعة متأخرة من الليل» إلى إيجاد حل مع الرئيس شيراك الذي تخلّى عن موقفه «الرجعي» ليصرّح بعدها،

وكما ينقل عنه شرويدر، قوله لرؤساء الحكومات الأوروبية: «عليكم أن تفهموا جيدا أن المستشار الألماني لا يمكنه أن يتجاهل 15 مليون ألماني ويتصرف كما أن عملية إعادة التوحيد لم يكن لها أي أثر ديموغرافي». ويعيد شرويدر هذا «المنعطف» في موقف الرئيس الفرنسي إلى «وعيه» بحقيقة الواقع القائم، وإدراكه أنه «لا يمكن لأوروبا أن تعمل وتتقدم ككيان سياسي إلا إذا حملتها كل من فرنسا وألمانيا بنفس الوقت»، كما يقول ليضيف بعد ذلك بعدا ثالثا يراه أساسيا هو الآخر بالنسبة لتقدم البناء الأوروبي ويحدده في «الدفاع عن المساواة والعدالة».

وماذا عن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟

من المعروف أن عدة ملايين من الأتراك يعملون ويعيشون في ألمانيا. ويحدد شرويدر موقفه من مسألة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بالقول: «ينبغي على تركيا أن تبذل جهودا كبيرة أيضا في سبيل تعميق هويتها الأوروبية. أما الأوروبيون، فمن أجل مصلحتهم ومصلحة تعزيز آفاق السلام، فعليهم أن يدعموها بدلا من زيادة العراقيل أمامها أثناء النقاشات الحامية.

وعلينا ألا ننسى أن عدم موافقة الفرنسيين على الدستور الأوروبي تعود بجزء كبير منها إلى انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، إلى جانب أسباب أخرى. وكان قد جرى رسم انضمامها في فرنسا وكأنه تهديد لفرص العمل وللمحافظة على مستوى الرواتب».ويؤكد شرويدر في هذا الكتاب أنه أراد «الانخراط بأسرع ما يكون في الأعمال» بعد خسارة السلطة في شهر سبتمبر 2005، وهذا ما يعبر عنه بالقول: «كانت الأشهر الثلاثة الأولى صعبة جدا بالنسبة لي.

وما ساعدني كثيرا، وما كان أيضا موضع نقد شديد، هو أنني انطلقت سريعا في عالم الأعمال. ولم يكن الأمر يتعلق أولا بالمال». وكان العمل الأساسي الذي انطلق به هو صفة «مستشار» أيضا، وإنما في شركة «غازبروم» الروسية التي تزوّد ألمانيا بقسم مهم من الغاز الطبيعي.

 ومن الآراء التي أثارت الكثير من النقاش حول هذا الكتاب، تلك التي أصدرها المؤلف حيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يصفه بأنه «ديمقراطي مصفّى» وحيال روسيا. إنه يؤكد بأن بوتين، صديقه منذ سنوات طويلة، يتحلّى بفضيلة إعادة بناء الدولة وخاصة فيما يتعلق بمهمتها الأكثر أساسية، أي «ضمان الأمن» لمواطنيها. وهذا، كما يحدد القول، رغم الإرث الثقيل الممتد لمئة وخمسين سنة من حكم القياصرة والدكتاتورية الشيوعية و«تراخي» الدولة خلال عقد التسعينات الماضي.

ويؤكد شرويدر أيضا أنه إذا أرادت أوروبا أن تحافظ على موقعها القوي إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية والدول الصاعدة، وفي مقدمتها الصين والهند، فإنه عليها أن تقيم «علاقة إستراتيجية» مع روسيا. ولا يتردد المستشار الألماني السابق في إعلان أن له علاقات شخصية وديّة جدا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ولا ينسى أن يؤكد في هذا السياق أيضا أن النخبة المثقفة الروسية تحاول وضع نفسها في الإطار العام للمنظور الأوروبي، وأنه ينبغي «عدم تخييب أملها» مما قد يدفعها للاتجاه نحو الأفق الآسيوي. وكإشارة سريعة، كان جيرهارد شرويدر وزوجته «دوريس» قد تبنيا «فكتور»، الطفل الروسي الذي يزيد عمره قليلا على السنة، وذلك بفضل «الدعم الودّي» لفلاديمير بوتين. كتاب بيعت منه عشرات الآلاف من النسخ، وصدر في وقت واحد بكل من ألمانيا وفرنسا.