المذهب البروتستانتي

 

 

إسم الكتاب:المذهب البروتستانتي

تأليف : ستيفن براون 

الناشر: فاكتس أون فايل - نيويورك 2007

الصفحات : 128 صفحة من القطع الكبير

 

مؤلف هذا الكتاب هو البروفيسور ستيفن براون أستاذ الفلسفة وعلم اللاهوت في القرون الوسطى. وقد مارس مهنة التدريس في عدة جامعات أوروبية وأميركية من بينها جامعة ليل، وجامعة السوربون، وسواهما. كما أنه رئيس الجمعية الفلسفية للقرون الوسطى وعصر النهضة، وعضو في العديد من الجمعيات الأخرى ومراكز البحوث.وهو يقدم في هذا الكتاب لمحة تاريخية عامة عن المذهب الثاني في المسيحية بعد المذهب الكاثوليكي: أي البروتستانتية.

ومعلوم أن هذا المذهب تشكل في القرن السادس عشر عندما انفصل لوثر عن روما والفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية وأسس هذا المذهب الجديد لأول مرة في التاريخ. وكلمة بروتستانتي في اللغات الأوروبية تعني الاحتجاج والمعارضة. وقد دعي بذلك لأن أتباع هذا المذهب احتجوا على بابا روما وعارضوه في أشياء عقائدية كثيرة. ثم يردف المؤلف قائلا: وقد نشأ هذا المذهب في القرن السادس عشر كرد فعل على الكنيسة الكاثوليكية التي تجاوزت الحدود في الفساد الأخلاقي والخروج على الإنجيل ومبادئ الدين المسيحي.

وقد وصل الأمر بالبابا وكبار رجال الدين آنذاك إلى حد المتاجرة بالدين من أجل كسب المال بأي شكل. ومعلوم أن مارتن لوثر احتج بقوة على هذا الانحراف وبخاصة عندما أمر البابا ببيع صكوك الغفران من أجل جمع أكبر قدر ممكن من المال من الشعب الألماني وبقية الشعوب المسيحية الأوروبية. وبما أن الشعب آنذاك كان فقيرا جاهلا ويخاف على آخرته ويطيع رجال الدين بشكل أعمى فإنه كان يشتري صكوك الغفران هذه لكي يحظى بالجنة ولا تذهب روحه إلى النار.

وعندئذ ظهر مارتن لوثر وقال لهم: هذا كله كذب وافتراء! الدين لا يشترى بالفلوس أو الجنة ليست لمن يدفع أكثر لبابا روما وبطانته الذين لا يشبعون من المال. الجنة هي للمؤمنين الحقيقيين الذين يخشون الله ويعملون صالحا ويرأفون بالفقراء ولا يبتزونهم ويسرقون اموالهم. وبالتالي فكل صكوك الغفران هذه لا تفيدكم شيئا فلا تشتروها إذن. وعندئذ غضب البابا غضبا شديدا على لوثر وكفّره وأخرجه من أمة المسيحيين. فكان أن رد عليه لوثر بالصاع صاعين وحرق فتاواه على مشهد من الناس.

وقال لوثر للجميع: إن بابا روما بشر مثلكم وليس معصوما أبدا. هذه كذبة كبرى لا تنطلي إلا على الفقراء والأميين. وعندئذ حاول البابا قتله ولكنه لم يستطع لأن الأمة الألمانية اجتمعت حول لوثر وحمته. وبدءا من تلك اللحظة ظهر الإصلاح الديني في أوروبا وتشكلت البروتستانتية التي أصبحت المنافس الأكبر للمذهب الكاثوليكي في أوروبا.

بل إنها تشكل المذهب الغالب في الولايات المتحدة. من هنا زادت أهمية المذهب البروتستانتي على المذهب العالمي. ولكن المذهب البروتستانتي انقسم هو نفسه إلى عدة تيارات. فهناك أولا التيار اللوثري الذي يضم الآن خمسة وخمسين مليون شخص ومعظم أتباعه موجودون في ألمانيا وشمال أوروبا كالسويد والنرويج والدنمارك.

يليه من حيث القوة تيار كالفن المؤسس الثاني للإصلاح الديني في أوروبا بعد لوثر. وهو فرنسي وليس ألمانيا. وتعتبر مدينة جنيف العاصمة الرئيسية لكالفن وتياره. ويبلغ عدد أتباع هذا المذهب في العالم كله خمسين مليون شخص، وهم منتشرون في ألمانيا، وفرنسا، وسويسرا، وبلاد أخرى عديدة.

ثم يضيف المؤلف قائلا: وهناك أيضا التيار الإنجيلي بالمعنى الواسع للكلمة، وهو منتشر جدا في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية. ويقدر عدد أعضائه بمئتي مليون نسمة. ثم هناك المذهب الانغليكاني السائد في انجلترا، ويبلغ عدد أعضائه سبعين مليون نسمة. ولكن هذا العدد مبالغ فيه. فالواقع أن عدد البروتستانتيين في العالم كله لا يتجاوز الخمسمئة مليون نسمة. وهذا يعني أن التصنيف السابق لا يمثل العدد الحقيقي وإنما يخلط بين عدة تيارات دفعة واحدة. ولهذا السبب تضخم العدد.

 مهما يكن من أمر فإن خمسمئة مليون نسمة ليس بالعدد القليل. نقول ذلك وبخاصة أن البروتستانتيين موجودون في دول صناعية غنية، متقدمة جدا عموما. إنهم موجودون في الولايات المتحدة، وكندا الانجليزية، وأستراليا، وانجلترا، وألمانيا، والبلدان الاسكندنافية، وايرلندا، وهولندا...

ولكن عدد الكاثوليكيين يبقى أكبر منهم بكثير. إنه يصل إلى الضعف. وبالتالي فيوجد في العالم مليار كاثوليكي أو أكثر قليلا. أما المذهب المسيحي الثالث الكبير فهو المذهب الأرثوذكسي المنتشر في روسيا والعالم الشرقي بما فيه اليونان والعالم العربي. ويبلغ عدد أتباعه حوالي الخمسمئة مليون شخص أيضا. هكذا أصبح عدد المسيحيين بكل مذاهبهم حوالي ملياري شخص.

ثم يردف المؤلف قائلا: ولكن هناك خلافات عميقة بين هذه المذاهب. وقد جرت بينها عدة صراعات وحروب مذهبية على مدار التاريخ. وكان آخرها الصراع الكاثوليكي ـ البروتستانتي في ايرلندا. ولم يخمد أواره إلا مؤخرا كما هو معروف بعد أن اتفق كلا الطرفين على وضع حد للحرب الأهلية المدمرة.

والشيء الأساسي الذي يميز البروتستانتيين عن الكاثوليكيين هو أنه لا يوجد فوق رأسهم بابا ولا فاتيكان ولا سلطة عليا إلا سلطة الكتاب المقدس: أي الإنجيل. يضاف إلى ذلك أن رجال الدين عند البروتستانتيين يتزوجون وينجبون الأطفال على عكس ما هو حاصل عند الكاثوليكيين حيث يمنع الزواج منعا باتا. يضاف إلى ذلك أن البروتستانتيين يؤمنون بالقضاء والقدر وأن الله هو الذي يختار عباده الصالحين الذين سينجيهم في الدار الآخرة، وبالتالي فالأعمال الإنسانية ليست هي الأساس، إنها تجيء بعد الإيمان.

أما الكاثوليك فيعتقدون بأن أعمال الإنسان هي التي تحسم مصيره في الدار الآخرة. فإذا عمل صالحا دخل الجنة وإذا عمل الشر دخل النار. وهذا يعني أن الإنسان مسؤول عن أعماله حقا أو باطلا. وهنا تبدو عقلانية المذهب الكاثوليكي بالقياس إلى المذهب البروتستانتي. فالأول يؤمن بأن الإنسان حر في حين أن الثاني يعتقد أن إرادة الإنسان لا تغير في الأمر شيئا.

ثم يردف المؤلف قائلا بما معناه: ولكن على الرغم من كل ذلك فإن المذهب البروتستانتي كان أقرب إلى العلماء والفلاسفة من المذهب الكاثوليكي. ولم يحارب العلم الحديث وإنما شجع عليه، هذا في حين أن البابا أدان غاليليو وكل النظريات العلمية الحديثة. وبالتالي فالكنيسة الكاثوليكية كانت تاريخيا في الأكثر تعصبا ولكن ذلك لا يعني بأنه لا توجد أصولية بروتستانتية. فالواقع أنها موجودة وقوية حاليا في أميركا.

وتعود أصولية البروتستانتيين إلى كونهم يتمسكون بالكتاب المقدس بشكل حرفي ويرفضون تأويله على الطريقة المجازية. فإذا قال بأن الأرض مسطحة فإنهم يعتقدون أنها مسطحة، وإذا قال بأن الشمس هي التي تدور حول الأرض فإنهم يتمسكون بحرفية النص ويرفضون نظرية كوبرنيكوس وغاليليو. ولكن هناك تيار ليبرالي عريض في البروتستانتية، وهو يفسر الكتاب المقدس بشكل مجازي لا حرفي ويحاول إقامة المصالحة بينه وبين العلم الحديث عن طريق التأويل التاريخي والعقلاني للنص.

يبقى صحيحا القول بأن الأصولية البروتستانتية الأكثر تعصبا ازدهرت في الآونة الأخيرة وبخاصة بعد ضربة 11 سبتمبر. وأتباع هذا التيار موجودون بكثرة في الولايات الجنوبية الأميركية. ومعلوم أن هذه الولايات كجورجيا وسواها كانت عنصرية وشديدة التعصب ضد السود، بل لا تزال في قسم كبير منها حتى الآن. أما الولايات الشمالية فهي أكثر تحررا واستنارة.

وقد استغل بعض أقطاب هذا التيار الأصولي جريمة 11 سبتمبر لكي يشيعوا أفكارهم في كل أنحاء أميركا. ومعلوم أنهم يرفضون تدريس نظرية التطور لداروين في المدارس الأميركية التي يسيطرون عليها، ويقولون بأن هذه النظرية مضادة لما ورد في الكتاب المقدس وبالتالي فهي كافرة ومحرمة، ولا يخطر على بالهم أن الكتاب المقدس يستخدم لغة مجازية للتحدث عن تشكل الكون والظواهر. وبالتالي فلا ينبغي أخذ كلامه على حرفيته.

مهما يكن من أمر فإن هذا التيار الأصولي المتعصب أصبح يؤثر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، من هنا خطورته. ولكن بما أن الشعب الأميركي مستنير في غالبيته العظمى فلا يتوقع أحد أن يستمر مثل هذا التيار لوقت طويل. وبالتالي فإن ازدهاره عائد إلى ظروف عارضة وسوف يزول بزوالها.

المصدر:البيان الإماراتية