القوى الفاعلة الاجتماعية وسلطة الأفكار الجديدة

 

 

إسم الكتاب:كيف يمكن تغيير العالم القوى الاجتماعية الفاعلة وسلطة الأفكار الجديدة

How to change the world social entrepreneurs and the power of new ideas

تأليف :دافيد بورنستاين  David Bornstein

الناشر:جامعة أوكسفورد - نيويورك 2005

الصفحات : 320 صفحة من القطع المتوسط

 

دافيد بورنستاين، صحافي في نيويورك وأخصائي بمسائل التحديث الاجتماعي، كتب الكثير من الدراسات ونشر العديد من الكتب في ميدان اهتمامه، حيث لفت انتباه النقّاد له منذ صدور كتابه الأول الذي حمل عنوان: «ثمن الحلم». وله كتاب شهير آخر هو: «بنك الفقراء» الذي كرّسه لدراسة تجربة «محمد يونس» الذي كان وراء إنشاء ذلك البنك في بنغلاديش.

«كيف يمكن تغيير العالم؟»... هذا السؤال طرحه مفكرون وحركات سياسية ومنظّرون إيديولوجيون عديدون منذ القدم حتى اليوم. لكن مؤلف هذا الكتاب دافيد بورنستاين، يطرحه بالأحرى ويجيب عليه بنفس الوقت عبر التأكيد على دور الفعل الاجتماعي والأفكار الجديدة.

وقد اختار لتصديره جملة قالها ذات يوم القس الأميركي الأسود الشهير مارتن لوثر كينغ وجاء فيها: «إن التعاطف الحقيقي مع الآخر لا يتمثل بأن تعطي قطعة نقدية لأحد المتسولين، وإنما أن تفهم ضرورة ترميم البنية التي كانت وراء إنتاج مثل هؤلاء المتسولين». ولعلّ هذا يقارب كثيراً المثل العربي الشهير القائل: بدلاً من أن تقدم لابنك كل يوم سمكة عليك أن تعلّمه كيف يصطاد السمك. بتعبير آخر تنبغي معالجة الأسباب وليس النتائج.

 إن مؤلف هذا الكتاب يقدّم، بغية شرح أطروحاته، العديد من الأمثلة التي تخص أولئك الذين ساهموا بتغيير الواقع الذي يحيط بهم، وبالتالي إلى درجة ما بتغيير العالم، عبر القيام بمبادرات تقوم على أفكار جديدة. فهذا هو «فابيو روزا» في البرازيل يخترع تكنولوجيا جديدة من أجل تزويد بيوت الريفيين بالكهرباء إنما بتكلفة أقل بكثير من المألوف مما سمح بتجهيز تلك البيوت بأدوات التبريد وساهم في تأمين تمديدات المياه كما سهّل عمليات الري؛ أي أحدث «انقلاباً» حقيقياً في حياة البشر المعنيين.

وتجربة أخرى يتعرض لها المؤلف وهي تلك التي قام بها «جيرو بيلليموريا» في الهند عندما أطلق مشروعه المعروف باسم هاتف الأطفال«تشايلد لاين» والذي قدّم من خلاله الخدمة المستمرة والمجانية الأولى للمساعدة الهاتفية للأطفال المشرّدين في الشوارع. هذه القوى، من أشخاص أو مجموعات، يحدد سماتها الرئيسية برفضها للأوضاع القائمة «المنخورة» في أساسها،

 وعدم اكتفائها بالرفض «قولاً» وإنما انتقال إلى الرفض «فعلياً» من خلال استثمار فرص وأفكار جديدة يكون منها المساهمة بتغيير مجتمعاتها في بنيتها نفسها. ومن خلال دراسة مجموعة التجارب المعروضة في الكثير من البلدان في مختلف أصقاع العالم، يؤكد المؤلف على الصعود الكبير والقوي الذي حققه «قطاع النشاط الاقتصادي لغاية غير ربحية» باعتماده على جهود أشخاص عاديين وإنما صمموا على أن يساهموا هم أنفسهم في حل المشكلات الاجتماعية المطروحة.

الأفراد الذين يقدمهم المؤلف «ليسوا من المشاهير عامة»، كما يقول ويضيف انهم «ليسوا شخصيات سياسية مرموقة» أو «رجال صناعة كبار». لكنهم جميعهم يشتركون في صفة واحدة «انهم جميعهم مجددون اجتماعيون انطلقوا من فكرة قوية يمكنها أن تحسّن من الحياة اليومية لمعاصريهم».

ويناقش المؤلف مفهوم «الفعل الاجتماعي» على المستوى العالمي، وذلك على اعتبار أنه قد غدا ظاهرة عالمية وحيث أن «العقول الخلاّقة تتعبأ في كل مكان من أجل إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية». ثم إن جميع بلدان العالم تواجه، بنظره، نفس النمط من المصاعب على مستوى المنظومات التربوية وضعف العناية الصحية والتهديدات التي تستهدف البيئة وفقدان مصداقية المؤسسات السياسية والفقر وارتفاع نسبة الجريمة، الخ.

 وهنا يفتح المؤلف قوسين ليؤكد أن مهمة «القوة الفاعلة اجتماعياً» هي أكثر صعوبة في البلدان الفقيرة إذ عليها أن تواجه مشكلات عدد «أكبر» من البشر مع وجود إمكانية «أقل» على الصعيد المادي. وهذا يتطلب بالضرورة قدراً أكبر من «المخيلة الخلاّقة». ثم ان تجربتها يمكن أن تكون مفيدة جداً لجميع أولئك الذين يريدون أن يتركوا «بصمة إيجابية على العالم» الذين يعيشون فيه، لاسيما من حيث الاستجابة «لمتطلبات السوق» الهائلة بإمكانيات محدودة.

ويركز المؤلف على «عالمية» القطاع التشاركي، حيث يشير إلى أنه منذ ربع قرن فقط كان عدد المنظمات غير الحكومية محدوداً جداً في العالم، وهي تعد الآن بالملايين في مختلف بلدان العالم. وهذا ما يعيده لواقع أن «البذرة والأرض كانا ملائمين» لنمو الظاهرة وترعرعها.

 ففي أندونيسيا مثلاً لم يكن هناك منذ 20 سنة سوى جمعية مستقلة واحدة للدفاع عن البيئة ويوجد اليوم منها أكثر من 2000 جمعية. وأكبر المشاريع في بنغلاديش تقوم بها أو تديرها ال20 ألف منظمة غير حكومية التي قامت بأغلبيتها خلال ربع القرن الأخير.

 والظاهرة تتكرر أيضاً بالنسبة للهند والبرازيل وسلوفاكيا وغيرها، ولكن أيضاً في فرنسا وكندا والولايات المتحدة نفسها حيث يشير المؤلف إلى أنه «ما بين عام 1989 وعام 1998 ازداد عدد جمعيات النفع العام المعلنة لدى دوائر الضرائب من 464 ألف جمعية إلى 734 ألفاً».

هذه المنظمات أطلقوا عليها أحياناً تسمية «غير ربحية» أو «إنسانية» أو «القطاع الثالث»، لكن مؤلف هذا الكتاب يفضّل عليها كلها تسمية «القطاع التشاركي». لكن وأبعد من كل التسميات يؤكد على المكانة التي اكتسبتها حيث أنه يتم تدريسها في كبريات الجامعات الأميركية مثل هارفارد ويال وستانفورد وجون هوبكنز.

كذلك يركّز في هذا السياق على الدور الذي لعبه بعض «النشطاء» في تطوير «القطاع التشاركي» كله، وفي دفع بعض المنظمات «قليلة النشاط» إلى إدراك أنها لا تستطيع المحافظة على «خمولها» وأنه عليها أن تواكب «موجة القوى الاجتماعية الفاعلة الحيوية التي تخلق منظمات إستراتيجية فاعلة بدورها».

ويؤكد مؤلف هذا الكتاب أن سقوط الأنظمة الشمولية والدكتاتورية في أميركا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا الشرقية والوسطى قد ساعد كثيراً في خلق مناخ ملائم لانتشار الظاهرة التشاركية. مع ذلك يؤكد أن الحرية وحدها لا تكفي لذلك وإنما ينبغي أيضاً توفير المال لتمويل مبادرات الأفراد.

هذا وكان القرن العشرين قد شهد في البلدان التي اعتمدت اقتصاد السوق زيادة في دخل الفرد بنسبة 700 بالمئة على الأقل. وكانت تلك الزيادة كبيرة خلال سنوات 1960 و1970 عندما شهد الاقتصاد العالمي نمواً اقتصادياً بنسبة 5 بالمئة وازدهر النشاط الاقتصادي في جميع بلدان العالم عملياً.

وبالموازاة مع الازدهار الاقتصادي ازداد معدّل عمر الإنسان بنسبة 30 بالمئة تقريباً في البلدان الصناعية و40 بالمئة في البلدان الفقيرة منذ عام 1900. وتضاءلت نسبة الأمية في العالم ما بين 1970 و1985 من نسبة 20 بالمئة تقريباً في الفترة نفسها بالنسبة للبالغين. هذا كله خلق واقعاً سمح للأفراد بامتلاك أدوات فعالة لمواجهة المشكلات الاجتماعية.

 ويشرح المؤلف كيف أن الثلاثين سنة الأخيرة قد شهدت تعاظم عدة ظواهر تذهب كلها في اتجاه تعزيز روح المشاركة مثل تقدم حركات الدفاع عن حقوق النساء وتراجع التمييز العنصري، مما أعطى إمكانيات جديدة للعديد من الأقليات كالسود في الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل وجنوب إفريقيا.

كما أن أجيال ما بعد نهاية الحقبة الاستعمارية ونهاية الأنظمة الدكتاتورية في أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا أصبحت تطالب أكثر فأكثر وتؤكد مطالبتها بحقوقها الديمقراطية. كما تتم الإشارة في هذا السياق إلى التسهيلات الكبيرة التي وفّرتها التكنولوجيات الجديدة في الانتقال السريع للأشخاص وللأموال للمعلومات في العالم أجمع. والمحصلة من هذا كله زيادة قدرة مواجهة المشكلات الاجتماعية بقدر أكبر من الطرق التجديدية ومن الجرأة. وإذا كان قد ازداد «الغرض» في المجال الاقتصادي فإن «الطلب» قد تقدّم أيضاً هو الآخر.

 ويؤكد المؤلف أهمية التعبئة للدفاع عن البيئة لاسيما وأن تقريراً لمجلس الاستخبارات القومية الأميركية قد أشار إلى أن السنوات المقبلة سوف تشهد تدهوراً كبيراً في الأراضي القابلة للزراعة وزيادة في غاز الفحم بالجو وانحسار الغابات الاستوائية. وبنفس الوقت انحسرت قدرة الدول في مواجهة المشكلات مطروحة على الصعيد العالمي.

ثم إذا كانت الديمقراطية قد «انتصرت» في جميع أصقاع العالم تقريباً فإن «المشاركة الانتخابية قد تراجعت بما في ذلك في الولايات المتحدة، حيث بلغت نسبة الذين لا يقترعون أرقاماً قياسية تاريخية». وفي مواجهة هذا كله يمكن ل«القوى الاجتماعية» الفاعلة أن تساهم في إعطاء نفحة جديدة «لإصلاح الليبرالية والأنظمة السياسية».

ويرفض المؤلف تسمية ذلك ب«مناهضة العولمة» حسب القاموس السائد، إذ يرى بها «حركة أقل معارضة للعولمة مما هي إستراتيجية يعدّها مواطنون بغية استرداد جزء من السلطة التي تركتها الدول للشركات الكبرى». وهؤلاء «الفاعلون الاجتماعيون» يهزّون الأنظمة القائمة ويساهمون قليلاً في «التدمير الخلاّق» للآليات التي كانت وراء قيام المنظومات التي أنتجت المشكلات التي تهدد العالم في وجوده نفسه أحياناً.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: البيان الإماراتية