مركز "راند": الإسلام "المعتدل" هو الحل لأمريكا

 

 

إسم الكتاب: العالم المسلم بعد 11/9

المؤلف: مركز "راند" بواشنطن

قراءة وترجمة: شيرين حامد فهمي

 

"العالم المسلم بعد 11/9" هو كتاب أصدره مركز "راند" في أكثر من 500 صفحة في عام 2004 لبحث التفاعلات والديناميات المؤدية إلى حدوث التغيرات الدينية-السياسية التي يشهدها المسرح الإسلامي الراهن بهدف إمداد صانعي السياسة الأمريكية برؤية شاملة عن الأحداث والتوجهات الواقعة حاليا في العالم الإسلامي.

ويقدم الكتاب في محوره الأول خريطة شاملة للتوجهات الأيديولوجية في المناطق المختلفة بالعالم الإسلامي مشيرا إلى أن المسلمين لا يختلفون فقط في الرؤى الدينية، بل يختلفون أيضا في الرؤى السياسية والاجتماعية مثل الحكومة والقانون وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والتعليم.

و يتناول الجزء الثاني من الكتاب الخلافات القائمة بين المسلمين بعضهم البعض، مع تركيزه على خلافين أساسيين هما الخلاف السني-الشيعي والخلاف العربي-غير العربي حيث يخلص إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تثبت ولاءها للشيعة العراقية لصد المد الشيعي الإيراني رغم صعوبة ذلك، كما يرى أن مركز ثقل الإسلام سيتجه حتما ناحية "الأطراف" غير العربية التي تتسم بطبيعة أكثر ديناميكية، وكذلك بطبيعة أكثر ديمقراطية علمانية مقارنة بالدول العربية التي تشهد أدنى مستويات التقدم والتحضر مقارنة بالمناطق النامية الأخرى.

دوافع الإسلاميين الراديكاليين

وبعد أن قام الكتاب بتقسيم العالم الإسلامي وبيان الخلافات القائمة بين المسلمين سعى إلى توظيف هذا المدخل ليقوم في المحور الثالث بدراسة الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الإسلاميين الراديكاليين، حيث يستنتج أن هناك ثلاثة أسباب كبرى تضافرت مع بعضها البعض هي: الظروف أو الأحوال ذات الصفة الاستمرارية أو شبه الاستمرارية، وهي الـconditions؛ والعمليات التي تتطور عبر فترة ممتدة من الوقت، وهي الـprocesses؛ والأحداث الكبيرة – مثل الحروب والثورات – التي كان لها تأثير كبير في تغيير التفاعلات السياسية في دولة ما بشكل جذري، وهي الـcatalytic events.

1ـ الأحوال الغالبة الدائمة:

يذكر الكتاب ثلاثة عوامل كان لها أثر فعال في تشكيل البيئة السياسة بالعالم المسلم. أولها يتمثل في فشل النماذج السياسية والاقتصادية التي سادت بعد تخلصه من الاحتلال الأجنبي. ذلك الفشل الذي فرخ جميع أشكال التعصب والتطرف المشهودة حاليا على الساحة الإسلامية، والذي أدى إلى ظهور العامل الثاني الذي يسمى "المناهضة البنيوية للغرب" أو structural anti-Westernism؛ وهي مناهضة سرعان ما تتفجر بمجرد ظهور أي سياسة أمريكية "مستفزة. وهى مناهضة متجذرة في العمق، مما يُصعّب اقتلاعها أو تليينها، مهما بلغت الوسائل  الأمريكية من حنكة أو دبلوماسية. وأخيرا، فإن ثالث هذه الأحوال تمثل في تفتت مركزية السلطة الدينية للإسلام السُني الأمر الذي جعله عرضة لاستغلال المتطرفين والمتشددين ذوي الصيت الديني الواسع.

2 ـ العمليات المتطورة المتغيرة:

أدرج الكتاب تحت هذا البند العديد من العمليات التي أدت بكثير من المسلمين إلى انتهاج الإسلام "الراديكالي"؛ ومنها:

1) انتشار الصحوة الإسلامية في وسط المسلمين على امتداد العقود الثلاثة الماضية، وتسببها في خلق فجوة كبيرة بين المسلمين القوميين المؤمنين بالقومية العربية وبين المسلمين المؤمنين بالحل الإسلامي.

2) ضخ التمويلات الخارجية التي تستهدف دعم المتطرفين والمتشددين، وأكثرها التمويلات السعودية الساعية إلى نشر الفكر الراديكالي العنيف، وإلى ترويج الأيديولوجية الوهابية عبر القنوات العامة والخاصة.

3) تعانق التطرف مع القبلية، إذ يرى الكتاب وجود علاقة وطيدة بين المجتمعات القبلية وبين التشدد الديني؛ فغياب سلطة مركزية قوية في وسط المجتمع القبلي تهيئ الأخير وتشجعه على خلق أنواع خاصة به من التطرف والتشدد الديني.

4) تنامي الشبكات الإسلامية الراديكالية التي تجمع تحت لوائها أصنافا متباينة من البشر ولكن ذات خلفية دينية واحدة؛ وهي إما شبكات تجمع المال، أو تجمع أهل الشتات، أو تجمع قلوب وأفئدة الناس.

5) ظهور طفرة في الفضائيات في البلدان الإسلامية، وأعظمها أثرا قناة "الجزيرة" الفضائية وما يشبهها من قنوات تعمل على إثارة الشعور لدى المسلم العادي بـأنه "ضحية"، فكيف سيكون الأثر على المسلم المتشدد؟.

3 ـ الأحداث الجوهرية الدافعة:

أما الأحداث الجوهرية الدافعة التي ذكرها الكتاب، فهي تتلخص في الآتي: الثورة الإيرانية؛ الحرب الأفغانية؛ حرب الخليج 1991؛ الحرب العالمية على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001؛ غزو العراق 2003.

واللافت للانتباه أن الكتاب لم يدرج الصراعين العربي الإسرائيلي والهندي الباكستاني من ضمن الأحداث الجوهرية الدافعة، بل أدرجهما من ضمن "العمليات" التي شكلت الحوار السياسي في كل من الشرق الأوسط وجنوب آسيا على امتداد نصف قرن، والتي أخرت النضج السياسي في كل من العالم العربي وباكستان نتيجة لانصرافهما عن الأزمات والإشكاليات الداخلية، كما يرى الكتاب.

فعلى سبيل المثال، أدت أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى إعادة الشراكة الإستراتيجية بين عدد من الدول المسلمة أبرزها باكستان وبين الإدارة الأمريكية؛ وذلك في ظل الحرب العالمية على الإرهاب.

أما حرب العراق في عام 2003، فقد أدت بدورها إلى زرع القوة الأمريكية في داخل المنطقة العربية الإسلامية؛ وهو حدث يعتبر طفرة حقيقية على مسار العلاقات الأمريكية العربية الممتدة على مدار نصف قرن، ويعتقد الكتاب أن هذا الوضع لم يؤد فقط إلى ظهور القوى الإسلامية "المتطرفة"  ، وإنما أدى أيضا إلى صراع بين النموذج الديمقراطي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تدشينه ليصير أول تجربة ديمقراطية في الشرق الأوسط وبين النموذج "المتطرف" الذي يسعى "المتطرفون" إلى تطبيقه.  

سيناريوهات المواجهة الأمريكية

أكثر ما يشدد عليه الكتاب هو ظاهرة انتشار التفسيرات الراديكالية حول الإسلام، وتمكنها من العقول المسلمة. وهي بالطبع ظاهرة تُزعج الإدارة الأمريكية التي ستجد عنتا شديدا في إقناع العقول المسلمة بأفكارها الليبرالية المناهضة للراديكالية، مما سيعني تعطيل المصالح الأمريكية في العالم المسلم. ومن ثم فإن "حرب الأفكار" ليست بالحرب السهلة؛ بل هي حرب في غاية الصعوبة من وجهة نظر مؤلفي الكتاب. والسؤال المطروح الآن هو: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتفاعل مع التحديات والفرص التي تفرضها الساحة المسلمة اليوم؟ وهنا يطرح الكتاب "الراندي" سلسلة من المقترحات الاجتماعية والسياسة والعسكرية: 

1 ـ إيجاد شبكات إسلامية "معتدلة":

يدعو الكتاب إلى مساعدة المسلمين "المعتدلين" و"الليبراليين" على توصيل أصواتهم إلى بقية المجتمعات المسلمة من خلال خلق شبكات ضخمة تتحدث بلسانهم وتعبر عن أفكارهم. ويقول: "إن الحرب من أجل الإسلام سوف تتطلب خلق جماعات ليبرالية بهدف إنقاذ الإسلام من خاطفيه، وإن إيجاد شبكة دولية يعتبر خطوة في غاية الأهمية؛ لأنها ستوفر منبرا أساسيا لتوصيل رسالة المعتدلين وستوفر لهم قدرا من الحماية، إلا أن المعتدلين ليس لديهم المصادر لخلق مثل هذه الشبكة الدولية".

2 ـ إتلاف الشبكات الراديكالية:

على الناحية الأخرى، يدعو الكتاب إلى اتباع إستراتيجية الإتلاف لكل الشبكات التي تستخدم العنف. ويتطلب ذلك قدرا كبيرا من الجهد من الإدارة الأمريكية، لكي تتفحص من خلاله أصول ومصادر الشبكات الإسلامية المتواجدة على الساحة. ومثل هذه الخطوة ستصب بالتأكيد في دعم "المعتدلين" وتقوية شوكتهم.

ويعتقد مؤلفو الكتاب أن تمويل المنظمات الراديكالية ينبع أصلا من السعودية ومن دول خليجية أخرى. ومن ثم فهم يرون ضرورة مراقبة عملية دوران تلك التمويلات، خاصة عند طرفي البداية والنهاية، وتزويد الدول الإسلامية بجميع القدرات التقنية الممكنة التي تساعد على مراقبة التدفقات المالية بسرعة وسهولة.

3 ـ تشجيع إصلاح المدارس الدينية والمساجد:

يعتبر الكتاب المدارس "الراديكالية" المنتشرة من باكستان إلى جنوب شرق آسيا رافدا أساسيا من روافد الحركات الراديكالية الإرهابية؛ ومن ثم ينادي الإدارة الأمريكية والمؤسسات الدولية ودولا أخرى متضررة من تلك الحركات والجماعات بتكثيف الجهود الرامية إلى إصلاح تلك المدارس عبر إعدادها وتجهيزها لتقدم تعليما حديثا يمد الطالب المسلم بالقدرات "السوقية" والتجارية. كذلك ينادي الكتاب الإدارة الأمريكية  بتأييد جهود الحكومات والمنظمات المسلمة المعتدلة في جعل المساجد صرحا لخدمة المجتمعات المسلمة، وليس ساحة لنشر الأيديولوجيات الراديكالية. 

4 ـ توسيع الفرص الاقتصادية:

يرى الكتاب أن توسيع الفرص الاقتصادية لدى الشباب المسلم هي التي ستصرفه عن الالتحاق بالمنظمات الراديكالية. ومن ثم يدعو إلى حتمية قيام الإدارة الأمريكية بالمبادرات التي من شأنها تحسين الحالة الاقتصادية لدى هؤلاء الشباب، على أن تكون المعونات الأمريكية معتمدة أصلا على المنظمات غير الحكومية المتواجدة في المنطقة؛ وكذلك أن تكون ملائمة للأوضاع المحلية. إضافة إلى ضرورة تدشين برامج ثقافية وتعليمية في الدول المسلمة لتقوم بوأد الأفكار "الراديكالية" وأن تستبدل بها الأفكار "العلمانية" أو "المعتدلة".

5 ـ دعم الإسلام المدني:

يمثل دعم العلاقات مع جماعات المجتمع الإسلامي المدني التي تسعى إلى تطبيق الاعتدال والحداثة مكونا فعالا في السياسة الأمريكية تجاه العالم المسلم". لذا يضع الكتاب هذا الهدف على سلم الأولويات عبر المشاركة الأمريكية في تنمية وتطوير المؤسسات المدنية الديمقراطية التي لم تر النور حتى الآن.

6 ـ الموازنة بين حرب الإرهاب ودمقرطة الدول الإسلامية:

يحذر الكتاب الإدارة الأمريكية في إطار حربها على الإرهاب من خطر الوقوع في الفخ الذي يرسمه لها الإسلاميون الراديكاليون وهو أنها تخوض حربا ضد الإسلام، فالإدارة الأمريكية ملزمة بإفهام الشعوب المسلمة بمدى رفضها للأنظمة المسلمة الديكتاتورية، وسعيها إلى تحقيق تحول ديمقراطي فعال في أنحاء العالم المسلم؛ ومواصلة حربها على الإرهاب في نفس الوقت حتى ولو استخدمها الراديكاليون كثغرة للنفاذ من خلالها.

7 ـ إدماج الإسلاميين في السياسة العامة:

هناك اعتقاد سائد يقول: بمجرد وصول الإسلاميين إلى السلطة فستكون هناك قطيعة مع الديمقراطية والحرية؛ إلا أن الكتاب يأمل في انقشاع ذلك الخطر تدريجيا إذا ما تدرب الإسلاميون -تدريجيا أيضا- على التعامل واقعيا وتطبيقا مع المؤسسات الديمقراطية. وهذا لن يتأتى إلا من خلال انخراط الإسلاميين (حتى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر) في داخل العملية الديمقراطية؛ فذلك هو خير ضامن لإنهاء حالات العنف المتفشية وسط الإسلاميين، كما يرى الكتاب.

8 ـ العمل مع المسلمين المغتربين:

يلفت مؤلفو الكتاب الانتباه إلى المسلمين المغتربين كعنصر أساسي ومهم في مساعدة الولايات المتحدة في تحقيق مصالحها داخل العالم المسلم. فعلى سبيل المثال، تعتبر المجتمعات المسلمة المتواجدة في الولايات المتحدة، بما لديها من مخزون ثقافي عالٍ، تعتبر رأس حربة لإحياء الديمقراطية والتعددية في العالم المسلم. إلا أنه لا بد من انتهاج الحيطة عند إدراج المنظمات الإسلامية غير القومية في أي تنمية ديمقراطية.

9 ـ إعادة العلاقات العسكرية مع الدول الإسلامية الرئيسية:

يطالب الكتاب الولايات المتحدة بضرورة تفعيل العلاقات العسكرية مع الدول الإسلامية لأن إيجاد ضباط مسلمين مُدربين أمريكيا؛ من خلال برامج مثل "التعليم والتدريب العسكري الدولي" لا تضمن فقط عدم تعرض القادة العسكريين المسلمين إلى القيم والممارسات الأمريكية، بل تضمن أيضا تزايد النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية الإسلامية.

10 ـ بناء قدرات عسكرية مناسبة:

يطالب مؤلفو الكتاب الإدارة الأمريكية بضرورة تخفيض عدتها العسكرية في العالم الإسلامي، والعمل بدلا من ذلك على دعم وجودها الاستخباراتي والنفسي والمدني، الأمر الذي يقضي على ذريعة الوجود العسكري الأمريكي لاستخدام العنف. كذلك فإن توفير الجهود والعمليات العسكرية من أجل تكثيفها فيما هو أثمن -مثل الشئون المدنية والاقتصادية والسياسة- سوف يصب بدوره في المصلحة الأمريكية بالمنطقة.

خلاصة القول: إن هذا الكتاب يقدم إستراتيجية للإدارة الأمريكية للتعامل مع الإسلام تقوم على استخدام القوة الرخوة من خلال دعم الإسلاميين المعتدلين وإحداث العديد من التغييرات الثقافية والسياسية عبر دعم المجتمع المدني المسلم وتوسيع الفرص الاقتصادية والاتجاه نحو الديمقراطية. ويطالب في نفس الوقت بالتركيز على الوجود الاقتصادي والمدني والاستخباراتي بدلا من الوجود العسكري..

فهل ستعمل الإدارة الأمريكية الحالية بالنصيحة "الراندية"؟.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصاً و دون تعليق.

المصدر: http://www.islamonline.net/Arabic/politics/2005/05/article03.shtml

 

 مواضيع ذات علاقة:

ملوك صاحبة الجلالة من التيار الإسلامي

تقهقرالأحزاب في العالم الإسلامي ...لـمـاذا ؟

الفزّاعة الإسلامية... والمسيرة الديمقراطية

"الإسلام السياسي".. بند ثابت في النقاشات الدولية

اولبرايت : العرب ينبغي ألا يستبعدوا الاحزاب الاسلامية

مثقفون مصريون يعارضون إلغاء الإسلام والشريعة من الدستور

الإسلاميون الجدد.. إلى أين؟

الأزمة الصومالية... و دبلوماسية واشنطن تجاه الحركات الإسلامية          

روسيا المُحيِّرة بين واشنطن والأصوليّة الإسلامية      

هل تكره الولايات المتحدة الإسلاميين فعلا?!                

سنة الإيذان بصعود الإسلام السياسي                       

لا دكتاتورية في الإسلام

الرأي العام الاسلامي والديموقراطية  

التحديث من صميم الإسلام كتب أوي كي بينج*  مقالا بعنوان :الإسلام أداة للتحديث نصه