الإمبراطورية الفاشية الأوروبية

 

 

إسم الكتاب: الإمبراطورية الفاشية الأوروبية

 تأليف :دافيد رودغنو 

الناشر:مطبوعات جامعة كامبردج 2006

الصفحات: 528 صفحة من القطع الكبير

 

مؤلف هذا الكتاب هو الباحث دافيد رودغنو المختص بدراسة الحركات الفاشية وتاريخ الحرب العالمية الثانية بشكل عام. وهو يقدم هنا دراسة مطولة ومفصلة عن الحركة الفاشية الأوروبية والدور الذي لعبته إيطاليا فيها داخليا وخارجيا.

يتحدث المؤلف عن توسع الفاشية الإيطالية خارج حدودها حيث احتلت اليونان وكرواتيا وإثيوبيا وبعض الدول المتوسطية الأخرى. وكما ويتحدث عن خوف الفاشيين الإيطاليين من هتلر والنازيين الألمان. فهناك دائما شخص فاشي أكثر منك! ويبدو أن هتلر كان يرعب موسوليني لأنه كان هو الأقوى. كما ويتحدث المؤلف عن ايديولوجيا الحماقة والبلاهة المتمثلة بالعقيدة الفاشية.

لكن ما هي الفاشية يا ترى؟ قبل أن نعرف ما هي القيم التي تؤكد عليها وتتمسك بها ينبغي أن نعرف ما هي القيم التي ترفضها.

في الواقع ان الفاشية الأوروبية هي حركة فكرية وسياسية ترفض المجتمع الليبرالي الذي كان قد تأسس في القرن التاسع عشر في أوروبا، وهو المجتمع البرلماني الديمقراطي القائم على مبادئ وقيم فلسفة التنوير التي ازدهرت في القرن الثامن عشر كما هو معلوم. وفلسفة التنوير وجدت تجسيدها السياسي من خلال الثورة الفرنسية.

ولذلك فإن الفاشيين يكرهون الثورة الفرنسية وكذلك الثورة الأميركية وكل ما نتج عنهما. والفاشيون لا يؤمنون بقيم المساواة والعدالة التي رفعتها الثورة الفرنسية كشعار لها. ففي رأيهم أن الناس ليسوا متساوين ولا ينبغي أن نحاول إقامة المساواة بينهم.

كما ولا يؤمنون بأن الإنسان طيب بطبيعته، وهم يكرهون المفكرين الكبار من أمثال ديكارت، وكانط، وجان جاك روسو. ومعلوم أن هؤلاء كانوا يعتقدون بأن الإنسان قادر على تحقيق التقدم في التاريخ وتحسين وضعه والخروج من مرحلة الجهالة والبربرية إلى مرحلة الاستنارة العقلية والحضارة الإنسانية. وكانوا يثقون بالطبيعة الإنسانية. ثم يردف المؤلف قائلا:

 يضاف إلى ذلك أن الفاشية تكره الديمقراطية كرها شديدا ولا تؤمن بها. لماذا؟ لأنها عبارة عن نظام ضعيف في نظر الفاشيين. فالنظام البرلماني الديمقراطي هو نظام الثرثرة الفارغة والمجانية داخل جدران البرلمان.

إنه نظام الأحزاب المتصارعة أو المتكالبة على السلطة. وبالتالي فلا خير يرجى منه لأن النواب يقضون كل وقتهم في المماحكات الجدلية بين بعضهم البعض وبالتالي فتضيع مصالح الأمة في مثل هذا الجو.

يضاف إلى ذلك أن اختيار القادة السياسيين من قبل الشعب شيء تافه وضار بالمصلحة العليا للأمة. لماذا؟ لأن الشعب قد يكون جاهلا وبالتالي فيختار أسوأ الناس لقيادته.

وترفض الفاشية أيضا حقوق الإنسان والنزعة الإنسانية عموما، كما وتحتقر الكرامة الإنسانية لأن الإنسان غير موجود في نظرها إلا بقدر ارتباطه بالأمة العرقية. فالأمة، في نظر الفاشية، هي الأساس وليس الفرد. ولذلك فإن الفاشية ترفض المجتمع الليبرالي، فهي تعتقد أن الليبرالية، أي الحرية، تؤدي في نهاية المطاف إلى الانحلال والميوعة، وتقضي بالتالي على تماسك الأمة ووحدتها المتراصة.

وبالتالي فقيم التسامح، والتعددية، والليبرالية في نظرها هي قيم سلبية لا إيجابية على عكس ما كان يظن فلاسفة التنوير ومن اتبعهم. يضاف إلى ذلك أن الفاشية ترفض العقل والعقلانية.

لماذا؟ لأن العقلانية تؤدي، في نظرها إلى كبح جماح الطاقة الحيوية أو الاندفاعة الحيوية للإنسان الأوروبي.

فالإنسان لكي ينطلق ويصنع المعجزات بحاجة إلى «جنون» أو بالأحرى إلى تحرير طاقاته الداخلية من أسر العقل والعقلانية.

ولذلك فإن الفاشية هي عقيدة الفطرة والغريزة الهائجة والعنف الثوري المتفجر. إنها رومانطيقية بالمعنى السلبي للكلمة.

ثم يطرح المؤلف هذا السؤال: ما هي القيم التي تتبناها الفاشية وتؤكد عليها؟ ويجيب بما معناه: بعد أن ذكرنا القيم التي ترفضها يجدر بنا أن نذكر القيم التي قامت على أساسها ودافعت عنها بكل قوة وعنف.

وأول هذه القيم هي القومية الشوفينية المتعصبة. فالإنسان الفاشي هو شخص قومي متحزب لعرقه أو جماعته إلى حد التعصب الأعمى. وهو يعتقد بأن الأمة الإيطالية مثلا أو الألمانية أو الفرنسية، الخ هي أمة مقدسة. وبالتالي فينبغي أن نضحي بمصلحة الفرد لصالح الأمة. وينبغي أن نحتقر الأمم الأخرى إذا كنا نحب أمتنا بالفعل.

والفاشية تدعو إلى تطهير الأمة من العناصر الأجنبية التي دخلت إليها ولوثتها. ولهذا السبب فإن الفاشيين عنصريون بطبيعتهم.

ومعلوم أن هتلر قسم البشرية إلى عدة أعراق على هيئة هرم نازل ووصل على رأسها العرق الآري أو الجرماني، وفي أسفل الهرم وضع الأفارقة السود والعرب واليهود باعتبار أنهم أعراق دنيا غير جديرة بالحضارة!

والأمة لكي تحقق أهدافها وعظمتها بحاجة إلى قائد تاريخي قوي، فاشي. ولهذا السبب فإن الفاشيين يتعلقون بالقادة الدمويين الذين لا يتورعون عن سفك الدماء إذا ما لزم الأمر. وينبغي على الشعب كله أن يسير وراء القائد الفاشي كالقطيع.

ولهذا السبب فإن جدران روما كانت مغطاة بالعبارة التالية في الثلاثينات من القرن الماضي: موسوليني دائما على حق! فالقائد الأعلى لا يخطئ وينبغي اتباعه بشكل أعمى. وبالتالي فعبادة الشخصية هي إحدى سمات الفاشية الأساسية، وعلى هذا النحو تحول ستالين إلى أب الشعوب، وهتلر إلى صنم معبود، وكذلك موسوليني.

فالقائد داخل النظام الفاشي هو شخص من طبيعة فوق البشر! وما بين القائد الأعظم والشعب ماذا يوجد؟ لا شيء إلا الحزب الواحد الأوحد: أي الحزب الفاشي، وهو حزب لا يؤمن بالتعددية ولا بحرية النقاش ولا بالرأي والرأي الآخر على الطريقة الديمقراطية.

كل هذه أشياء ينبغي حذفها في النظام الفاشي القائم على تدجين الجماهير وتأطيرها من أجل عبادة الزعيم واتباعه بدون أي مناقشة.

 وبالتالي فالطاعة الكاملة والعمياء مطلوبة في النظام الفاشي، ولهذا السبب فإن موسوليني قضى على الحياة البرلمانية في إيطاليا، وقام بتكميم الأفواه وحرية الصحافة، وفرض صحافة الحزب الواحد: أي الحزب الفاشي الإيطالي الذي يدجّن الناس كما يشاء ويشتهي ويربيهم على حب الزعيم الملهم الذي لا يفعل إلا الخير مهما فعل.

والقائد الفاشي شخص مغامر لا يحسب الحساب لأفعاله. فعندما يخطر على باله أن يغزو أحد البلدان فإنه يرسل جيوشه في جنح الظلام لاحتلاله حتى ولو أدى ذلك إلى الكارثة فيما بعد ولهذا السبب راح موسوليني يتوسع في الخارج ويحتل العديد من البلدان الواقعة حول البحر الأبيض المتوسط بالإضافة إلى إثيوبيا أما هتلر فقد احتل ثلاثة أرباع أوروبا، وبالتالي فالقائد الفاشي يحب أن يبرهن لشعبه على أنه رجل!

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصاً و دون تعليق.

المصدر: البيان الإماراتية-20-10-2006