العراق:هل يضمن الأمن والاستقرار حرية الكلمة ؟ (1-2)

 

 

سعد سلوم

 

من حرية القمع إلى حرية القتل..

لقد اثبتت تجارب سنوات الجمر الماضية ان الحق في حرية الرأي والتعبير اهم  حقوق الإنسان الأساسية التي لا تقوم قائمة أي نظام ديمقراطي بدونه. ان الحق في حرية الرأي والتعبير لابد من مراجعته عراقيا في ضوء تجربتنا الفريدة، وبتفصيل ادق: اذا رسمنا مثلثا توضيحيا لعناصر هذا الحق الاساسية فان احد اضلعه يمثل الحق في اعتناق الآراء والأفكار والتوجهات التي يريدها الفرد دون تعرضه لأي ضغط أو إكراه، إضافة لقدرته على التعبير عن هذه الأفكار والتوجهات.باستخدام شتى الوسائل، دون وجود أي تهديد خارجي، يحد من حرية التعبير ونقل الأفكار والمعلومات بكل حرية.

في حين يمثل ضلعه الثاني الحق في الوصول الى المعلومة ذلك ان الحق في حرية الرأي والتعبير في ارتباطه الصميمي والجوهري بالحق في الوصول للمعلومات ونشرها، واعتماده الاساسي عليه يجعل من المستحيل التمتع به وممارسته بكل حرية، دون أن يكون هناك تداول وتبادل للمعلومات، بحيث يتمكن المواطنون من الحصول على مختلف المعلومات التي يريدون، وبلورة الآراء الخاصة بهم والتعبير عنها، لاسيما حين يتعلق هذا الحق بمصير حياتهم وهندسة مستقبلهم كما يحدث في العراق كما يتمثل الضلع الثالث في عنصر الحماية اللازمة للحق، فدون توفر جو يسوده الاستقرار والأمن فان هذا الحق يبقى مهددا ومهدورا في ظل فوضى العنف التي تفرغ كل الحقوق من مضمونها وتحيلها الى محض كلمات مطبوعة على صفحات مواثيق جامدة. ومن ثم يصبح توفير الحماية للصحفيين اثناء حصولهم على المعلومة الضمانة الاهم في طريق كفالة هذا الحق وقد جاء في نص الدستور العراقي  في المادة "36" ان الدولة تكفل وبما لا يخل بالنظام العام والاداب: اولا-حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانيا-حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثا-حرية الاجتماع والتظاهر السلمي تنظم بقانون. قراءة هذا النص تدفعنا لتسجيل الملاحظات الآتية:

- تحيل الدساتير الى قانون تنظيم الحريات التي نص عليها الدستور لكن الاشكالية تنصب على ان القوانين الضابطة والمنظمة لحدود هذه الحريات قد تعمل على تضييق هذه الحريات بالضوابط وتقييدها ما يفرغ هذه الحقوق من مضمونها.

وقد استدركت المادة (44) من الدستـــور هذه المخاوف فنصت على ان:"لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها الا بقانون او بناء عليه على الا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق او الحرية".

- اشار النص الى قيد عام هو عدم الاخلال بالنظام العام والاداب . وقد جرت محاولات عديدة لتعريف فكرة النظام العام وعرفها البعض بأنها مجموعة القواعد التي توفر الأمن للمجتمع، كما يقصد بالآداب العامة مجموعة القواعد الخلقية التي يعتبرها الناس في أمة معينة وفي جيل معين المعيار الخلقي أو الناموس الأدبي الذي يسود مجتمعهم ويضبط علاقاتهم الاجتماعية، ويلتزمون باحترامها ولا يجيزون الخروج عليها باتفاقات خاصة وهي بذلك تشكل الجانب الأخلاقي لفكرة النظام العام، لذلك هي تندرج فيه ويقال دائما النظام العام والآداب، وهذا القيد(النظام العام والاداب) موجود في اغلب دساتير العالم ويتوقف تفسيره على اجتهاد القضاء الذي يجب ان يلتزم بمبدأ عام هو ان السلطة التشريعية لايجوز لها ان تضع قيدا على حرية المواطن من شأنه أن يؤثر في جوهر الحق أو الحرية وهو مانصت عليه المادة(44).

- بسبب تدهور الوضع الامني خلال الاعوام السابقة وسيطرة قوى منفلتة على بعض مفاصل الحياة المدنية تبدو كفالة الدولة للحقوق وفي مقدمتها حق الرأي والتعبير محض افتراض لا سند له في الواقع، ما يجعل من الحقوق كافة مجرد أيقونات في متحف الدستور المكتوب. بل ان القيود الموضوعة على هذا الحق وهي من قبيل القيود الواقعية تمسخ هذا الحق من مضمونه، ذلك انك لابد في النهاية من ان تدخل في لعبة التصنيف الطائفية والجهوية فيحسب رأيك على هذه الجهة أو تلك الى حد يصبح فيه انتهاج الحياد والموضوعية والقراءة العقلانية للاشياء والاحداث نوعا من المروق وربما سبيلا للخيانة!. وقد ذهب أحد الفقهاء الدستوريين الفرنسيين الى ان الدستور لا يعد دستورا ما لم تضعه في الجيب، وذلك للدلالة على قوة الدولة الضامنة لعلوية الدستور وانك بالامكان ان تخرجه من جيبك متى تشاء لتحاجج أي ممثل للسلطة عند انتهاك حقوقك، وما يحدث في الواقع هو ان أي خارج على القانون في الشارع يستطيع ان يدوس الدستور بقدميه دون عقاب لكن يبقى الواقع العملي هو الحكم الفاصل في تطبيق الحرية التي يكفلها الدستور ووعي الناس بحقوقهم المكفولة وهو ما يتطلب نشر ثقافة قانونية وتعميق وعي الناس بحقوقهم المكفولة قانونا وهو الامر الذي يضع المسؤولية على الاعلام والصحافة في المساهمة في هذه التوعية ويضع على عاتق الحكومة رفع مستوى الحماية لهذا الحق، فهل الواقع العراقي الحالي قد ضمن حرية الاعلام وضمان كفالة هذه الحرية وتحقيق الحماية للاعلاميين بعد ان وصل عدد من قتل منهم اكثر من 200 اعلامي بهدف خنق صوت الحرية؟

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alsabaah