لماذا يحب الدكتاتوريون السلطة؟

 

محمد صالح

 

 

أخيرا، زاد اهتمام الاميركيين بالرئيس الباكستاني برويز مشرف، خاصة بعدما أعلن في الشهر الماضي حالة الطوارئ، واعتقل آلافا من معارضيه، وعزل قضاة المحكمة العليا (لأنهم اعلنوا ان انتخابه رئيسا للجمهورية لم يكن دستوريا)، ثم طلب من قضاة المحكمة العليا الذين عينهم الموافقة على فوزه برئاسة الجمهورية (وافقوا كلهم)، ثم استقال من منصبه كقائد عام للقوات المسلحة (وبكى في التلفزيون عندما سلم عصا المارشالية)، ثم صار مدنيا، وادى القسم رئيسا للجمهورية، ثم اعلن انه سيرفع حالة الطوارئ، وسيسمح باجراء انتخابات للبرلمان.

يشك الاميركيون كثيرا في نوايا مشرف (مثلما يشكون في نوايا كل حاكم دكتاتوري)، رغم انه حليفهم في الحرب ضد الارهاب. لكن، لم يمنعهم ذلك من البحث عن كتب عنه يقرأونها ومنها: كتاب الاميركيين رتشارد ويرث، وآرثر شلسنغر:«بيرفيز مشرف»، وكتاب الاميركي دانيال هارمون بنفس العنوان:«بيرفيز مشرف» وكتاب البريطاني اوين جونز، وهو مذيع في «بي بي سي» (هنا لندن)، وعنوانه «باكستان: عشية العاصفة» وشرح تفاصيل الانقلاب العسكري الذي قاده مشرف، وكان المؤلف في باكستان يوم الانقلاب. وتوقع فيه ان مشرف لن يسلم الحكم الى المدنيين، كما وعد.  (في طبعة جديدة، اعاد المؤلف كتابة مقدمة الكتاب، واشار الى تحالف مشرف مع اميركا في حرب الارهاب، وقال ان التحالف ليس الا حيلة لمشرف ليستمر في الحكم) وهناك كتاب الباكستاني الكندي عبد الله جان وهو «مشرف: يقود باكستان نحو كارثة لا مفر منها»، وكذلك كتاب الباكستاني الاميركي (المعتدل) حسين حقاني «باكستان: بين المسجد والعسكرية».

كتاب هارمون

* الاميركي هارمون متخصص في الكتابة عن الاسلام والمسلمين. فقد كتب عن  آية الله الخميني، وعن ليبيا، وتركيا، وكيرغستان وملخص كتابه عن أفغانستان هو ان مشرف يغامر بحياته كل لحظة «في سبيل باكستان». فقد تعرض لمحاولات اغتيال كثيرة، لكنه كان مصمماً على الاستمرار في الحكم «لتطوير باكستان، وتحقيق الديمقراطية فيها»، كما يقول المؤلف الذي لا يخفي تعاطفه معه.

ونقل الكتاب واحدة من هذه «التضحيات» وتحدث، في تفصيل، عن الرحلة رقم 805، في سنة 1999، عندما كان مشرف مسافرا في طائرة «باكستان ايرلاينز» (الخطوط الجوية الباكستانية) ناداه قائد الطائرة الى كابينة القيادة، وقال له ان برج المراقبة في مطار كراتشي رفض السماح للطائرة بالهبوط ورفض مساعدة الطائرة للهبوط في اي مطار آخر داخل باكستان ونصح الطائرة بالهبوط في دولة اخرى. وفهم مشرف ان عدوه نواز شريف، رئيس الوزراء، وراء خطة لاغتياله وبعد ان هبطت الطائرة بسلام، ذهب مشرف الى مكتبه في القيادة العامة، واعلن انه سيقود انقلابا عسكريا ضد رئيس الوزراء.

كتاب عبد الله جان

* أما عبد الله جان، الباكستاني الكندي، ومؤلف كتاب:«مشرف: يقود باكستان نحو كارثة لا مفر منها»، فيقدم، كما هو واضح من العنوان، صورة قاتمة عن مشرف ومستقبله، وعن باكستان في عهده ومستقبلها.

يقول:«منذ ستين سنة، أسست باكستان لتحقيق هدفين: الاول: لتكون وطنا لمسلمي الهند. الثاني: لتكون قلعة للاسلام. ولكن، تحت قيادة حكام فاسدين، صار الهدفان بعيدي المنال. ثم جاء ما يسمي نفسه الرئيس مشرف، وزاد الطين بلة. وجعل تطبيق الاسلام شيئا يستهزئ به المسلمون وغير المسلمين وجعل القوات الباكستانية المسلحة اداة ظلم، وقمع، واضطهاد. وجعلها جيشا من المرتزقة لخدمة المصالح الاميركية». ويضيف: «صار وطني باكستان دولة محتلة. ليس بواسطة اميركا، لكن بواسطة القوات المسلحة التي تدربها وتمولها اميركا». ليست هذه الآراء جديدة على جان. فقد كتب سابقاً عن فضيحة بنك الاعتماد (الباكستاني الاميركي) الذي افلس قبل عشرين سنة تقريبا، وله كتاب آخر بعنوان  «الحرب الاستعمارية الجديدة» ضد الدول الاسلامية.

كتاب آدم جالنسكي

* أما كتاب الاميركي ادم جالنسكي فهو بحث نفسي، ليس عن مشرف بصورة خاصة، ولكن عن الحكام السياسيين الدكتاتوريين بصورة عامة. وحاول الاجابة عن الاسئلة الآتية: لماذا يحب السياسيون الدكتاتوريون الحكم؟ لماذا يلجأون لقتل معارضيهم، وسجنهم، وتعذيبهم، ونفيهم؟ لماذا يريد انسان، اي انسان، ان يكون اقوى من غيره؟  لماذا يظلم ويضطهد غيره ليزيد من قوته؟ ويجيب جالنسكي: «السياسي الدكتاتور مثلى ومثلك.

لا يولد طاغية. لكنه يتعلم كيف يفوز على الآخرين. وكيف يصبح قويا. وكيف يسيطر على كل شيء» ويضيف: «هناك عامل الذكاء الذي لا يجب التقليل منه، إذ يعتقد قسم من الناس، ومن الاختصاصيين، ان كثيرا من الدكتاتوريين اغبياء، او جهلاء. لكن، اثبتت ابحاث جديدة انهم على العكس، اذكياء، واذكياء بدرجة كبيرة. المشكلة هي انهم يسخرون ذكاءهم لتحقيق هدفين: اولا: ليزيدوا قوتهم. ثانيا: ليزيدوا هذه القوة بظلم واضطهاد غيرهم».

بعد الوصول إلى السلطة

* وقال جالنسكي ان حكاما (مثل مشرف) لا يستوعبون مسبقا ثمن وصولهم الى الحكم، وثمن المحافظة عليه. وان الخطوة الاولى اسهل من الثانية. (مثل عسكري يستولي على الحكم بالقوة، ويريد ان يكون دكتاتورا عادلا.  لكنه يتحول الى وحش عندما يحاول غيره عزله).

قبل الوصول الى مثل هذه الآراء، كان جالنسكي قد أجرى ابحاثا في الجامعة التي يدرس فيها، جامعة نورث ويسترين (ولاية اللينوى). قسم طلابا وطالبات الى مجموعتين: اقوياء (اعطاهم قطع حلوى)، وضعفاء (لم يعطهم حلوى). وطلب من المجموعتين مناقشة اهمية الحلوى، واحساس الذي يملكها، واحساس الذي لا يملكها. ووصل الى النتائج الآتية:

اولا: تصرف «الاقوياء» (الذين عندهم حلوى) في استعلاء واستكبار مع «الضعفاء» (الذين ليست عندهم حلوى).

ثانيا: حتى وسط «الاقوياء»، اختلفت تصرفات الذي عنده حلوى اكثر عن الذي عنده حلوى اقل.

ثالثا: اعطى «الاقوياء» حلوى اكثر «للضعفاء» الذين اتفقوا معهم في الرأي، واقل للذين اختلفوا معهم في الرأي.

ووصل جالنسكي الى خلاصة ان حب السلطة ليست شيئا غريبا او شاذا، لكنه شيء عادي وطبيعي.

كتاب داشر كلتنار

* يتفق الاميركي داشر كلتنار مع زميله الاميركي جالنسكي في فهمه لشخصية الديكتاتور، ويقول: «انظر الى اي مسؤول او قائد، ليس في الحكومة فقط، ولكن، ايضا، في اي منظمة، او جمعية، او نقابة، او حتى في القسم الداخلي في الجامعة.لا تستطيع ان تقول انه غريب او شاذ. بالعكس، اذا نظرت اليه في حياد، ستجده ذكيا، وذكيا جدا واذا انصفته اكثر، ستحس بأنه لا بد منه. لا بد من شخص يقود وكل من يقود يتمتع بذكاء طبيعي».

ويضيف: «اذا كنت عاقلا، ستبحث عن مثل هذا النوع من الناس ليقود وطنك، او جمعيتك، او داخليتك». واضاف: «لكن، تظهر المشكلة عندما يصل هذا القائد، او الزعيم، او السياسي، الى منصب القيادة، ويركز على المحافظة على منصبه. سيكون شخصا آخر في عالم آخر» ومثل زميله جالنسكي، اجرى كلتنار بحثا في جامعته، جامعة كاليفورنيا، وتوصل إلى النتائج التالية:

اولا: لن يقدر القائد (خاصة الدكتاتور) على اصدار حكم محايد على المحكومين لانه بعيد عنهم، ويعيش في عالم آخر، ولأن القريبين منه لا يقدمون له معلومات تغضبه.

ثانيا: يقدر المحكوم (المواطن العادي) على اصدار حكم محايد، لان ذلك لن يقلل من قوته (لأنه ليس قويا). وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد كتبت الشهر الماضي عن موضوع القوة والسلطة تقول: «عندما يفعل دكتاتور، مثل مشرف، اشياء تبدو لنا ظالمة وفاسدة، لن يفهم هو ذلك، لأنه يعيش في عالم آخر. عالم الخوف من فقدان قوته».

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitihad-22-12-2007