جون ماكين... صقر "الجمهوريين" في انتخابات الرئاسة

 

جونا جولدنبرج

 

 

كان "جولدواتر"، الأب الروحي لما أصبح يعرف الآن بتيار "المحافظين الجدد"، قد ألقم "الجمهوريين" الذين تذمروا من سوء المعاملة التي لقوها على يد إدارة نيكسون بقوله مخاطباً إياهم : "إن هذا التمرد الجنيني الذي نراه وقد بدأ يدب تدريجياً في صفوف أعضاء الحزب الجمهوري، لا يمكنه أن ينمو ليصبح عقبة كأداء أمام العمل الشاق الذي لابد من بذله لإنقاذ الحزب وإنقاذ بلادنا كلها".

كان ذلك في عام 1960. واليوم ربما حانت الساعة التي يجب فيها لفت أنظار "الجمهوريين" للأخذ بنصيحة أخرى مشابهة، لكنها ترد هذه المرة من السيناتور "جون ماكين" الذي خلف السيناتور السابق "جولدواتر" في كرسيه عن ولاية أريزونا.

وفي نظر مخالفيه في الرأي -الذين طالما كنت أنا واحداً منهم منذ مدة طويلة- فإن لماكين تلك القدرة المذهلة على الاحتفاظ باستقلاليته السياسية ونيل إطراء الهيئة التحريرية لصحيفة "نيويورك تايمز".

وكثيراً ما اختلف هذا السيناتور "الجمهوري"، مع فريق عمله نفسه، في عدة قضايا منها على سبيل المثال، حملة الإصلاح المالي، وسياسات الإحماء الشامل، ومعارضة سياسات الخفض الضريبي.

وبالمقارنة، فإن رودي جولياني لا زال أكثر المرشحين "الجمهوريين" ليبرالية وجدية، على امتداد عدة عقود. لكن بسبب قدرة جولياني على صنع الأعداء ورص صفوفهم ضده -لاسيما هيئة تحرير "نيويورك تايمز"- فإن "الجمهوريين" يختلفون معه في كل شيء تقريباً، لكن دون أن يقلل ذلك من احترامهم له.

وهذا ما يرجح كفة ماكين عليه، خاصة وأنه يكاد يتفق مع هيئة تحرير الصحيفة في كافة القضايا الرئيسية تقريباً.

ومما عرف عن ماكين أيضاً، وقوفه المستمر مع التشريعات والسياسات الداعمة لحق الحياة.

وهذا هو الذي يميزه إلى حد كبير، عن جميع منافسيه المرشحين الرئاسيين الآخرين.

ولدى مقارنة مواقفه مع مواقف جولياني فيما يتصل بهذه التشريعات والسياسات، فقد كان جولياني حتى عهد قريب، من المنادين بالإجهاض الجزئي للأجنة، باعتباره حقاً دستورياً كما يعتقد. ومما يميز ماكين أيضاً، مشاركته في التصويت على كل اسم يتم ترشيحه لعضوية المحكمة العليا الأميركية، بمن فيهم روبرت بورك. أما في محكمة إساءة السلوك التي عقدت للرئيس الأسبق بيل كلينتون، فقد صوّت ماكين لصالح قرار اعتبار كلينتون "مذنباً" فيما وجه إليه من اتهامات حينها. وفي انتخابات 2000 و2004، نشط ماكين لصالح حملة جورج بوش الابن، ولم يتراجع عن ذلك الموقف رغم هزيمته من قبل بوش نفسه.

ومن رأي جولياني أن ماكين زعيم "جمهوري" إلا أنه أكثر تعاطفاً من الناحية الأيديولوجية مع كلينتون، وأنه هو من أيد تنصيب الديمقراطي "ماريو كومو" حاكماً لولاية نيويورك.

ولست أرمي بهذه الكتابة، إلى مجرد إجراء مقارنات فردية بين شخصيتي جون ماكين ورودي جولياني. غير أن ازدواجية المعايير في أوساط اليمين الأميركي، تبدو لي الآن أكثر من كونها ظاهرة مغرقة في الفردية.

ذلك أن أكثر ما يعول عليه جولياني في حملته الانتخابية الحالية، هو فعل كل ما من شأنه إظهار أكبر قدر ممكن من الحزم في الحرب الدائرة على الإرهاب.

وربما كان مُحقاً في ذلك، غير أن خبرته في مجال السياسات الخارجية، لا يمكن وصفها إلا بأنها محدودة ومتواضعة للغاية.

وبالمقارنة، فإن خبرة ماكين في هذا المجال، تكاد تتفوق على جميع منافسيه "الجمهوريين".

يضاف إلى ذلك أنه ليست ثمة أدلة تثبت تفوق جولياني على ماكين من ناحية النزعة القتالية "الصقرية"، خاصة وأن ماكين يكاد يكون أمضى السنوات الأربع الأخيرة كلها، في حث بوش على أن يبدي قدراً أكبر من الحزم في العراق، بما في ذلك دعوته إلى زيادة عدد قواتنا هناك، قبل عدة سنوات، سابقاً بها مبادرة جميع من دعا إلى هذه السياسة، بمن فيهم الرئيس بوش نفسه.

وإذا كان رودي جولياني قد اكتسب شعبية سياسية واسعة، بسبب ما أظهره من حساسية ومواقف قيادية جريئة في هجمات 11/9 على مدينة نيويورك التي كان عمدة لها، فقد اكتسب جون ماكين سمعته بعد تلك الهجمات، استناداً إلى مقولته الشهيرة في مخاطبة العدو الإرهابي : "فلتسألوا الله أن يرحمكم.. لأننا لن نرحمكم".

وبعد كل هذا... كيف لـ"المحافظين الجدد" أن يظلوا على اعتقادهم أن جولياني هو المرشح الأنسب لهم، بسبب مجرد إعلانه عن الرغبة في إبداء ما يلزم من الحزم إزاء الحرب على الإرهاب؟

لكن باتخاذه موقفاً يمينياً متشدداً إلى جانب إدارة بوش، فربما تمكن ماكين من تحويل حملته الانتخابية الرئاسية، إلى استفتاء شعبي عام على مستقبل الحرب في العراق، أكثر من مجرد كونها استفتاءً على السنوات الأربع الأخيرة من هذه الحرب.

وبحكم كونه بطلاً حربياً، وله اثنان من أبنائه في ساحات العمليات العسكرية الجارية الآن في العراق، فإن له من الأهلية الأخلاقية والسياسية، ما يمكّنه من الدعوة إلى عدم الإسراع بالفرار غير المسؤول من هناك، طالما أننا هرولنا نحو بغداد، دون خطة ولا سياسات واضحة لإدارة مرحلة ما بعد الحرب.

*كاتب ومحلل سياسي أميركي

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"