منظمات المجتمع المدني ودورها في حماية حقوق الانسان

 

المحامي حسن حافظ

 

ليس بخاف على احد ان حقوق الانسان وحرياته التي لا يجوز المساس بها، والتي يتعين على الحكومات ان تترك لمواطنيها مساحة كافية لكي يتمتعوا بها باعتبار انها من الحقوق المقدسة خصوصا عندما تقر بها وتنص عليها في دساتيرها، ومن قبل تلك الدولة التي تنحو الى نشر العدل واقرار الحق والمساواة بين المواطنين واحترام كرامة الانسان، باعتباره افضل كائن موجود على سطح الكرة الارضية، فالانسان هو اغنى رأسمال في الوجود كما يقولون الا انه وما يحز في النفس ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين ان نجد ببساطة ان تلك الحقوق الانسانية كانت ولا تزال تتعرض للبطش والظلم والارهاب، في الوقت الذي تنشط فيه حريات الشعوب كافة، في المشرق والمغرب، الا انه ما زال هناك بعض من الشعوب يدعو الى المطالبة بتلك الحقوق والحريات الاساسية التي اقرتها الاعراف والمواثيق الدولية، اضافة الى ما جاء به القانون الدولي العام، من اقرار لتلك الحقوق، فمن دون ذلك فلا معنى للحريات ولا قيمة لها، باعتبار ان هذه الحقوق هي الاعمدة الاساسية لارساء قواعد الحرية والسلام لشعب من الشعوب او لامة من الامم.

واذا سلمنا جدلا ان هذا الانسان الحر هو وحده القادر على تنشيط الخلية الاساسية لمجتمع ما، فانه لدى منحه هذه الحرية ومنحه حقوق الانسانية بمثابة تعزيز لكرامة الانسان هذا، وانقاذه من ان يقع عليه اي ظلم او جور او استبداد لانه وبدون هذه الحقوق لا يمكن تقديم عطاء افضل.

وتقع على منظمات حقوق الانسان في بلدان العالم كافة مهمة التعريف بحريات المواطن وحقوقه الاسياسية، لوقف الانتهاكات التي يتعرضون اليها، ولعل هذا هو النظام الامثل للتمتع بحريات الانسان الاساسية التي انزلتها السماء واقرتها شرائع الارض، واكثر من ذلك عليه ان يهتم بقضايا الناس وحقوقهم المسلوبة او المضطهدة ورسم الطريق لهم في كيفية المطالبة بتلك الحقوق، وعدم تجاوزها، ولا تقتصر مهمة منظمات حقوق الانسان على الاتصال بالجهات المختصة ذات العلاقة بل بالعمل على تعزيز هذه الحقوق، وتطبيق المثل العليا التي نصت عليها في منظماتها واكثر من ذلك عليها ان تبادر من اجل صياغة القوانين وابداء المشورة ونقد مسودات القوانين، التي تتصل اتصالا وثيقا بتلك الحقوق التي تنادي بها وتوفير الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لشعوبها فهذه مسؤولية تلك المنظمات، وتلك هي واجباتها في تشكيل منظمات المجتمع المدني وهي لاتقتصر بالتعريف بالحقوق التي يجب ممارستها والتي يجب اداؤها، بل تتعدى ذلك في اقامة الندوات للتعريف بها وفقا لما اقرته بلدان العالم، ذلك ان موضوع حقوق الانسان اصبح مرتبطا باتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 التي اطلق عليها”القانون الدولي الانساني “ التي تهدف جميعا الى التمتمع بالحقوق والواجبات والمواثيق المتجسدة في حماية الانسان.

كما قد برز في السنوات الاخيرة موضوع ذو اهمية كبيرة، اصبح الشغل الشاغل للمهتمين بحقوق الانسان، الا وهي مشكلة”اللاجئين “ في جميع المجتمعات الدولية، الذين اصبحوا يتعرضون الى الاضطهاد والى انتهاكات خطيرة لحقوقهم، بما في ذلك من خرق للمبادئ الاساسية التي نادت بها المواثيق المتعلقة بحقوق الانسان.

اذا كانت الدول السلطوية والانظمة الدكتاتورية هي التي تعمل على انتهاك حقوق الانسان وقد تعدتها الى اكثر من ذلك بظهور منظمات ارهابية لها اخطبوط دولي واسع، مع حركات عسكرية تعمل في الغالبية للاستيلاء على المدن او احداث تفجيرات ارهابية سواء ما جاء منها عن بعد او عن عمل انتحاري والعمل على قتل المدنيين والابرياء، كما وتأتي لتحرق الزرع والضرع، ومن هنا تنبثق اهمية تشكيل المنظمات”غير الحكومية “ للدفاع عن حقوق الانسان، التي يتعين عليها القيام بدور فاعل ومؤثر في سبيل نشر تلك المبادئ والدفاع عنها، والعمل على تثقيف الجيل الواعي من الشباب، وتعريفهم بها وعدم تجاوزها، خصوصا وان بعضا منهم ممن يتلقى معلومات مغلقة ومتعصبة تعمل على تشويه الكثير من المبادئ الديمقراطية التي تدعو الى القبول بالاخر بغض النظر عن الجنس واللون والتعدد الاثني والمذهبي.

ولعل في مقدمة تلك الحقوق، المبادئ الاولى التي اقرتها الدول لحقوق الانسان هو”الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان “ ثم تبع ذلك صدور ميثاق الحقوق الذي صدر في فرجينيا التي شملها الكثير من التطوير والتعديل على ما طرح فيها من افكار وآراء، على الرغم من انها قد اخذت بالمبادئ الاساسية التي وردت فيها المساواة، كما حصل في اليونان القديمة التي استمرت حتى العصر الحديث، كما وينظر جورج جرداق الى وثيقة علي بن ابي طالب (عليه السلام) لعامله مالك الاشتر الى انها حوت الكثير من مبادئ وحقوق الانسان بحيث ان الكاتب المذكور اطلق عليها”دستور علي بن ابي طالب “.

ومنذ الحرب الباردة التي استمرت الى ما يقارب من نصف قرن 1945- 1990 بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي وما تبعه من سقوط النظام الاشتراكي وتفكك دول المعسكر الشرقي، بحيث اصبح المنظور الحديث في التقييم الاساسي لاية دولة، هو في مدى وقوف تلك الدول المعنية داخليا وخارجيا مع حقوق الانسان، ومدى وجود او نشاط مؤسساتها المدنية في ذلك المجتمع، اذ ان تلك الحقوق هي ليست”هبة “ تقدمها الدول الى مواطنيها، وانما هي”حقوق “ صادرتها تلك الدول وعملت على اعادتها الى مواطنيها، او في طريقها الى الاعادة ثانية وبعيدا عن القانون الدولي العام، والذي اعترفت به تلك الدول الدكتاتورية لما لجأت الدول الاخرى او مواطنيها لتذكيرها بها، او العمل على تطبيق بنوده، مع ترجمة نصوص بقيمة الاتفاقات الدولية الصادرة عن الجهات والمنظمات الدولية على ارض الواقع، وجعلها”رئات “ يتنفس منها المواطنون عبير الحرية والديمقراطية، اذ ينتج عن طريق الاقرار بمبدأ المساواة في الحقوق، بغض النظر عن الدين واللون والجنس كما سجلتها المواثيق الدولية، هو ليس نصها في دساتيرها فحسب بل بالعمل على تطبيقها عمليا، مع تكثيف الجهود جميعا من اجل الدعوة الى تحفيز المؤسسات الحكومية والمنظمات المدنية وبكل قوة، من اجل ان تكون فاعلة في تلك المجتمعات، وتأخذ طريقها نحو الانجاز الفعلي والممارسة العملية، هذا وتأتي الوثيقة الصادرة في 10 كانون الاول عام 1948 التي اقرتها الجميعة العامة للامم المتحدة واعتبرها المصدر الرئيس والقاعدة الاساسية لمبادئ حقوق الانسان في المجتمعات الحديثة، حتى اذا وصلنا الى عام 1966 اعتمدت الامم المتحدة على وثيقتين دوليتين صدرتا عن الاعلان العالمي لحقوق الانسان الا وهما:

1. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

3. كما اعتمدت الامم المتحدة اضافة الى تلك الوثيقتين”بروتوكولا اختيارياً “ تم الحاقه بالاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، حيث يخول فها الافراد حق التظلم الى لجنة حقوق الانسان اذا ما انتهكت حقوقهم من قبل الحكومات، وهكذا فقد اضفى الاعلان العالمي لحقوق الانسان مع العهدين الدوليين والبروتوكول الاختياري، الشرعية الدولية لحقوق الانسان، كما وظهرت هناك اتفاقات اقليمية بشأن حقوق الانسان، كالاتفاقية الاوروبية والميثاق الافريقي والاتفاقية الاميركية، ومشروع الميثاق العربي لحقوق الانسان وهكذا فقد ظهرت المنظمة العربية لحقوق الانسان بشكل فعلي عام 1983 وعلى الرغم من انك لا تجد”خصوصا في الوطن العربي “ من لا يدعو الى حقوق الانسان والاعتراف بحرياته الاساسية، وبالمقابل فانك لا تجد دولة حاليا من لاتنتهك هذه الحقوق بصورة او باخرى.

لذا فان المطلوب من”منظمات المجتمع المدني “ ان تقوم بدورها في تنشيط الرأي العام في شعوبها ومطالبة حكوماتها باحترام حقوق الانسان وحرياته والدعوة الى التمسك بها باعتبار انها جاءت بنصوص تدعو الى الخير والمحبة والتسامح والعمل على احترام الانسان، وصون كرامته، والعمل على تثبيت حقوقه، بغض النظر عن الجنس واللون والقومية وسواء ما كانت ترعى حقوق الطفولة والاحداث واليافعين ثم الكبار ومن الجنسين، ومحاربة الفساد الاداري والانتقال السلمي للسلطة، وحقوق المرأة وهذه كلها تصب في الجانب الايجابي، وقد تبنت الكثير من دساتير العالم مبادئ تلك المواثيق الدولية، ذلك ان الانسان يولد حرا وحريته هذه تكمن في العمل والحرية والمأكل والمشرب والتقاضي امام القانون مع تطبيق مبدأ”المتهم بريء حتى تثبت ادانته “ كما ان من حرية الانسان التمتع بالحقوق المدنية في الانتخابات والترشيح والانضمام الى الجمعيات والنقابات والاتحادات وفي كيفية التعامل مع الاديان السماوية كما وردت في لائحة حقوق الانسان.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: جريدة الصباح