ترويج الديمقراطية! هل خان وقت الخطة "ب" ؟

 

 

قدم  تقرير واشنطن في  عدده السابق الجزء الأول  من عرض ورشة عمل عقدها  "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" The Washington Institute for New East Policy  خلال شهر ديسمبر حول سياسة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وركزت المداخلات على ضرورة الانتقال مما أسمته الخطة (أ) إلى الخطة (ب). قدم المداخلات الرئيسية كل من: كارل غيرشمان Carl Gershman، وهو رئيس "المؤسسة الوطنية للديمقراطية" National Endowment of Democracy وعضو اللجنة الاستشارية لوزير الخارجية لنشر الديمقراطية، ومارتن كرامر Martin Kramer الباحث في  معهد واشنطن ومؤلف كتاب "الأبراج العاجية على الرمال: فشل دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة" Ivory Towers on Sand: The Failure of Middle East Studies in America، وأخيرا جينيفير وندسر Jennifer Windsor، وهي المديرة التنفيذية لمؤسسة  فريدام هاوس Freedom House وعضو اللجنة الاستشارية لوزير الخارجية لنشر الديمقراطية. ويعرض تقرير واشنطن فيما يلي الجزء الثاني والأخير من من الدراسة وهي مداخلة مارتن كرامر.

مصادر فشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

يميز مارتن كرامر بين مصدرين رئيسيين لفشل السياسة الأمريكية في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، المصدر الأول هو الأخطاء الأمريكية والمصدر الثاني هو مسئولية العالم العربي ذاته عن فشل تلك السياسة. ويطرح كرامر ثلاثة أشكال رئيسية للأخطاء الأمريكية. الخطأ الأول أن السياسة الأمريكية لا تسير في الطريق إلى نهايته، فقد أولى الرئيس بوش أهمية كبيرة للحديث باستفاضة عن الديمقراطية وأهميتها بالنسبة للشرق الأوسط، ولم يول الأهمية ذاتها للسياسة العملية وتبني سياسة متسقة طويلة الأجل لدعم الحرية، بل على العكس استمر الدعم الأمريكي للنظم الحاكمة غير الديمقراطية. الخطأ الثاني أن الولايات المتحدة وضعت العربة أمام الحصان، وبمعنى أدق فقد وضعت الولايات المتحدة الانتخابات قبل المجتمع المدني. وكان الأجدر أن تركز السياسة الأمريكية على بناء القدرات الديمقراطية وتأجيل الانتخابات لحين توافر شروط التحول الديمقراطي الأخرى. الخطأ الثالث هو طرح مشروع نشر الديمقراطية في المنطقة عبر الاحتلال والحرب، وهو ما أدى إلى افتقاد المشروع الأمريكي ثقة العرب، وإثارة الشكوك حول النوايا الأمريكية وراء مشروع نشر الديمقراطية في المنطقة، واعتبار مشروع نشر الديمقراطية مجرد غطاء لمشروع إمبريالي أمريكي. كما ساهم ذلك من ناحية أخرى في إضعاف التيار الليبرالي في المنطقة والنظر إليه باعتباره جزءا وامتدادا للمشروع الأمريكي في المنطقة. واستطاع الإسلاميون الاستفادة من هذه البيئة وتوظيفها لصالحهم. ورغم تلك الأخطاء، يؤكد مارتن مرة أخرى أنه لازال بالإمكان تصحيحها.

أما فيما يتعلق بمسئولية العالم العربي ذاته، يرى كرامر أن المشكلة الرئيسية على الجانب العربي تتمثل في حالة الشك وعدم الثقة العميقة لدى العالم العربي إزاء الدوافع والأهداف الأمريكية والغربية. ويعترف كرامر أن الغرب قد ساهم من جانبه في تعميق تلك الأزمة من خلال بعض الكتابات والنصوص الغربية، ويطرح هنا ما ذهب إليه ايلي كيدوري Elie Kedourie في كتابه حول "الديمقراطية والثقافة السياسية العربية" Democracy and Arab Political Culture  من "أنه لا يوجد في التقاليد السياسية للعالم العربي ما يتوافق مع مبادئ الحكومة الدستورية والتمثيلية... إن أؤلئك الذين يرون أن الديمقراطية هي الحل في العالم العربي يغفلون الخبرة الطويلة من محاولات تطبيق الديمقراطية في العديد من دول المنطقة والتي انتهت بالفشل".

الخطة (ب) هي الحل

ويخلص كرامر هنا إلى أن المخرج الوحيد من حالة "الشوفينية" والتمحور حول الذات تلك هو التفكير المنهجي في التمايزات الثقافية بين العرب والغرب وصياغة خطة بديلة (الخطة ب) بشكل أكثر واقعية، تتجاوز الانتخابات بل وفكرة الديمقراطية ذاتها، لتركز على نوع الحريات التي يشكل كبتها وإخمادها الخط الأحمر بالنسبة للشعوب العربية. ويرى كرامر أن سلم الحريات لدى المجتمعات العربية يختلف عن نظيره لدى المجتمعات الغربية، فالحريات الأهم لدى المجتمعات العربية هي الحريات ذات الطابع الجماعي وليس الحريات الفردية، وتدور حول الهوية الجماعية وليس حول المصالح الفردية. ويطرح كرامر هنا تجربة نظام صدام ، الذي قام بقمع الحريات الفردية التقليدية ـ حريات التعبير والتجمع والتنظيم ـ ومع ذلك لم يشهد نظامه أي حركات تمرد أو معارضة قوية للدفاع عن تلك الحريات، ولكن بمجرد أن انتهك هذا النظام الحريات الجماعية ـ حرية الهويةـ ظهرت حركات العصيان والتمرد العرقي والمذهبي ضد النظام (انتفاضات الأكراد والشيعة). وبمعنى آخر، فإن الحريات الجماعية ـ الهويةـ وليس الحريات السياسية الفردية هي التي تحتل القيمة الأولى بالنسبة للشعوب العربية، وتمثل الخط الأحمر بالنسبة للجماعات العرقية والدينية في المنطقة.

معارضة الإسلاميين

إلا أن تركيز الولايات المتحدة على هذا النوع من الحريات سوف من وجهة نظر كرامر معارضة قوية من جانب الإسلاميين، فالإسلاميين يتبنون هوية فوق قومية يصعب تحقيقها، تأخذ شكل الخلافة لدى بعض الحركات الإسلامية. بل على المستوى المحلي ذاته فإن بعض الحركات الإسلامية تشكل تهديدا ليس فقط للأقليات غير المسلمة، ولكن أيضا للمسلمين الذين يدافعون عن هويات أخرى. ومن ثم، فإن أحد شروط نجاح الديمقراطية في الشرق الأوسط هو سيطرة التكوينات والأقليات الدينية والعرقية في المنطقة على شئونها الخاصة والحفاظ على هوياتها الفرعية. ومن المفارقات المهمة أن معظم النظم غير الديمقراطية في الشرق الأوسط تقوم على سيطرة أقليات باسم الأغلبية، ومن ثم كان لابد أن تحافظ تلك النظم على طابعها التسلطي غير الديمقراطي لضمان سيطرتها على السلطة، والحفاظ هوية الأقليات الحاكمة.

واستنادا إلى تلك الحقائق فإن أحد الشروط الأساسية لنجاح نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط هو تعزيز هذا النوع من الحريات. ويعترف كرامر أن التعزيز غير التمييزي لهذا النوع من الحريات قد يؤدي إلى عدم استقرار كبير في المنطقة وربما الإضرار بالمصالح الأمريكية، ولكن هذا هو التحدي الحقيقي للخطة (ب)، كما سيظل في التحليل الأخير أفضل من مجرد الاقتصار على الترويج الإنشائي لهدف نشر الديمقراطية واختزالها في الانتخابات التي انتهت بصعود الإسلاميين.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتبفي المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: تقرير واشنطن-العدد93