الإصلاح :  فوري و جذري أم تدريجي و مرحلي؟

 

 

عدم الاستجابة لرغبة الشعوب بالإصلاح يؤدي إلى تنامي الضجر السياسي

في خضم الحوار الدائر منذ أحداث ايلول 2001 حول الاصلاح في العالم العربي والاسلامي ثمة مد وجزر بين المدافعين عن الاصلاح التدريجي والراغبين بالاصلاح الفوري الجذري.ويتوزع هؤلاء بين الانظمة السياسية العربية والغربية من جهة والشعوب العربية والاسلامية من جهة أخرى، فيما تقف الشعوب الاخرى خاصة الغربية منها موقف المتفرج الذي يشارك في حالة احتدام الصراع بالتعبير الاحتجاجي السلمي مثل المظاهرات المناهضة للحرب على العراق في العديد من المدن الاوروبية والامريكية والآسيوية.ويمكن تقسيم الانظمة العربية حسب موقفها من الاصلاح الى ثلاثة أقسام.الأول يشمل الانظمة التي تتمتع بعلاقات دبلوماسية جيدة مع الادارة الامريكية مثل الأردن ومصر والسعودية ودول الخليج العربي واليمن.وتقف الأنظمة السياسية في هذه الدول وبدرجات متفاوتة موقفا ايجابيا من الاصلاح على صعيد الخطاب السياسي الرسمي ولكن التنفيذ وكما تثبت الشواهد لا يرقى الى مستوى الخطاب في هذه الدول والخطوات الاصلاحية التي تم اتخاذها من قبل هذه الانظمة لا تعدو كونها إجراءات بسيطة لا تلبي طموحات شعوبها.والقسم الثاني لا يتمتع بعلاقات جيدة مع الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي مثل السودان.اما القسم الثالث فيتمتع بعلاقات دبلوماسية جيدة مع الاتحاد الاوروبي، خاصة مع فرنسا مثل المغرب، والجزائر وتونس.وتعتبر فرنسا احد المحركات الرئيسة في السياسة المتوسطية للاتحاد الاوروبي.وهذه السياسة تركز بشكل كبير على الاصلاح التدريجي في الاقتصاد والسياسة.فالاختلاف الحاصل هو بين من يطالب بإصلاح جذري وفوري من جهة وبين من يطالب بإصلاح تدريجي من جهة اخرى وليس بين من يطالب بالاصلاح ومن يرفضه.إذ ان نسبة من يطالبون بإبقاء الوضع على ما هو عليه، أي رفض الاصلاح، هي نسبة قليلة جداً باستثناء حالتي الاردن وبنغلاديش اللذين بلغت نسبة من يفضل ابقاء الوضع على ما هو عليه في كل منهما 44 % و42 % بالتتالي.ولكن نسبة من يفضلون الاصلاح سواء كان جذرياً أم تدريجياً في هاتين الدولتين تفوق نسبة من يفضلون إبقاء الوضع على ما هو عليه.إذ بلغت نسبة من يفضلون التغيير (جذري وتدريجي) 47 % في الأردن و 54 % في بنغلاديش من المواطنين البالغين ذكوراً وإناثاً.

 عند تفحص اتجاهات الرأي العام في بلدان عربية واسلامية اخرى نجد أن الدعم الشعبي للاصلاح مرتفع جداً ونجد كذلك ان نسبة من يفضلون إبقاء الوضع على ما هو عليه متدنية جداً في كل من المغرب، ومصر، والجزائر، واندونيسيا، وباكستان، وتركيا.ولكن الرأي العام العربي والاسلامي وبشكل عام يُفضل الاصلاح والتغيير على الوضع القائم.ففي المغرب نجد ان نسبة من يفضلون الوضع القائم هي 8 % فقط، مقارنة بـ 14 % في مصر، وبـ 19 % في الجزائر، و بـ 15 % في كل من اندونسيا وباكستان، و %20 في تركيا.

وتفضل مجتمعات الدول العربية والاسلامية التغيير التدريجي بأغلبيات تتراوح بين الكبيرة والبسيطة.ففي كل من المغرب ومصر نجد أن 79 % من المواطنين يفضلون التغيير التدريجي، مقارنة بـ %69 في كل من الجزائر واندونيسيا، وبـ 56 % في باكستان، وبـ 51 % في تركيا.وخلاصة القول هنا أن المجتمعات العربية والاسلامية ترغب بالتغيير التدريجي وترفض الاغلبية في هذه المجتمعات إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه.والسؤال المنطقي في هذا المقام يجب أن يطرح دوافع الاغلبية هذه المجتمعات لإبداء الرغبة في الاصلاح التدريجي ورفض الحال القائم.ويمكن النظر الى دوافع التغيير والاصلاح في المجتمعات العربية والاسلامية من عدة زوايا نظربة وعملية.وربما يعود السبب الأهم في تفسير الرغبة في الاصلاح الى موضوع «الأمن الانساني».فحسب المؤشرات العالمية للأمن الانساني ـ والتي تشكل الحرية والديمقراطية مكوناً اساسياً فيها ـ تقبع الدول العربية والاسلامية وبدرجات متفاوتة في حدود المستويات المتدنية الى جانب دول افريقية غارقة في الفقر وتردي الاوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية.وترى الاغلبية في المجتمعات العربية والاسلامية بأن هذا الحال غير قابل للاستمرار.

ولذلك نجد أن الصراع السياسي بين مؤيدي ومعارضي الاصلاح في المجتمعات العربية تحديداً بدأ يحتدم ويأخذ اشكالاً غير اعتيادية.ففي حين ترى النخب الحاكمة ومن يرتبط بها بمصالح اقتصادية (نحو 20 % في المجتمعات الورادة في هذه المقالة) أن الاصلاح غير ضروري نظراً لأن مصالحهم ستتأثر بشكل كبير في حال تغيير آليات العمل السياسي والاقتصادي لتكون أكثر شفافية.ولكن هذه النظرة هي لا شك تفتقد لبعد النظر لسببين أساسيين:الأول، ان حالة الاحتقان السياسي المتنامي في المجتمعات العربية لا بد من ان تُعبر عن نفسها بأشكال سلمية وإلا سيزداد احتمال لجوء بعض الافراد الى العنف السياسي وبوادر هذا بدأت بالظهور بشكل سافر في غير دولة عربية ويؤدي هذا الى تآكل شرعية النخب السياسية الحاكمة على المدى المتوسط والبعيد.والسبب الثاني هو أن عدم الاستقرار الناتج عن حركات الاحتجاج التي بدأت تأخذ طابعاً دينياً سيعطي الدول الأخرى خاصة الولايات المتحدة واسرائيل الفرصة للتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للمجتمعات العربية تحت ذريعة مكافحة «الارهاب والتطرف الاسلامي».وفي حال عدم استجابة الأنظمة العربية تحديداً لرغبات مجتمعاتها في الاصلاح فإنها تُجانب التفكير العقلاني في مستقبلها واستمراريتها خصوصاُ أن العقد الاجتماعي الناظم للعلاقة بين النخب السياسية والمجتمعات لا يمكن الاستمرار به لفترة طويلة في ظل وجود الضغط الغربي والامريكي خاصة باتجاه التغيير والاصلاح في المنطقة كمصلحة استراتيجية امريكية تم التعبير عنها بكل وضوح في الخطاب السياسي والثقافي الأمريكي الراهن .

و كل ذلك بسب المصدر المذكور.

المصدر: مجلة المجلة

 

مواضيع ذات علاقة:

الإصلاح الديمقراطي في المنطقة العربية... بين معوّقات الواقع وحسابات المصالح

مسيرة الإصلاح بمصر.. "للخلف در"

مشوار الإصلاح أصابه عطب ... في مصر

الأوروبيون وحيرة الإصلاح

عندما يتحول الإصلاح إلى ثورة اجتماعية

المجتمع العربي من الأزمة إلى الإصلاح

تناقضات مفهوم «المجتمع المدني» في الإصلاح السياسي العربي

نقص في السياسة وليس فقط في الإصلاح: مصير الإصلاح السياسي في مصر

الإصلاح ضرورة تاريخية

الإصلاح في الخطاب الرئاسي الأميركي

الخطاب العالمي حول الإصلاح العربي

مستقبل الاصـلاح ... الولايات المتحدة بين الدفاع والهجوم 

تيار الإصلاح الذي لم يولد بعد   

الإصلاح وعلل الفرد العربي   

الإصلاح الديمقراطي بين الإسراع والإبطاء          

من المسؤول عن سراب الوعود الإصـلاحـية ؟       

الإصلاح العربي بين التحدي والاستجابة        

هـلْ ذهـب الإصـلاح في الشرق الأوسط أدراج الـرياح ؟ لـماذا وكيـف؟    

هلْ أعـلن فوكوياما : مُـنـظِّـر المحافظين الجدد نهاية عـصر الإصـلاح والدمـقرطة ؟  

الرأي : الإصلاح والأسئلة العالقة

إلى متى؟ وكيف يبدأ الإصلاح؟

اللوبي الصهيوني يعارض الاصلاح في الشرق الأوسط .. لماذا ؟

نقـد الدمقرطة : للتراجـع أم للإصـلاح  ؟ !

بين الدستور والدمقرطة العراقية والتجارب العالمية 

الإصلاح لنا... وليس للأميركان