علاقة «الإخوان» بالنظام المصري: أزمة منهجية أم مصالح متصادمة؟

 

                    منتصر الزيات  

 

 

تبقى علاقة «الإخوان المسلمين» بدوائر السلطة المختلفة في مصر شأناً غامضاً لم يتمكن أحد من فك طلاسمه أو الوقوف على مفرداته وأدواته. فبين الفينة والأخرى تطرأ في الأفق ملامح دخان يعبر عن أزمة تكدر صفو تلك العلاقة الغامضة، ترافقه إجراءات بوليسية بالقبض والاشتباه حينا وإخطار النيابة لتجيز وقائع القبض حيناً آخر.

غير أن الاجراءات ضد «الإخوان» في غالبية الأحيان تكون مقننة، في مقابل إجراءات مماثلة تتخذها السلطات في مواجهة آلاف الشبان الذين ينتمون إلى حركات إسلامية توصف عادة بالراديكالية أو الجهادية. فهؤلاء قبعوا داخل السجون أحلى سنوات عمرهم من دون سبب، أو سند معقول، وبلا محاكمة عادلة، أو مراعاة لحرمة الأحكام القضائية بالافراج عنهم.

المهم، مناط الغموض يكمن فى إجراءات سيادية تتخذ من كلا الطرفين في مواجهة أزمات قومية أو استراتيجية ترمي لتحقيق الوئام في ربوع الوطن ونزع فتيل التوتر وما قد يؤدي إليه من «فوضى خلاقة». وعندما استطاعت «الحركة المصرية من أجل التغيير» المعروفة باسم «كفاية» أن تحطم تابوهات كثيرة في العمل السياسي بالإسقاط على القيادة السياسية في خطاب غير مسبوق في أجندة الأحزاب والنخب السياسية المصرية, ونزلت إلى الشارع تصرخ وترتفع حناجر قادتها بالهتاف ضد نظام الحكم بما أربك أجهزة الأمن التي لم تقدر على قمع تلك التظاهرات, نزل «الاخوان» إلى الشارع في ترتيب مذهل وتحرك محكم بتظاهرات أربكت حسابات «كفاية» وأجهزة الأمن معاً. لكن اللافت أن التدابير الأمنية التي اتخذتها الحكومة لم ترقَ إلى مستوى وخطورة الحدث, في الوقت الذي مارست فيه «مجموعات مشبوهة» مهمة الهجوم على صحافيين ومحامين وناشطين تظاهروا أمام نقابة الصحافيين فى أيار (مايو) من العام الماضي احتجاجاً على تعديل المادة 76 من الدستور. وخلال هذا الهجوم، انتهكت محرمات كثيرة خيبت آمال معظم المتفائلين بتطور الوضع السياسي المصري في سياق منظومة الإصلاح التي ورد ذكرها كثيراً في الخطاب الإعلامي للحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في الحملة الانتخابية الرئاسية والبرلمانية.

قبل ذلك، كان لافتاً موقف السلطات المصرية من القوى الراغبة في التعبير عن حال الاحتقان إبان غزو العراق. وقتها، لم تثق السلطات سوى بـ «الإخوان» الذين نظموا تظاهرة كبرى في استاد القاهرة، ونقلوها إلى استادات محافظات مختلفة، خرجت كلها في أمان.

وعندما حصد الاخوان 88 مقعدا فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة ورسبت الأحزاب التي تنعم بالرخصة الرسمية، تساءل كثيرون عن اتفاقات جرت تحت الطاولة بين «الاخوان» ودوائر مهمة في بلاط السلطة، بالتزامن مع حال التجاذب والافتراق داخل الحزب الوطني التي أسفرت عن إحلال وتبديل في أجيال الحزب القديمة والحديثة, مع صفقات عقدها رموز الحزب مع مرشحي «الاخوان» في دوائرهم، على غرار ما جرى في دائرة رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور أحمد فتحي سرور.

أنا ممن لديهم قناعة بقدرة «الاخوان» على حصد مقاعد أكبر في أي انتخابات يخوضونها في حال وجود ضمانات النزاهة والحياد والإشراف القضائي. ومرجع ذلك لسببين أساسيين، أولهما قدرة «الاخوان» على التنظيم ومنهجة حملاتهم الانتخابية بقدر كبير من الدقة المحسوبة، وثانيهما عاطفة الشعب المصري تجاه الدين والتدين.

لكن اللافت في الأزمة التي أثارتها صحيفة مصرية لها علاقات وثيقة بلجنة سياسات الحزب الحاكم أنها تثير علامات استفهام كبيرة في إطار تلك العلاقة المعكوسة، مع تنامي الحديث عن «تجهيز» السيد جمال مبارك لخلافة والده فى الرئاسة عبر انتخابات مباشرة جديدة يبقى تحديد موعد إجرائها مرتهناً بعوامل كثيرة متضافرة. ويطرح بعضهم بعضاً من مفردات نظرية المؤامرة عن دور محتمل لـ «الإخوان» في تمرير وتسهيل عملية انتقال السلطة وإن أحيطت بقدر من الدخان أو الضباب الذي يعتم الرؤية أثناء تلك العملية المرتقبة.

رئيس لجنة الحريات في نقابة المحامين المصرية.

وكل ذلك بحسب راي منتصر الزيات في المصدر المذكور .

المصدر : الحياة – 26-4-2006