ديموقراطية لليهود ودولة ليست لكل مواطنيها 

 

 

يلجأ عزمي بشارة في دراسة النقد الى استخدام النهج النقدي الذي سار عليه العديد من الباحثين الاسرائيليين الذين قدموا من خلال معالجتهم التي وصفت بالنقدية توصيفات للديموقراطية الاسرائيلية تقوم على تسوية بين النتائج التي توصلوا إليها والديموقراطية المذكورة. ومن خلال استخدامه للنهج ذاته يصل بشارة الى نتائج مغايرة تماماً، نتائج أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها نتيجة منطقية من نتائج استخدام أدوات التحليل العلمي الموضوعي للحالة موضوع الدرس من دون أية تعمية أو تحريف أو إجراء تسوية بين النموذج النظري والواقع.

سمات الديموقراطية الاسرائيلية بحسب ما توصل إليه عزمي بشارة من خلال مساهمته في نقد وتشريح بنية الديموقراطيـة الاسرائيلية ليست سمات ديموقراطية ناقصة يمكن التغلب عليها بطريقة يمكن أن تؤدي الى تقريب المسافة بين الديموقراطية الاسرائيلية والنموذج الديموقراطي، كما يرى العديد من الليبراليين، ولا هي بنموذج خاص للديموقراطية كما يرى بعض آخر من النقاد الاسرائيليين الذين يسوقون للديموقراطية الاسرائيلية على أنها نموذج جديد ونمط خاص من أنماط الديموقراطية.

فمن خلال توصيفه للديموقراطيية الاسرائيلية (أو الديموقراطية اليهودية) يستعرض بشارة إشكالات الديموقراطية اليهودية من خلال تقاطعات ثلاثة عناصر أساسية دائمة الحضور وتشكل دحضاً للديموقراطية اليهودية المزعومة وتنفي عنها صفة النموذج، وحتى اندراجها ضمن خانة النماذج التي تقترب الى حد ما من نموذج الديموقراطية النظرية، أو الديموقراطية الليبرالية، أي بمعنى وجود مسافة فلكية بين النموذج قيد الدرس، نموذج الديموقراطية اليهودية (التي تتطابق ونموذج الديموقراطية في دولة الابارتهايد) والنموذج النظري، نموذج الديموقراطية الليبرالية، وأولى هذه الاشكالات يتمثل بواقعة عدم الفصل بين الأمة القومية والدين، أو عدم الفصل بين الدين والدولة في النظام السياسي الاسرائيلي، وهو الأمر الذي يقود الى الاشكال الثاني للديموقراطية الاسرائيلية وهو اشكال المواطنة في دولة تحرص على أن تعرف نفسها على أنها دولة يهودية أو "دولة اليهود".

فالدولة ليست يهودية بحكم الأغلبية اليهودية فيها (نحو 80 في المئة من التعداد السكاني العام) وإنما بحكم الادعاء الايديولوجي بكونها "دولة اليهود" حيثما كانوا. وعليه يتفرع عن هذه الاشكالية الثانية اشكاليتان، الأولى اشكالية استحالة تحقيق المساواة في دولة اليهود "حيث مصدر الحقوق فيها يتحدد بالانتماء لليهودية"، والثانية إشكالية المواطنة الصهيونية أو "المواطنة المؤدلجة" وهو أمر يتناقض كلياً ومن حيث الأساس مع النموذج الديموقراطي، مع مفهوم الديموقراطية الليبرالية (لكونها محيدة ايديولوجياً). أما الاشكال الثالث الناجم عن الديموقراطيـة الاسرائيليـة التـي تعتمد مبدأ المواطنة الصهيونية التي تقوم على أساس من فكرة التمييز بين اليهود وغير اليهود بكل المسائل المتعلقة بمفهوم المواطن والمواطنية فيتعلق بدوره بالحريات المرتهنة والخاضعة في اسرائيل للسياسات الأمنية التي تتخذ في كثير من الأحيان من خلال تعاملها مع القسم غير اليهودي من مواطني الدولة سياسات دولة احتلال قمعية، تماماً كما هو الأمر في المناطق (أي في الضفة والقطاع)، حيث تتخذ شكل "أبارتهايد كولونيالي".

أخيراً وعلى هذا الصعيد المتعلق بتشريح بنية الديموقراطية الاسرائيلية بشكل عام وبنقد نقاد الديموقراطية المذكورة (من الاسرائيليين) بشكل خاص، لم تفت عزمي بشارة من خلال مساهمته أهمية تذكير الاسرائيليين والعالم بجرأة وصراحة زعيم حركة "كاخ" الحاخام مئير كهانا الذي شرع منذ الثمانينات بوضع النقاط على الحروف في كل ما يتعلق بتناقض الصهيونية مع الديموقراطية، أو بتناقض الديموقراطية اليهودية مع الديموقراطية الغربية (هنا وبهذا الخصوص لا بد من التذكير بكتاب فيليب سيمونو ورافائيل ميرجي: كهانا، الحاخام الذي يرعب اليهود ـ باريس1989) فبحسب كهانا فالصهيونية والديموقراطية الغربية علاقتهما مستحيلة، لا يلتقيان ولا يمكن لهما أن تتعايشا:

"لأن الديموقراطية الليبرالية تدعو الى الاعتراف بحقوق متساوية للسكان في الدولة بغض النظر عن الأصول الدينية والعرقية لهذه المجموعة أو تلك" وهذا في حد ذاته يشكل نفياً للصهيونية التي لا يمكن أن تتعايش إلا مع ديموقراطية من نوع خاص بها، ديموقراطية مفصلة على قدها، أي مع "ديموقراطية يهودية" وعليه بحسب كهانا (الذي طرد من الكنيست ومن الحياة السياسية الاسرائيلية بفعل جرأته على هذا الصعيد المحدد بنحو خاص) ف اسرائيل اليهودية لا يمكن لها أن تتقبل الديموقراطية إلا في حالة واحدة "في حالة التزام هذه الديموقراطية على نحو كلي ومحدد بالشريعة اليهودية، أي بقانون التوراة".

وكلّ ذلك حسب رأي كاتب المقال .

الكتاب: من يهودية الدولة حتى شارون

الكاتب: عزمي بشارة

الناشر: دار الشروق، القاهرة 2005

المصدر : حسن عبد العال - المستقبل -  24 آب 2005