متغيّرات في الديموقراطية المغربية؟ 

 

 

 

كتب كمال حميدة في المستقبل اللبنانية بتاريخ 18-7-2005

نال حزب البديل الحضاري "الاسلامي" ترخيصا من السلطات المغربية، وهو بمثابة تعزيز لتكريس الديموقراطية الفعلية على المسرح السياسي، وتحول واقعي ملموس نحو الانفتاح أكثر لاستيعاب المزيد من الأحزاب والحركات بتنوع التوجهات والايديولوجيات. ويكون بذلك ميلاده كثاني حزب يلتزم بالمبادئ الدينية في مشروعه النهضوي الحضاري، يعطي دفعا اضافيا في معترك الممارسة الديموقراطية، سواء بإيضاح طروحاته على النهج التغييري أو المشاركة الاصلاحية. ويتوقع انه سيشكل منافسا جنبا إلى جنب حزب "العدالة والتنمية" المتموقع على السلم الترتيبي في المقاعد النيابية خلف حزب الاشتراكي وحزب الاستقلال.

واللافت ان هذا المكون الجديد خاض أوعر الخطوب والمسالك في ماضيه قبل الاعتراف به ضمن القواعد القانونية الدستورية الحالية، فقد كان من قبل يؤمن بالعمل السري ولم يخرج إلى العلن الا عام 1995، حيث تم باسمه تأسيس جمعية تدعى "البديل الحضاري"، الا ان المؤسسة الإدارية الحاكمة رفضت قبول اعتماده في الخارطة السياسية آنذاك، ما اضطر قيادييه إلى التفكير في البحث عن واجهات أخرى للتغلغل إلى ساحة اللعبة التعددية لإضفاء الشرعية. ولم تكلل ثمرة المجهودات الا بعد تغيير صورة جديدة عن اهدافه وطموحاته، حيث تبنى مفهوم الخيار الحضاري بغية الحفاظ على مواريث الأصالة ومسايرة الحداثة مفضلا لغة المصالحة مع جميع قوى المجتمع المغربي لمصلحة الوحدة الوطنية الجامعة في ضوء الثقافة الاسلامية البينة. ولعل الورقة الرابحة والعملة الثمينة التي مكنته من احراز ترخيصه هي اعلان استعداده للتحالف والعمل مع اي طرف داخلي يؤمن بالديموقراطية وحرص على العناية المعتبرة بالخطاب الاعلامي المتميز.

وتبدو من واقع الامر هناك مفارقات بينه وبين أحزاب ذات توجه ديني، وفي طليعتها تجاه جماعة "العدل والاحسان" صاحبة القاعدة العريضة في حقبة الثمانينات بزعامة مؤسسها الروحي "عبد السلام ياسين" المجاهر بمواقفه المتشددة ضد القصر الملكي وبنقده السلمي العنيف والصريح، وداعياً إلى ان مقومات اسلمة المغرب هي:

تطبيق الاقتصاد الاسلامي وحل الأحزاب السياسية وإصلاح المنكرات ومكافحة الفساد. لكن تحديه للملك السابق تجاوز الخطوط المعهودة من خلال رسالته التي عنوانها "الاسلام أو الطوفان" ومضمونها الاحتكام إلى الشريعة أو خيار الثورة الذي لا رجعة فيه، فكلفه الابقاء على حظر حزبه سياسياً وقانونياً إلى يومنا، وتم اعتقال زعيمه إلى ما بعد رحيل العاهل حسن الثاني والعديد من وجوه مناضليه.

أما من زاوية حزب "العدالة والتنمية" الذي نجح في استثمار عنصر الحكمة والعقلنة في اتقان لعبة التعددية، فقد استفاد من ماضي مؤسسه عبدالكريم الخطيب المشرف في مقاومة الاحتلال الفرنسي وثقل تجربته في الحقل السياسي بتقلده مناصب وزارية ونيابية اعلاها رئاسة البرلمان. وثمة نقاط تصنفه اقرب إلى اليسار، وفي صدارتها ان مرشحيه ليسوا اصوليين متشددين ولا اسلاميين راديكاليين وهم يتقبلون الصورة المعتدلة عن الاسلام وينبذون العنف والتطرف مهما كانت اوجه منابعه ومشاربه، ويفضلون التقارب مع السلطة والولوج في اروقة العمل الديموقراطي داخل اطر العمليات الانتخابية، رافضين الهجران والعزلة أو سد اي منفذ للدفاع عن مطالب المجتمع المدني عبر المشاركة في نطاق الحدود الديموقراطية.

فالتيار الاصولي اذن في المغرب اجمالا رسالاته سلمية، والميزة المتسمة والمجمع عليها في طرقه التخلي عن المواجهة والاصطدام أو التحريض على الانقلابات كأساليب للتغيير، عكس ما حدث في الجزائر أو ما يعصف في موريتانيا بين الفينة والأخرى. الا ان الانقسام بدا بارزا في اوساط المنهج الاسلامي بين اتجاهين:

 الاول: ناقد للديموقراطية من اساسها مبررا بكونها دخيلة على المفاهيم الاسلامية وأن الانخراط فيها عملٌ يتنافى مع المبادئ الشرعية، فقوبل بالحرمان ووضع المتعاطفون معه تحت الرقابة والملاحقة.

الثاني: اختار الانضمام إلى نادي التعددية الحزبية والتركيز على قوة الاقناع بمشروعه الاصلاحي كخير بديل للسياسة القائمة، فرفع الستار امامه وسمح له بحرية التعبير عن آرائه وأفكاره بعد ان اظهر بوادر مرتكزة على المعالجة البناءة اقتصادية واجتماعياً.

فالتحول المغربي في هذا المسار هدفه استقطاب الفاعليات الحية من جميع الشرائح الاجتماعية، وتلبية لارضاء الداخل واستجابة لمعايير تطورات الديموقراطية العالمية. غير انه في وقت لم تبادر على شاكلته الدول المجاورة، منها تونس مع التيار الاسلامي خصوصا، أو ليبيا التي تحظر التعددية والتحزب في دساتيرها، جاعلة منها من المحرمات الموبقات عملا بحكم الشعار الساري "الأحزاب تجهض الديموقراطية"، معللة مقولاتها لصون الوحدة الوطنية وحماية النظام العام للجماهيرية. فهل تسلك هذه الدول سبلا للخلاص من النظرة الاحادية والتطلع للمصلحة العامة بقصد مواكبة دمقرطة العصر واحراز تقدم في اجندة حقوق الانسان والحريات؟.

وكل ذلك حسب رأي كمال حميدة في المستقبل اللبنانية .